تعيش السورية دلال في حي "الزيتون" شرقي العاصمة المصرية القاهرة، مع زوجها المقعَد وخمس بنات أنجبت آخرهن قبل أشهر عدة، فمنذ سبع سنوات، بدأت مصر في استقبال آلاف الأسر السورية الفارّة من ويلات الحرب.
ظاهريًا؛ تبدو حياة دلال وأسرتها مرفهّة مقارنة بباقي اللاجئين السوريين في مصر، فهي تعيش في شقة يزيد إيجارها الشهري عن 1700 جنيه مصري (نحو 100 دولار أميركي)، في حي سكني ينبض بالحياة والخدمات، بينما يتمركز السوريون في أطراف العاصمة، وتحديدًا في مدينة السادس من أكتوبر.
لكن حياة الأسرة السورية لا تخلو من الألم والشقاء، ما يزيد من عبء اللجوء ويعمّق حلم العودة إلى سورية. إذ تضطر دلال للبقاء في هذا المسكن المكلف نسبيًا بسبب زوجها المقعد، فمنذ قدومهم إلى مصر ساعده "أولاد الحلال" بالتعبير المصري الدارج، على افتتاح محل صغير في الطابق الأرضي من البناية التي يعيش فيها، يبيع فيه الحلوى للأطفال وبعض المستلزمات المنزلية، فضلاً عن "فَرشة" متواضعة أمام المحل لبيع الخضراوات.
ووقعت مصر على معاهدة جنيف عام 1951، التي تنص على أنه "ينبغي منْح اللاجئين المضطهدين الفارين من بلدانهم حق اللجوء، وينبغي عدم إعادتهم إلى أوطانهم إذا كانوا سيواجهون فيها ما يهدد حياتهم أو حريتهم".
ولا يوجد في الفكر المصري الرسمي مفهوم "مخيمات اللاجئين"، وبالتالي فإنه على الأسر اللاجئة تدبير حياتها بنفسها، ومحاولة التكيف مع الأوضاع التي تفرضها عليها ظروف الإقامة والمعيشة.
وخصصت الأمم المتحدة يوم 20 يونيو/ حزيران من كل عام كيوم عالمي للاجئين، لإيصال حقيقة أنه "في عالم يُجبر فيه العنفُ مئات الأسر على الفرار كل يوم، فإن على الحكومات المستضيفة القيام بواجباتها تجاه اللاجئين".
تقول دلال: "ولاد الحلال دلّونا على هذا المحل، وشارك زوجي صاحبه المصري في دفع الإيجار. في البداية كان يستأجر منه فقط حق الانتفاع ببيع الخضار على مدخل المحل. ثم سمح له بمشاركته في المحل نفسه لبيع الحلوى والبقالة والخردوات. الآن يتقاسمون المكسب بالتراضي بينهما".
وتابعت: "زوجي مقعد، ولا يمكنني الانتقال إلى وحدة سكنية بإيجار أقل. فقد ارتبط بهذا العمل الذي لا يملك غيره نظرًا لظروفه الصحية. المحل أسفل البيت مباشرة، وهو ينزل مرة واحدة في الصباح. ويصعد آخر اليوم. كما اتفقت مع صاحب الشقة على تثبيت قيمة الإيجار، رغم أن قانون الإيجار المصري يسمح بزيادة سنوية 10 في المائة".
ورغم تكاليف الحياة في مصر، إلا أن دلال وزوجها لم يتوقفا يومًا عن حلم إنجاب ذكر يساعد والده ويدعم أخواته البنات في المستقبل. تقول "بدنا صبي نتكي عليه. يحمل والده اللي رجليه ضاعوا في الحرب، ويحمي إخواته البنات، ويعوّض صبرنا خير".
البنات في مراحل عمرية مختلفة. الكبرى في الصف الأول الإعدادي، وسبق أن شاهدت من ويلات الحرب والدمار في سورية ما أثر عليها، وهي تستيقظ من النوم ليلا صارخة، تقول دلال: "بنتي الكبرى لا تشعر بنفسها عندما تصيبها الحالة العصبية. تمسك شعرها وتنتفه وهي تصرخ. لم أعد أقوى على السيطرة عليها. تحسنت حالتها بعدما انخرطت في الدراسة وأصبح لديها صديقات في المدرسة".
تحاول دلال وأسرتها التكيّف مع الحياة في مصر التي استقروا فيها منذ أربع سنوات، وهي لا تسعى إلى العمل، على أمل الهجرة إلى كندا التي سافر إليها شقيقها قبل أعوام، وهو يحاول لمّ شمل عائلته المتفرقة بين مصر ولبنان وسورية.
Twitter Post
|
أما الثلاثينية السورية أمينة، فهي تعيش مع أسرتها في الحي العاشر بمدينة نصر (شمالي القاهرة)، وتواصل البحث عن مصادر دخل متنوعة تساعدها على تحمل نفقات الحياة. تقول السيدة بينما تطرز مشغولات سورية يدوية، إنها تواصل العمل من أجل مساعدة والدها وشقيقها في تحمُّل نفقات الحياة.
وعلى موقع "فيسبوك" أنشأت أمينة صفحة خاصة بالمشغولات اليدوية لتعرضها للبيع، ويزيد زبائنها يومًا بعد يوم. تقول: "ماشي الحال الحمد لله. في البداية كان الوضع صعبا. لكن بعدها مشي الحال. كنت آخد المشغولات وأدور في النوادي لعرضها، واللي كانوا بيشتروا مني دلّوني على صفحة فيسبوك. بدأت الناس تتواصل معي من خلالها، ويجيلي طلبات خاصة أصمّمها".
مصر بالنسبة لأمينة أصبحت المستقر حتى حدوث انفراجة في سورية، لا أحد يعلم موعدها، ووالدها لا يعمل، لكن شقيقها تمكن من فتح محل لبيع "الشاورما"، وهو يعدّ المصدر الأساسي للإنفاق على الأسرة.
Twitter Post
|
وتشير الأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد الطلاب السوريين المسجلين في المدارس المصرية يبلغ نحو 40 ألف طالب، كما يبلغ عدد السوريين المسجلين في الجامعات المصرية نحو 14 ألفاً.
وتقدّر المفوضية عدد اللاجئين السوريين في مصر بنصف مليون سوري، بينهم قرابة 52 ألف طفل في الوقت الراهن، حسب إحصاء إبريل/ نيسان 2017، وهو الرقم المعلن من جانب الحكومة المصرية، وفق تقديرات محمد ثروت سليم، القائم بأعمال السفارة المصرية في سورية.
نجح كثير من السوريين في مصر في إنشاء مشروعات تجارية، أغلبها في قطاعات النسيج والمطاعم، منذ عام 2011، وتقدر استثماراتها حاليًا بما يقارب 800 مليون دولار أميركي، حسب تقرير للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، صدر في مايو/ أيار 2017.
وأشار التقرير نفسه إلى أن "السوريين استطاعوا دخول الاقتصاد المصري، والمشاركة برأس مال قُدّر بالملايين خلال السنوات الماضية، رغم أن عددا كبيرا من الصعوبات واجهتهم، مثل الحصول على تراخيص العمل". ومع ذلك، تشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 54 في المائة من اللاجئين السوريين في مصر يعيشون تحت خط الفقر، وأن 20 في المائة منهم عاطلون عن العمل.