قطر المتماسكة... عام على حصار الدول الأربع

الدوحة
أنور الخطيب
أنور الخطيب
صحافي أردني. مراسل "العربي الجديد" في قطر.
05 يونيو 2018
A7C54FD4-C483-4C47-AD81-E76214682B03
+ الخط -

أزمة حصار قطر الذي بدأته السعودية والإمارات والبحرين ومصر تعتبر أسوأ أزمة سياسية تشهدها دول الخليج، خصوصاً مع استمرارها منذ عام كامل، لكنّ الشعب والقيادة في قطر أثبتا قدرتهما على الصمود

أزمة حصار قطر غيّرت مسلّماتٍ كثيرةً لدى المواطنين في الدولة الخليجية، ممّن تعرّضوا لصدمة بسبب الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد بلادهم، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، وفرض الحصار الجوي والبري والبحري على قطر، فتفرقت العائلات، ومنع المواطنون القطريون من التنقل، ومن أداء العمرة ومناسك الحج، وخسر من كانوا يدرسون في جامعات هذه الدول دراستهم الجامعية، كما لحقت بمئات منهم خسائر مالية فادحة، فهناك من خسروا بعض أعمالهم واستثماراتهم، خصوصاً في السعودية والإمارات والبحرين، وهناك من خسروا منازل وممتلكات لهم في هذه الدول.

إجراءات صادمة
يصف مدير الاتصال والعلاقات العامة في الهلال الأحمر القطري سابقاً، عيسى آل إسحاق، إجراءات دول الحصار بالصدمة والجرح الذي لن يبرأ بسهولة. ويقول إنّ الجميع صدم من إجراءات دول الحصار التي لم تستثنِ أحداً، صغيراً وكبيراً، فإجراءاتها قطعت التواصل بين أبناء العائلة الواحدة، بل في بعض الحالات بين الزوج وزوجته، وبين الأم وأبنائها، إذ أصبح التواصل بين أبناء العائلة الواحدة محرّماً، وفق قوانين دول الحصار تحت طائلة العقوبات، وهو ما يعرف بقرار "منع التعاطف مع قطر"، فضلاً عن خسائر كبيرة لحقت بالمستثمرين القطريين بسبب الأزمة والحصار، وهو ما دفعهم للجوء إلى لجنة التعويضات، لمحاولة تحصيل حقوقهم.




أعلن النائب العام القطري، علي بن فطيس المري، في شهر مارس/ آذار الماضي، في مؤتمر صحافي في جنيف، أنّ عدد القضايا التي تلقتها لجنة المطالبة بالتعويضات الخاصة بمتضرّري الحصار الذي تتعرّض له قطر منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017 بلغ عشرة آلاف قضية، من بينها أربعة آلاف و217 قضية وضعت أمام جهات الاختصاص الدولية، وتم قطع شوط كبير فيها، مؤكداً أنّ قطر ستلاحق دول الحصار أمام المحاكم الدولية إلى النهاية، لانتهاكها القانون الدولي وحقوق الإنسان.

يقول آل إسحاق: "تصور بيتاً واحداً ينقسم إلى مجموعتين أو ثلاث مجموعات... سيكون التأثير بلا شكّ قوياً جداً، ولن يبرأ الجرح بسهولة". لكن، ربّ ضارة نافعة، كما يقولون، فالأزمة بثت روحاً إيجابية في المواطن القطري، ودفعته إلى التغيير الإيجابي، فأصبح أكثر اعتماداً على الذات، وخلال عام، رأينا قدرة الفرد القطري في الإبداع في كلّ المجالات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً الشباب، ذكوراً وإناثاً، كما تعزّزت الوحدة الوطنية، وتغلب الحس الوطني والانتماء للوطن على الانتماء العائلي والقبلي لدى القطريين، بحسب آل إسحاق.
يلفت آل إسحاق إلى أنّ حصار قطر الذي مر عليه عام أثبت هشاشة مجلس التعاون الخليجي، وأنّه مجلس قبلي أكثر منه منظومة مؤسسية، فكأنّ الهدف منه، وما زال، خدمة الأنظمة الحاكمة.

تغيّرات كبيرة
يقول الكاتب والإعلامي جابر الحرمي، إنّ قطر تغيرت، كما أنّ المواطن القطري تغير مائة وثمانين درجة، بعد الخامس من يونيو/ حزيران 2017، فدولة الرفاهية انتهت، منذ ذلك الوقت، وظهر وعي جديد، خصوصاً في قطاع الشباب الذين بدأوا يساهمون في عملية التنمية. يشدد الحرمي على متانة الوضع الداخلي في البلاد، فأبناء قطر كلّهم اليوم أبناء قبيلة واحدة، فقد جعلتهم الأزمة بوتقة واحدة جميعاً ومن ضمنهم المقيمون أيضاً. كذلك، فإنّ شكر أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المقيمين في الدولة، من على منبر الأمم المتحدة، كان رسالة واضحة وتقديراً كبيراً لما اكتسبته الجبهة الداخلية من مناعةٍ قويةٍ في التصدي لمحاولات دول الحصار التي أرادت اختراق الجبهة الداخلية منذ اليوم الأول، لكنّ قطر قدمت نموذجاً في التماسك المجتمعي، فأبناء قطر قبيلة واحدة لم تتمكن دول الحصار من اختراقها.



يؤكد جابر الحرمي على استمرار الدور الذي لعبته قطر في المنطقة والإقليم، على الرغم من الحصار الذي تتعرّض له، إذ كانت لها بصمات ومساع ووساطات في ملفات عديدة ساخنة في المنطقة. يقول: "لا أتصور حصول تراجع للدور القطري. كان هناك نوع من إعادة الترتيب للأولويات، فكان من الطبيعي أن تتصدّى قطر للهجمة التي وقعت عليها، والجريمة التي ارتكبت بحقها، لكنّ علاقاتها تعزّزت مع مختلف الدول، ومصداقيتها أفضل بكثير الآن مما كانت عليه قبل الحصار. وقد أعطاها خطابها السياسي الذي قدمته خلال الأزمة مكانة مختلفة عما كانت عليه، فقدّمت معالجاتٍ حقيقيةً في تعاطيها مع الأزمة، ولم تتعامل بردة الفعل مع سياسات دول الحصار وإجراءاتها، ولجأت إلى القانون الدولي، وإلى المنظمات الدولية في قضايا الحصار والسياسات العنصرية التي قامت بها دول الحصار، ونجحت في تقديم نفسها بصورة حضارية".

يعتبر الحرمي أنّ بلاده تتمسك بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، لكنّه يدعو إلى إعادة تشكيل منظومة المجلس، ويقول إنّه لا يمكن أن تعود هذه المنظومة إلى التعاطي مع المرحلة المقبلة بعد الأزمة التي حدثت، وبالأدوات نفسها: "بعدما كنا نتغنى بخليج واحد وشعب واحد، صحونا على شيء مختلف، فلا بدّ من إعادة هيكلة مجلس التعاون، وإعادة النظر في دور الأمانة العامة للمجلس، ودور هيئة فض المنازعات لمجلس التعاون الخليجي، فبعد عام من الأزمة، لم تحرك الهيئة وأمينها العام ساكناً، على الرغم من الأزمة التي تعصف بالكيان وبشعوب المنطقة والشرخ الكبير الذي أحدثته".

الاستقلال عن المحيط
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، ماجد الأنصاري، أنّ أهم التغيرات التي حصلت خلال عام الحصار في قطر، اتجاه الدولة والسياسات الحكومية إلى تحقيق الاستقلال عن المحيط الإقليمي، والسعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، سواء من خلال زيادة الإنتاج الزراعي في البلاد، فأصبح أكثر من 300 في المائة، وزيادة الإنتاج الصناعي، وبث روح وقوة جديدة في القطاع الخاص من خلال توفير فرص له للمشاركة في الاقتصاد القطري، بعد توقف إغراق السوق بالمنتجات والخدمات التي تأتي من دول الحصار.

يلفت الأنصاري إلى حالة التكاتف الوطني القوية جداً، والالتفاف حول القيادة القطرية، وانتشار الشعار الذي أصبح شعاراً وطنياً "تميم المجد" في أوساط الشعب القطري. ويفيد بأنّ الأزمة الخليجية والحصار على قطر دفعتا المواطن القطري إلى الخروج من حالة الانكماش السياسي، بمعنى أنّه لم يكن بالضرورة مهتماً بالسياسة، فبعد الأزمة والحصار، أصبح 90 في المائة من المواطنين القطريين يهتمون بالسياسة والديمقراطية. وتدلّ كلّ المؤشرات على أنّ الوعي السياسي زاد بشكل كبير لدى المواطن القطري، فصار مدركاً أنّ محيطه الإقليمي ليس الخيار الوحيد أمامه، وأنّ العلاقات المتوترة مع دول الجوار تستلزم الالتفاف حول القيادة، وتستلزم التفكير بالمصالح القطرية والقيم القطرية، بمعزل عن هذا المحيط الإقليمي.




من ذلك أنّ دراسة أعدتها جامعة قطر عن الحصار، ونشرت أخيراً، أظهرت أنّ 66 في المائة من المواطنين القطريين يؤيدون استمرار عضوية بلادهم في مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من الأزمة الخليجية التي افتعلتها السعودية والإمارات والبحرين مع قطر. وقال 98 في المائة من القطريين إنّهم راضون عن الأداء الحكومي خلال الأزمة، بينما أشار 88 في المائة إلى أنّهم يعتقدون أن قَطَر قادرة على العيش في ظل هذا الحِصَار لو استمر سنوات عديدة مقبلة. وفي الجانب الاجتماعي، أفاد 75 في المائة من أفراد العينة بأنّ لديهم أقارب في دول الحصار. وقال 70 في المائة من المواطنين الذين شملتهم الدراسة المسحية إنّهم لم يتمكّنوا من رؤية أقاربهم في دول الحصار منذ بدء الأزمة، ما يعني أنّ جملة الإجراءات التي فرضتها دول الحصار على رعاياها، وعلى المواطنين القطريين، أثرت على شبكة العلاقات الاجتماعية.



كذلك، بينت النتائج أنّ غالبية المواطنين تواصلوا مع الأقارب في دول الحصار عن طريق الهاتف المحمول (52 في المائة)، ووسائل التواصل الاجتماعي (20 في المائة)، بينما أفاد 10 في المائة من المواطنين بأنّهم لا يتواصلون مع أقاربهم في دول الحصار إطلاقاً. وتشير هذه الحال إلى مدى تأثير الأوضاع السياسية الراهنة على العلاقات الاجتماعية. أيضاً قال 47 في المائة من المستطلعين إنّ علاقاتهم مع أقاربهم الموجودين في دول الحصار لم تتغير، بينما أشار ربع المواطنين تقريباً (26 في المائة)، إلى أنّ علاقاتهم قد ساءت مع أقاربهم في دول الحصار.

ذات صلة

الصورة
مواطنون قطريون يصوتون على التعديلات الدستورية (العربي الجديد)

سياسة

أعلنت اللجنة العامة للاستفتاء على مشروع التعديلات الدستورية في قطر إغلاق صناديق الاقتراع بجميع اللجان عند الساعة السابعة من مساء الثلاثاء بتوقيت الدوحة
الصورة
وضع حجر الأساس لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي-الكرنتينا - بيروت - لبنان - 16 سبتمبر 2024 (محمد سلمان)

مجتمع

وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي - الكرنتينا، ومن المتوقّع الانتهاء من إعادة إعماره وتجهيزه بالكامل بتمويل دولة قطر بعد عامَين.
الصورة
الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والدكتور عزمي بشارة يشاركان بحفل التخريج (العربي الجديد)

مجتمع

احتفل معهد الدوحة للدراسات العليا بتخريج الفوج الثامن من طلبة الماجستير بحضور رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
الصورة
أصيب حسن وأحمد في قطاع غزة (حسين بيضون)

مجتمع

قلما ينجو فلسطيني في غزة من صواريخ مسيّرات الاحتلال التي يطلق عليها محلياً اسم "الزنانة"، وكان من بين ضحاياها الشابان حسن أبو ظاهر وأحمد بشير جبر.