مياه مجهولة المصدر في تونس

11 سبتمبر 2018
مياه الشرب مقطوعة غالباً (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
لم تسجل أيّ إصابة بالكوليرا في تونس، مع ذلك برزت مخاوف من انتشار المرض بسبب مياه الشرب المنقولة مجهولة المصدر والتي تنتشر في المناطق الشعبية

أكثر ما يثير شكوك التونسيين من احتمال التسبب بنشر الكوليرا في البلاد، بعد انتشار المرض في بلدان مجاورة، هي مياه الشرب المنقولة إلى أحيائهم، بعد انقطاع مياه الشرب الذي أدى إلى ارتفاع نسق استهلاك المياه المعدنية، التجارية، بنسبة 43 في المائة وفق المعهد الوطني للاستهلاك.

بالرغم من التحذيرات المستمرة لوزارة الصحة ووزارة التجارة من انتشار وتوزيع بعض المياه مجهولة المصدر، والتي تجلب من أعين غير مراقبة صحياً أو آبار منتشرة خصوصاً في الشمال الغربي، فإنّ تجارة تلك المياه ما زالت كبيرة في عدّة جهات تونسية خصوصاً في الأحياء الشعبية. يقول بائعو تلك المياه التي يقبل عليها الفقراء ممن لا يتمكنون من تحمل كلفة المياه المعدنية، إنّها مياه بعض العيون في جبال الشمال الغربي وهي بعيدة عن أيّ تلوث. تشهد تلك المياه إقبالاً كبيراً من قبل السكان في بعض المناطق الداخلية لا سيما في محافظات الجنوب، نظراً للانقطاع المستمر لمياه الشرب، وانخفاض سعرها مقارنة بسعر المياه المعدنية المعلّبة، إذ يبلغ سعر الخمسة لترات من تلك المياه نصف دولار أميركي.




تحفظ المياه في خزانات بلاستيكية غير مخصصة، وتنقل في ظروف غير صحية على متن شاحنات، لمئات الكيلومترات تحت أشعة الشمس. لكن بالرغم من علم أغلب المواطنين بذلك إلاّ أنها تبقى حلاً بديلاً بالنسبة لهم للانقطاع المستمر للمياه خصوصاً في فصل الصيف.

وضعت وزارة الصحة التونسية برنامجاً للوقاية من الوباء بعد انتشاره في بعض المناطق بالجزائر. وقد شددت منذ مدّة الرقابة الدورية على المياه خصوصاً في المناطق الحدودية. كذلك، نظمت حملة توعية لضرورة الغسل الجيد للأيدي والخضار والغلال، مع عدم التزود بالمياه من الباعة المتجوّلين في الشارع، وضرورة استعمال أوعية صحية ونظيفة لحفظ المياه. وأكدت الوزارة أنّها تراقب مياه الشرب والأغذية وحتى المياه المستعملة، محذرة من احتمال تفاقم هذه المخاطر في حال حدوث فيضانات، خصوصاً أنّ العديد من الأودية (الأنهار) تربط بين الجزائر وتونس.

في المقابل، حذّر الديوان الوطني للمياه المعدنية منذ يوليو/ تموز الماضي من استهلاك المياه مجهولة المصدر أو تلك التي تباع في الأرصفة والشوارع والأسواق الموازية، لأنّها معلّبة بطريقة مخالفة للشروط التي تضبط معايير الجودة، والشروط العامة للاستغلال والإنتاج في قطاع المياه المعلّبة.



بدورها، أعلنت وزارة الداخلية أنّ وحدات الشرطة البلدية حجزت 3280 لتراً من المياه مجهولة المصدر في كلّ من محافظة أريانة وجندوبة وسوسة. كما تمكّن أعوان (عناصر) المراقبة الصحية في الإدارة الجهوية للصحة بنابل، بالتعاون مع أعوان الشرطة البلدية ببني خيار من ضبط شاحنتين في مدينة بني خيار على متنها 6210 لترات من المياه مجهولة المصدر. وحجزت مصالح الفرقة الجهوية للشرطة البلدية 1190 لتراً من المياه المعلبة مجهولة المصدر في بنزرت وفق ما ذكره رئيس الفرقة الجهوية، عادل بن طاهر، لـ"العربي الجديد". أضاف أنّه تمّ تكثيف الرقابة في الآونة الأخيرة وحجز تلك الكمية من المياه، مع حجز الشاحنات التي تنقل المياه وتحرير محاضر مخالفات ضدّ أصحابها.

من جهته، أشار مدير إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط بوزارة الصحة، محمد الرابحي، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الوزارة أكدت أكثر من مرّة عدم تسجيل أي إصابة بالكوليرا. في المقابل، وضعت برنامجاً وقائياً لمراقبة كلّ المياه وطريقة تعليبها ونقلها أو حفظها، إلى جانب حجز أيّ مياه مجهولة المصدر توزع في الشوارع والأحياء وذلك بالتنسيق مع شرطة البلدية ووزارة التجارة. يؤكد أنّ كلّ الجهات المعنية ستتعامل مع المياه المعلبة وغير المراقبة أو تلك التي تنقل بطرق غير صحية تحت الشمس، وإتلاف كلّ الكميات المحجوزة. يتابع الرابحي أنّه جرى التنسيق أيضاً مع جميع الولاة في جميع المحافظات للتصدي للباعة العشوائيين للمياه ووحدات تصفية المياه غير القانونية.

بدوره، أفاد كاتب عام نقابة الشرطة البلدية، محمد الولهازي، "العربي الجديد" أنّ شرطة البلدية، بالتنسيق مع وزارة الصحة ووزارة التجارية، كثفت الحملات المشتركة للرقابة سواء في العاصمة أو الجهات، أو من خلال الدوريات العادية. وقد جرى ضبط شاحنات تحمل المياه في الخزانات غير الصحية والتي تكون معرّضة لأشعة الشمس، وضبط الباعة الذين لا يملكون رخص بيع المياه من قبل وزارة الصحة، مع حجز المياه وإيداع الشاحنات التي تنقلها، وتحرير محاضر ضد كلّ مخالف للقانون، إلى جانب مراقبة المياه المعلبة بطرق قانونية ومدى صلاحيتها وطرق حفظها ونقلها.




يشير الولهازي، إلى أنّ أغلب المياه لا تملأ من الأعين كما يدّعي باعة المياه في الشوارع، بل هي مجهولة المصدر. وقد تمّ خلال الأشهر الثمانية الأخيرة حجز 75.129 طناً من المياه، بينها مياه منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، أو تباع على قارعة الطريق.