زال التهديد الروسي والنظامي السوري بقصف إدلب بعد التوصل إلى اتفاق مع تركيا. عاشت المحافظة الشمالية أوقاتاً عصيبة، إذ ترقب أهلها والنازحون إليها الحرب والغارات بكثير من الخوف الذي أدى إلى تعطيل حياتهم.
عربات لبيع الخضار وحقائب مدرسية وألعاب أطفال تكاد تغلق الأرصفة، تلفت انتباه المارة في ساحة الساعة في قلب مدينة إدلب، مع أصوات للباعة هنا وهناك، وسط تزاحم الناس والسيارات في ساعات الصباح الأولى. تستوقفك مطاعم الفلافل، وطلاب تجمعوا لشراء الفول من إحدى العربات، وباعة ملابس يجهزون لعرض بضاعتهم الجديدة في واجهات محالهم. مشاهد عادت لتتكرر في مدينة إدلب، بعد غياب جزء كبير منها، بسبب ترقب الناس وخوفهم من غارات جوية وحرب قد تطاول المدينة، وهي الحرب التي أوقفها الاتفاق الروسي التركي قبل أيام.
من بين الدراجات النارية المنتشرة بكثرة في إدلب، تستوقفك عربة لبيع الفواكه التي رتّبت بشكل لافت، في شارع الأندلس. يقول مالكها أبو صهيب (46 عاماً) لـ"العربي الجديد": "اليوم ذهبت باكراً إلى سوق الهال لأحضر تشكيلة جيدة من الفواكه، وأمضيت بعد شرائها قرابة ساعة في ترتيبها ومسح الغبار عنها كي تجذب الناس. هذا ما اعتاد عليه زبائني، فهم يجدون الأفضل لدي دائماً".
بعد مناداته بصوت اعتاد عليه الناس في الشارع، يوضح أبو صهيب: "كنا خائفين في الفترة الماضية، إلى حدّ أنك قد تتجول في شارع الأندلس ولا تجد سوى محل أو محلين يعملان، والبقية أقفلت أبوابها، حتى إنّ البعض ممن يمتلك بضائع مرتفعة الثمن نقلها خارج المدينة إلى مناطق آمنة خوفاً من تدميرها بالغارات الجوية. لكن، بعد الاتفاق، نحمد الله أنّ الروح عادت إلى المدينة، ليس كما كنا نشهد في السابق، لكنّ الأمور أفضل بكثير من ذي قبل، فالناس عادت للسير خلف رزقها وأعمالها". يضيف: "الخميس الماضي، للمرة الأولى منذ شهرين تقريباً أجد في السوق فواكه جيدة وأنواعاً كثيرة، فتجار كثر كانوا متخوفين من التهديدات الروسية، واليوم عادت الأمور لتتحسن بشكل ملحوظ، وعدت كما في السابق لأنادي في الشارع وأبيع فاكهتي".
أما محمد نسيم (38 عاماً) فيقول: "لا مجال للمقارنة مطلقاً بين حالة الناس قبل أسبوع من الاتفاق والآن. كان الخوف سيد الموقف وجلّ الأحاديث تدور حول الحرب وأين سيذهب الناس، وأيّ مخيمات ستؤوينا. بالنسبة إلي كبائع ألبسة لم أكن مستعداً على الإطلاق للمغامرة وشراء بضاعة جديدة، خصوصاً أنّ بعض الشبان كانوا قد طلبوا مني موديلات جديدة من الجينز والسترات الشتوية، وكنت أقول لهم إنّي قد أغلق المحل نهائياً عند بدء المعركة مع أول غارة جوية على إدلب". يضيف لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّنا اليوم نشعر نوعاً ما بالاطمئنان، لكن ما زال هناك خوف، فالنظام وروسيا لا يملكان عهداً أو ميثاقاً. عند متابعتي الأخبار، لاحظت أنّ روسيا ما زالت تتهم الفصائل المعارضة بحيازة الأسلحة الكيميائية، لذلك لا نقول إنّ الأمور قد جرى التفاهم عليها بشكل نهائي. ونقنع أنفسنا بذلك، كي لا نقع في ورطة إذا عاد شبح التهديد بالحرب. الآن كي أرضي زبائني بدأت أجلب لهم ما يرغبون فيه تحت الطلب، كي لا أقع في المتاعب في حال اختلّ الاتفاق".
من جهتها، توضح سلمى العمر لـ"العربي الجديد" أنّها صارت تشعر بالأمان عند ذهاب أطفالها صباحاً إلى المدرسة، وقد زال هاجس قصف الطائرات الروسية مدرستهم. تقول: "الآن هناك نوع من الاطمئنان على أطفالي. أذهب إلى السوق لشراء الخضار وإعداد طعام الغداء لهم مرتاحة البال، وكنت قد امتنعت لفترة عن إرسالهم مع بدء القصف على مناطق ريف إدلب الجنوبي، لخوفي من احتمال قصف المدينة، لكنّ الاتفاق حال دون ذلك".
لا يخفي الخمسيني، مصطفى أبو خالد، مخاوفه من تجدد تهديدات الحرب على إدلب، ويقول لـ"العربي الجديد": "جلّ ما أتخوف منه هو تخلي الأتراك عنا. صحيح أنّهم وقفوا إلى جانبنا كشعب مظلوم، لكن لا نعلم الظروف التي قد يمرون بها. أمر آخر هو أنّ روسيا والنظام قادران في أيّ وقت يريدانه على الإخلال بالاتفاق ونقضه، وعندها سنعود هنا في إدلب إلى المعاناة والخوف". يتابع أنّ العبوات الناسفة باتت ملحوظة في الفترة الأخيرة، مؤكداً أنّ "هذا أمر مقلق، ويجب على الجهات الأمنية إيجاد حلّ له. فقد سئمنا منه ومن التهديدات التي يشكلها على حياتنا وحياة الأطفال هنا، لذلك يجب بذل جهود أكبر لضبطه وإلقاء القبض على المسؤولين عنه".
بالنسبة إلى قاسم السيد (36 عاماً)، فإنّ "الأمور ستكون أفضل"، وهو على يقين بأنّ إدلب بعيدة عن الحرب. يخبر "العربي الجديد" أنّه عاد قبل نحو ثمانية أشهر من ألمانيا مع عائلته لأنّ الحياة هناك لم تكن مناسبة لهم. ويشير إلى أنّ "النشاط عاد إلى المدينة قبل أيام بعد حالة ركود"، وهو متفائل بتجنب إدلب الحرب.يُذكر أنّه أسس عملاً تجارياً فيها، وسيحاول في الفترة المقبلة توسعته واستيراد بضائع أكثر من تركيا.