ما زال مئات آلاف المدنيين في محافظة درعا، جنوب سورية، بعيدين عن الحياة المستقرة، بالرغم من مضي نحو ثلاثة أشهر على سيطرة النظام والروس عليها، جراء اتفاق تسوية فرض عليهم بعد سنوات من الحصار والعمليات العسكرية الدامية.
يجلس ابن ريف درعا الغربي، محمد العمار (24 عاما)، أمام فناء منزله الريفي، يرنو بعينيه إلى نهاية الشارع، ويرمي بعض الحصا. ويقول مرتبكا بسبب القلق المسيطر عليه لـ"العربي الجديد": "والله لا أجرؤ على الخروج من القرية. لم يعد هناك أمان. حواجز القوات النظامية تنتشر بكثافة بين البلدات، ولو أن الشخص أجرى تسوية، قد يكون هناك تقرير أمني واحد ضده، فيتم اعتقاله وغالبا فرصه بالخروج سالما قليلة جدا".
وأضاف متذمرا "الوضع المادي سيئ بالنسبة للغالبية من الأهالي. فرص العمل شبه معدومة والبطالة تأكل الشباب، ولم يتحرك الوضع في مناطق التسوية، فالأهالي يعتمدون في الغالب على ما يرسل إليهم من ذويهم المغتربين، وما قد يجنونه من الزراعة، في حين لم تلاحظ حركة كبيرة في البناء، فالغالبية تحاول ترميم منازلها بالحد الأدنى بالرغم من وجود مواد البناء، بسبب الضعف المادي وعدم الاستقرار، في وقت تزيد الحواجز من صعوبة الحركة، وإلى اليوم لا كهرباء ولا مياه للشرب، حتى الرعاية الطبية في كثير من المناطق منعدمة".
أما أم عثمان (36 عاما)، فهي منهمكة بتجهيز موقدها بعدما جمعت ما توقد به نارها للطهي، وقالت لـ"العربي الجديد": "مهمة جمع كل ما يمكن إشعاله وجلب الماء للشرب والغسيل مهمة يومية منذ سنوات، واليوم زادت صعوبة بسبب مخاوف الحركة، وشبه انعدام المساعدات الإنسانية، التي كانت تعيننا على تأمين شيء من طعامنا اليومي قبل التسوية".
ولا تخفي قلقها على مستقبل أبنائها، قائلة "سنوات عدة مرت على انقطاع أبنائي عن المدرسة، كنت أتمنى أن يعودوا إلى المدرسة، إلا أنه إلى اليوم لم أشعر أن المدارس استأنفت عملها، بالرغم من افتتاح عدد من المدارس وجلب مدرسين، إلا أن الطلاب لم يتسلموا كتبهم بعد".
من جهته، قال الناشط أبو عبد الله الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد": "القوات النظامية تستطيع أن تدخل أي منطقة تريد، وتعتقل من تريد، فحواجزها في بعض المناطق بمحيط البلدات، ولكن في مناطق أخرى داخل البلدات، كحال حوض اليرموك، وأكثر الاعتقالات تحصل في البلدات التي توجد فيها مفارز أمنية تتبع للنظام، مثل الحارة ونوى وجاسم والشجرة".
وتابع "في الغالب التهم جاهزة، فإما الانتماء لتنظيم داعش الإرهابي، وإما الانتماء إلى جبهة النصرة أو الخوذ البيضاء، ومعظم من يعتقلون يفقدون الأمل بأن يخرجوا سالمين".
وبيّن أن "النظام فتح خلال الأسابيع الماضية الباب للمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإجبارية، وكذلك للمنشقين للالتحاق بالفرقة الرابعة، بشكل كيفي، ويجرون لهم دورات عسكرية في معسكر زيزون، غرب درعا"، لافتا إلى أن "غالبية عناصر الفصائل التحقوا بالفيلق الخامس الذي يشرف عليه الروس، حتى أنهم أخذوا منهم مجموعات تقاتل إلى جانب النظام ضد الفصائل المعارضة في مناطق أخرى".
وقال: "هناك عناصر في الريف الشرقي رفضوا الخروج من درعا، وخاصة بعد نقل ما يقارب 360 عنصراً من القوات الرديفة إلى جبهات إدلب وحماه وحمص وحلب، والكثير منهم مفقود، ما أثار شكوكاً بأن ذلك ضمن عملية تصفيتهم والتخلص منهم".