هذا السؤال رغم بساطته، يطرح عدة تساؤلات خطيرة حول الشفرة الوراثية للشعب المصري، وهل أصبح فحص دماء المصريين مستباحا؟ وما علاقة إسرائيل بالموضوع؟ وكيف يمكن لمبادرة مسح صحي أن تكون وسيلة مؤثرة في حاضر المصريين ومستقبلهم؟
في 15 سبتمبر/أيلول 2018، أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية عن المبادرة المموّلة بقرض من البنك الدولي يشمل 129 مليون دولار للمسح الطبي لفيروس سي، و300 مليون دولار للمسح الطبي لمرضى السكري والسمنة، بإجمالي 7.63 مليارات جنيه مصري، وتشمل مراحل المبادرة تدريب الفرق الطبية وتزويدها بالمعدات والأدوات والمستلزمات والسجلات، وكمبيوتر لوحي لكل فريق لتسجيل البيانات لتكوين قاعدة بيانات شاملة يتم تجميعها مركزيا لدى إدارة خاصة تتبع وزير الصحة.
بدأت المبادرة رسميا في أول أيام شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، وسط ضجة إعلامية، وتلا ذلك تصريحات متوالية من السيسي ووزيرة الصحة حول معدلات الإنجاز غير المسبوقة عالميا، حتى أن اللواء محافظ كفر الشيخ أمر بإيقاف ثلاثة من الأطباء عن العمل وإحالتهم إلى التحقيق بتهمة "نشر روح تشاؤمية" بين زملائهم حول جدوى المبادرة.
تتم عملية الفحص الطبي من خلال تقديم المواطن بطاقة الرقم القومي لمُدخِل البيانات بالوحدات الصحية والمستشفيات، وأخذ عينة دم من الأصبع ووضعها على الكاشف لتحليلها وفحص إيجابيتها أو سلبيتها لفيروس سي ومرض السكري.
وبدأت شكوك العاملين بقطاع الصحة من تحديد شركة بعينها لتجميع نفايات المبادرة، وفق تصريح المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء بتاريخ 4 أغسطس/آب 2018.
بداية، ماذا يعني الجينوم أو الشفرة الوراثية؟
تتكون المادة الوراثية DNA من كروموسومات، كل كروموسوم على شكل حلزون مزدوج يحمل الجينات، وهي باختصار العوامل التي تتحكم في الصفات، ويعرف مجموع الجينات (المورثات) والمعلومات الوراثية في الكائن الحي بالجينوم، وعلم الجينوم هو أحد الأفرع الحديثة لعلم الوراثة، وهو متعلق بدراسة كامل المادة الوراثية داخل الكائن الحي، ويتضمن تحديد تتابعات الحمض النووي بشكل كامل، ورسم الخرائط الدقيقة للجينوم، ودراسة عدد من الظواهر والتفاعلات بين المواضع الوراثية المختلفة التي تحدث داخل الجينوم.
في يوم 26 يونيو/حزيران 2004، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، في تصريح مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني وقتها، توني بلير، عن الانتهاء من فك رموز وجدولة كامل المخزون الوراثي البشري تقريبا، ويهدف مشروع الجينوم البشري إلى التعرف على التركيب الوراثي الكامل والشفرة الجينية للإنسان، وفي عام 2007، تم الإعلان عن انتهاء مشروع الجينوم البشري الذي عملت به فرق دولية من 18 بلدا، بينها إسرائيل.
وتحت عنوان "إسرائيل تنتج أول قنبلة جينية باستخدام البصمة الوراثية لـ500 ألف مصري" نشرت وسائل إعلام مصرية في وقت سابق، أنه: "لم تتوقف إسرائيل يوما عن السعي لامتلاك كل ما هو حديث من ترسانات الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وتوجيهها إلى الصدور العربية، وخاصة المصريين الذين يعتبرهم اليهود العدو اللدود لهم؛ لا سيما بعد المعارك الضارية التي وقعت على مدار العقود الماضية. وبدأت حكومة تل أبيب خلال السنوات الماضية أبحاثا مكثفة؛ لإنتاج قنابل جينية، تستطيع إلحاق الأذى بأعداد محددة من البشر دون غيرهم".
هذه الأنباء تزامنت مع اختفاء سجلات البصمة الوراثية لعدد ضخم من المواطنين المصريين، يصل إلى نصف مليون شخص، من داخل مصلحة الطب الشرعي، وفشلت محاولات العثور عليها، أو معرفة سبب اختفائها؛ وهو ما أثار الذعر خوفا من أن يكون لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية يد في الاستيلاء على هذه السجلات؛ لاستخدامها في أبحاث إنتاج القنبلة الجينية.
وكشف خطاب أرسله عدد من أطباء مصلحة الطب الشرعي، إلى مستشار وزير العدل لاستبعادهم من عقوبة هذا الخطأ الجسيم، أن هذه العينات كانت بحوزة الإدارة المركزية لمعامل الطب الشرعي، وقالت مصادر في مصلحة الطب الشرعي إن الواقعة تحاط بسياج من السرية؛ بسبب الخسائر الكبيرة الناتجة عن حذف البيانات المهمة، والتي تعتبر من معلومات الأمن القومي، مشيرة إلى زيارة أجراها أحد القيادات بالأجهزة السيادية إلى مصلحة الطب الشرعي؛ للتأكد من صحة تلك الواقعة.
وقال الرئيس السابق لمصلحة الطب الشرعي المصرية، فخري صالح، إنه ليس لديه دراية بقضية اختفاء معلومات الـ500 ألف بصمة وراثية.
في عام 2008، استحوذت شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية على سلسلة معامل البرج المصرية، وفي 2012، استحوذت على سلسلة معامل المختبر، وقامت في مايو/أيار 2012، بدمج معامل البرج والمختبر في كيان جديد باسم شركة التشخيص المتكاملة القابضة، وأصدرت هيئة الرقابة الإدارية في مصر، تقريرا سريا، اعتبرت فيه أن استحواذ أبراج كابيتال على عدد من المؤسسات الصحية الخاصة تهديد للأمن القومي المصري.
وبالطبع فإن تهديد الأمن القومي المصري يحمل أبعادا مختلفة من بينها تجميع عينات الدم، وإعداد قاعدة بيانات كاملة لأصحابها، مما يشكل خطورة مستقبلية في رسم خريطة الشيفرة المصرية، خاصة أن الإمارات لها تعاون واسع مع إسرائيل، كما أنها تمتلك مركزا متقدما للأبحاث في ذلك المجال.
وأكد كبير الأطباء الشرعيين السابق، في حوار صحافي منشور في يناير/كانون الثاني 2017، أن مصر لا تمتلك بنك معلومات للبصمة الوراثية لتكلفته الباهظة، في حين أن تقريرا حديثا عن الموضوع ذاته منشور في أغسطس/آب 2018، تمت الإشارة فيه إلى إمكانية تنفيذ البصمة الوراثية في مصر، بالتعاون مع دول صديقة تمتلك الخبرة والإمكانيات.
وهذا يعني إمكانية إعداد الخريطة الجينية المصرية بمعرفة إحدى جهات ثلاث تمتلك تلك التكنولوجيا وجميعها تابعة لدول أجنبية؛ وهي معامل أبحاث "نامرو" الأميركية بجوار مستشفى حميات العباسية بالقاهرة، ودولة الإمارات بما لها من تأثير كبير حاليا على مقدرات الوضع الصحي والسياسي المصري، وإسرائيل بصفتها الحليف الاستراتيجي الحالي باعتراف جميع المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم السيسي نفسه.
لكن ألا يشكل وضع الشفرة الوراثية المصرية تحت أيدي الأجانب خطورة بالغة على الأمن والأمان للشعب المصري في حاضره ومستقبله؟