وكان 22 شاباً من أهالي الجيزة، قد أحيلوا للمحاكمة بتهمة التجمهر أثناء إقدام قوات الأمن المصرية، على الإخلاء القسري للجزيرة قبل عامين، ما أسفر عن مقتل أحد سكان الجيزة، واعتقال عدد منهم.
وقبل ساعات من جلسة اليوم التي تم تأجيلها، وقّع عشرات الحقوقيين والنقابيين والنشطاء السياسيين في الأحزاب السياسية المصرية، على بيان تضامني مع أهالي الجيزة، طالبوا من خلاله بإسقاط التهم عن شباب جزيرة الوراق الـ 22 المحالين للمحاكمة.
وقال الموقعون في بيانهم: "تواصل سلطات الدولة هجومها على أهالي جزيرة الوراق، بداية من تلفيق التهم للذين يرفضون منهم التنازل عن أراضيهم وتاريخهم وتدمير حياتهم، لبناء منتجع سياحي للأغنياء من خلال نزع ملكياتهم جبراً، واستخدام كافة سلطات الدولة لسلبهم أراضيهم وبيوتهم وحرياتهم بالقوة، إلى فرض أبشع أنواع الحصار على المعديات التي تربطهم بالوراق وشبرا".
وقالوا أيضاً: "إن ما يحدث في جزيرة الوراق جزء مما يحدث في بر مصر كله، حيث تصادر السلطة الحريات وأحلام وعرق المواطنين، ومنهم بلا شك أهالي الجزيرة العزّل، وتواصل أجهزتها الالتفاف على القانون ومخالفة التزامات مصر الدولية، حتى وصل الحال بها إلى تلفيق التهم الباطلة ومحاكمة 22 من قيادات الجزيرة الذين كانوا يحضرون جلسات التفاوض التي دعت لها الدولة، بتهم مقاومة السلطات والتظاهر في القضية رقم 11403 لسنة 2018".
وأضافوا: "نعلن تضامننا الكامل مع أهالي جزيرة الوراق المقاومين ضد سياسة الاستبداد والتهجير، ومع حقهم في الحرية والأمان والعدل، ونجدد مطالبنا بإسقاط التهم عن شباب الجزيرة المحالين للمحاكمة يوم السبت 19 يناير/ كانون الثاني 2019، وفك الحصار عن الجزيرة، وإلغاء القرارات التعسفية التي تنزع ملكية أراضيهم وبيوتهم".
ومن ضمن الموقعين على البيان "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العيش والحرية تحت التأسيس، وحركة الاشتراكيين الثوريين، والحزب الاشتراكي المصري، والحركة الاشتراكية يناير، والتعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي، واللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة، ولجنة التضامن الفلاحي مصر، ومركز الأرض لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ونقابة السياحيين، والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان".
"اتحبس اتسجن مش مهم.. بس مش هاموت وأنا منحني"، كلمات قالها اليوم المتهم الأول في قضية التحريض على التظاهر قبل جلسة محكمة شمال الجيزة، مضيفاً "هذه القضية تم رفعها علينا للضغط علينا للتخلي عن الأرض.. لكن مش هنسيبها"، نقلاً عن محامي الجزيرة في القضية.
وكانت أحداث جزيرة الوراق الأخيرة، قد بدأت عندما قامت قوات من الجيش والشرطة بتاريخ 16 يوليو/ تموز 2017 بإزالة وهدم عدد نحو 18 منزلاً من منازل جزيرة الوراق، ما أدى إلى اشتباكات ما بين الأهالي وقوات الأمن، التي قامت بإطلاق الأعيرة النارية "الخرطوش" وقنابل الغاز المسيلة للدموع، وهو ما أدى إلى وفاة أحد أهالي الجزيرة وهو سيد الغلبان وإصابة العديد، وهو ما صدر معه قرار من وزير الداخلية بوقف حملة الإخلاء القسري لأهالي جزيرة الوراق.
وعلى إثر ذلك، تم تحرير محضر بالواقعة واتهام 22 من أهالي جزيرة الوراق بالتظاهر وتمت إحالة القضية على محكمة الجنح، وحددت أول جلسة لنظرها في 30 يوليو/ تموز 2018، وﻻ تزال القضية منظورة أمام المحكمة.
ومطلع العام الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري، قراراً بنقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية، وتعيين رئيس لها من أجل إتمام "خطة التطوير"، التي أعلنتها الحكومة منذ شهر مايو/ أيار 2017، والتي يرفض سكان جزيرة الوراق أن تكون على حساب حياتهم ومنازلهم.
ومنذ ذلك الحين، توالت اﻻستدعاءات الأمنية لأهالي جزيرة الوراق، من أجل الضغط عليهم لبيع أراضيهم ومنازلهم، للبدء في تطبيق خطة التطوير والتهجير التي تتبناها الحكومة، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من أهالي الجزيرة - تحت تهديد الحصار والقمع الأمني - إلى التنازل فعلياً عن أراضيهم لهيئة المجتمعات العمرانية.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تجدَّد الصراع من جديد على أرض جزيرة الوراق إذ حاصرت قوات الشرطة صباح 18 ديسمبر، معدية دمنهور، وهي أهمّ المعديات التي تربط الجزيرة بشبرا الخيمة من الناحية الشرقية، وأمرت أصحاب المعدية بإخلاء المرسى لإزالته من أجل تشغيل عبَّارة تابعة للجيش مكانها، وما إن علم الأهالي حتى تصدَّوا للشرطة لوقف عملية الإزالة، وتبع ذلك حضور قوات أكبر من الأمن المركزي والقوات الخاصة، ثم حضر مدير أمن القليوبية الذي أمر بسحب القوات خشية تطوُّر الأحداث.
وتُعَدّ جزيرة الوراق الكبرى في نهر النيل، إذ تبلغ مساحتها 1850 فداناً، ويصل عدد سكانها إلى ما يقرب من 200 ألف مواطن. وتحتل موقعاً متميِّزاً إذ تمثّل الرابط بين محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، وتُعَدّ كذلك من أهم المناطق الزراعية، إذ تشغل الأراضي الزراعية أكثر من نصف مساحتها، وتنتج هذه الأراضي أجود أنواع المحاصيل، بينما يعمل معظم سكانها بالزراعة والصيد.
وكانت الوراق تُعتَبَر هي و16 جزيرة نيلية أخرى، محميات طبيعية وفقاً لقرار رئيس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998، حتى أصدر شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق، يوم 19 يونيو/ حزيران 2017، قراراً مُفاجِئاً باستبعاد 17 جزيرة وعلى رأسها الوراق من هذا القرار.
وحسب حركة الاشتراكيين الثوريين، فإن الشركتين المسؤولتين عن عملية تطوير الجزيرة، بجانب اللجنة الهندسية للقوات المسلحة، هما شركة "آر إس بي" الإماراتية السنغافورية للتخطيط المعماري، التي تم التعاقد معها عام 2013، وشركة "كيوب" للاستشارات الهندسية التي تعاقَدَت معها حكومة نظيف عام 2010، وقد أعلنت شركة "آر إس بي" التصميم التي تودّ أن تُنفِّذه على موقعها الإلكتروني، لكنها حذفته بعد توجيه انتقاداتٍ شديدة لها.