بعدما بقي، ولأربعة قرون، مطبخ القرارات العثمانية ومركز الدولة، تحول قصر "توب كابي" منذ عام 1924 إلى متحف تعمل الحكومات المتعاقبة على ترميمه كلّما دعت الحاجة
الباب العالي أو "توب كابي"، أحد أهمّ كلمات سرّ الدولة العثمانية الذي تحاول الجمهورية، منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923، المحافظة عليه، وإن بدور مختلف، كالقول للسائح أو من يهمه الأمر إنه من هذا المكان حكمت الإمبراطورية التركية ووصلت إلى عمق أوروبا، بعدما قضت على الإمبراطورية البيزنطية.
آخر لمسات حكومة العدالة والتنمية في هذا القصر ــ المتحف كانت الأسبوع الماضي، مع الانتهاء من ترميم العديد من أقسامه، التي شملت مطابخ وحمامات القصر، ومسجد الطباخين والغرفة الخاصة بتبييض الأواني النحاسية، وحمام "حريم السلطان" وحمام "والدة السلطان" ومطبخ العصفور وحديقة أرسلانلي. والأهم قسم "الأمانات المقدسة"، وهي غرفة تحوي آثاراً قيّمة، كسيف النبي محمد وسيوف الخلفاء الراشدين.
هذه اللّمسات الأخيرة في القصر المؤلّف من أربعة أقسام رئيسية وعدد من المباني من مساكن ومطابخ ومساجد ومستشفى، والذي تحوّل منذ 3 إبريل/ نيسان من عام 1924 إلى متحف، وأدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 1985 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، أضيفت إلى سلسلة من أعمال الترميم كان أكبرها عام 2015. وقال الرئيس رجب طيب أردوغان: "تحويل القصر إلى متحف تم في القرن التاسع عشر في عهد الدولة العثمانية، ويستمر استخدام هذه الأمانة كمتحف منذ تأسيس الجمهورية التركية"، مضيفاً: "لأننا منتسبو وممثلو أمة كانت هناك محاولة لنزعها وقطع صلتها بتاريخها وحضارتها الخاصة بها لمدة أعوام طويلة. أؤمن بأن للآثار التي تشبه قصر الباب العالي تأثيراً كبيراً على العودة مرة أخرى للتاريخ والارتباط بالحضارة القديمة العريقة، خصوصاً بالنسبة للأجيال الجديدة".
فما هو قصر الباب العالي وكيف بدأت الحكاية؟
يعدّ قصر "توب كابي" أكبر قصر في مدينة إسطنبول التركيّة، وتحديداً في منطقة السلطان أحمد. وعاش فيه السلاطين العثمانيون نحو 391 عاماً، بين عامي 1465 و1856. كان يعيش فيه نحو أربعة آلاف شخص، وبدأ بناء القصر في عام 1459 بأمر من السلطان محمد الفاتح، وقد كان مركزاً لإدارة شؤون الدولة العثمانية لمدّة 380 عاماً.
وحين بنى السلطان عبد المجيد قصراً جديداً عرف باسم دولمة باهجة، وتصل مساحته إلى 700 ألف متر مربع، تحول إلى قصر الولاية، لكن "كابي" بقي محتفظاً بمكانته ورمزيته حتى يومنا هذا. كان السلطان وعائلته يقيمون فيه على الأقل شهراً في السنة، خلال شهر رمضان المبارك.
وتحوّل "توب كابي" إلى متحف خلال عهد السلطان عبد المجيد، ليحوي مجموعة من مقتنيات كانت موجودة في خزائن القصر. وفي عهد السلطان عبد العزيز، وضعت هذه المقتنيات داخل خزائن زجاجيّة لعرضها بأسلوب وشكلٍ جديدين. ويعتقد أنّ السلطان عبد الحميد كان يريد جعل القصر مكاناً للزيارات العامة خمسة أيام في الأسبوع، لكن عزله عن العرش حال دون ذلك، لينفذ المهمة ـ الحلم مصطفى كمال أتاتورك، الذي أتاح الزيارات العامة لمختلف الشرائح يوم 3 إبريل/ نيسان عام 1924، ليتحول القصر بأجنحته جميعها، أي جناح العهد الخاص بالسلطان، وجناح والدة الملك وخادماتها، والديوان الذي يجتمع فيه السلطان بوزرائه، وأجنحة الجواري (كان لكلّ جارية جناحاً خاصاً بها)، وجناح المتحف، وجناح الجنود، والحراس، والخدم، إلى متحف يتهافت عليه الأتراك والسياح اليوم، ليشاهدوا مكان كلمة سر العثمانيين وطريقة العيش فيه التي يمكن كشفها، أو استشفافها على الأقل، من خلال المكان ومدلولاته.
وفي ما يلي بعض الحقائق التي يوردها موقع دليل السياحة في تركيا عن القصر:
1 - بدأ بناء قصر "توب كابي" في عام 1459، وتبلغ مساحته نحو 400 ألف متر مربع. ويعتبر القصر أحد أكبر وأقدم القصور في العالم، وهو من القصور القليلة التي حافظت على رونقها حتى يومنا هذا.
2 - في عام 1985، أدرج القصر على لائحة التراث العالمي.
3 - يضم القصر من الداخل قسم الحرملك، وهو القسم الذي يحتفظ فيه السلطان بمفضّلته من النساء ويكون تحت إشراف والدة السلطان. ويضم قسم الحرملك 400 غرفة.
4 - يضم القصر جامعة ومسجداً ومجلساً، وهو مصمّم ليستوعب أكثر من 4000 فرد.
5 - بداية، صمّم على شكل مخيّمات العثمانيين الرحل.
6 - قضى سلاطين الإمبراطورية العثمانية في القصر نحو 400 عام، حتى القرن التاسع عشر. وفي ذلك الوقت، كانت إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 1924، تحول إلى متحف للسياح والزوار.
7 - يضم متحف القصر العديد من الكنوز النادرة.
8 - يتميز القصر بوجود نافورة تجذب أنظار الجميع من أول لحظة، وتطلق عليها تسمية نافورة السلطان أحمد الثالث، كونها بنيت في عهده. تقع خارج بوابة القصر، وبُنيت في عام 1728، أي عام "توليب"، خلال بداية الاحتفال بزهور التوليب وإقامة مهرجان له. ويستمر الاحتفال بمهرجان توليب في إسطنبول حتى يومنا هذا.
9 - في القصر مطبخ كبير، في ظل اهتمام العثمانيين بفن الطبخ. ويضم أكثر من 10 آلاف قطعة من الخزف وأواني الطهي، إضافة إلى وعاء "لونقوان"، الذي عد وجوده ضرورياً في قصور السلاطين والأمراء، إذ كان يشاع أن السم يغيّر لونه.
10 - الجناح المقدس يحتوي علي مقتنيات أثرية وتاريخية عديدة، منها آثار النبي محمد، كالسيف والعباءة وبعض الشعر من لحية النبي وإحدى أسنانه.