حين فتحت "فيسبوك" صباح الأحد لم أصدق ما قرأته من أخبار تناقلتها الرفيقات. ماتت نادين جوني بحادث سير. نادين الشابة اللبنانية الناشطة في العديد من الملفات الحقوقية، ومنها رفع سنّ حضانة الأطفال في المحاكم الدينية، وحق اللبنانيات المتزوجات من أجانب في إعطاء جنسيتهن لأولادهن، ومحاربة العنف الأسري وغيرها. أقفلت "فيسبوك" ومضيت، وقضيت نهاراً جميلاً مع الأصدقاء، أو هكذا ظننت. خشيت إعادة فتح "فيسبوك"، وتجاهلته عمداً.
فكرت بأن الأمر ربما مزحة، سمجة بلا شك، بل هي بالتأكيد مزحة، وستظهر نادين بعد قليل لتخبرنا أنها بخير. صرت أسترق النظر إلى "فيسبوك" بين حين وآخر، لأجد المزيد من الصديقات والأصدقاء ينعون نادين. ما زلت في مرحلة النكران رافضة تصديق الخبر.
سألتني إحدى الزميلات يوم الإثنين، كيف كانت عطلتي لنهاية الأسبوع، أجبتها بعفوية: كانت عطلة لطيفة. ثم تذكرت أن نادين ماتت في عطلة هذا الأسبوع. ما زلت في هذه المرحلة من النكران. لم أتواصل مع أحد من زملائي السابقين في منظمة "أبعاد" حيث تعمل نادين. لم أشارك أياً من الانطباعات أو القصص على "فيسبوك". لم أعزّ أحداً. لكن الغضب النسوي في "فيسبوك" كان كافياً ليسحبني من مرحلة النكران ويضعني في خضم هذه الموجة الغاضبة. غضبت أنا أيضاً، ولكن بصمت. غضبت لأن عدالة الطبيعة لم تنصف نادين. غضبت لأنها ماتت "بالغلط" بحادث سير. غضبت أكثر لأن ابنها، كرم، بات وحيداً. وغضبت من هذا البلد وعهده وطرقاته.
اقــرأ أيضاً
ها هي المساومة تطل في رأسي. لا تغضبي، بل افرحي وافخري تقول لي. انظري كم أثار موت نادين موجة من التعاضد والتضامن النسوي. استطاعت نادين أن توحّدنا، وأن نسير خلفها ومعها في نضالها وقضاياها. استطاعت أن تجعلنا نأخذ عهداً على أنفسنا بإكمال النضال. صورها على "فيسبوك" تكبّر القلب وتوجعه في آن. ومع ذلك، ستبقى ضحكتها أملاً لنا، وعبرة بأن النضال لا يؤجل ولا القضايا تؤجل وليس هناك شيء أولى من حقوق النساء.
لا أعلم إذا كنت سأصل إلى مرحلة تقبّل خبر وفاة نادين، ومتى سأصل إليها وإن كنت سأصل إليها أصلاً. التقبل برأي علماء النفس هو التصالح مع شعور الفقدان والمضي قدماً لإنهاء مراحل الحداد. لكن التقبّل في حالة نادين هو المساومة على الظلم. ليس مسموحاً تقبّل وفاتها، وأن نمضي بحياتنا بعد حين وكأنها لم تكن. كم تلخصين يا نادين مقولة "الشخصي هو سياسي". وكم استطعت أن تجعلينا نقف أمام أنفسنا وأمام قراراتنا. وكم استطعت أن تحولي، في موتك، كما في حياتك، قضيتك لتقض مضجع كل من ظلمك من رجال ومحاكم وشيوخ. كوني بخير يا نادين.
(ناشطة نسوية)
فكرت بأن الأمر ربما مزحة، سمجة بلا شك، بل هي بالتأكيد مزحة، وستظهر نادين بعد قليل لتخبرنا أنها بخير. صرت أسترق النظر إلى "فيسبوك" بين حين وآخر، لأجد المزيد من الصديقات والأصدقاء ينعون نادين. ما زلت في مرحلة النكران رافضة تصديق الخبر.
سألتني إحدى الزميلات يوم الإثنين، كيف كانت عطلتي لنهاية الأسبوع، أجبتها بعفوية: كانت عطلة لطيفة. ثم تذكرت أن نادين ماتت في عطلة هذا الأسبوع. ما زلت في هذه المرحلة من النكران. لم أتواصل مع أحد من زملائي السابقين في منظمة "أبعاد" حيث تعمل نادين. لم أشارك أياً من الانطباعات أو القصص على "فيسبوك". لم أعزّ أحداً. لكن الغضب النسوي في "فيسبوك" كان كافياً ليسحبني من مرحلة النكران ويضعني في خضم هذه الموجة الغاضبة. غضبت أنا أيضاً، ولكن بصمت. غضبت لأن عدالة الطبيعة لم تنصف نادين. غضبت لأنها ماتت "بالغلط" بحادث سير. غضبت أكثر لأن ابنها، كرم، بات وحيداً. وغضبت من هذا البلد وعهده وطرقاته.
ها هي المساومة تطل في رأسي. لا تغضبي، بل افرحي وافخري تقول لي. انظري كم أثار موت نادين موجة من التعاضد والتضامن النسوي. استطاعت نادين أن توحّدنا، وأن نسير خلفها ومعها في نضالها وقضاياها. استطاعت أن تجعلنا نأخذ عهداً على أنفسنا بإكمال النضال. صورها على "فيسبوك" تكبّر القلب وتوجعه في آن. ومع ذلك، ستبقى ضحكتها أملاً لنا، وعبرة بأن النضال لا يؤجل ولا القضايا تؤجل وليس هناك شيء أولى من حقوق النساء.
لا أعلم إذا كنت سأصل إلى مرحلة تقبّل خبر وفاة نادين، ومتى سأصل إليها وإن كنت سأصل إليها أصلاً. التقبل برأي علماء النفس هو التصالح مع شعور الفقدان والمضي قدماً لإنهاء مراحل الحداد. لكن التقبّل في حالة نادين هو المساومة على الظلم. ليس مسموحاً تقبّل وفاتها، وأن نمضي بحياتنا بعد حين وكأنها لم تكن. كم تلخصين يا نادين مقولة "الشخصي هو سياسي". وكم استطعت أن تجعلينا نقف أمام أنفسنا وأمام قراراتنا. وكم استطعت أن تحولي، في موتك، كما في حياتك، قضيتك لتقض مضجع كل من ظلمك من رجال ومحاكم وشيوخ. كوني بخير يا نادين.
(ناشطة نسوية)