خلال الأسابيع الماضية، انشغل الرأي العام والصحافة الروسية بقيام جندي في الخدمة الإلزامية يدعى راميل شمس الدينوف، بإطلاق النار على زملائه في ثكنة عسكرية في منطقة شيتا شرق سيبيريا في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى مقتل ثمانية وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة.
وتبين أثناء التحقيقات أن الجندي أقدم على فعلته بعد تعرضه للإهانة والعنف في ما يعرف باسم "ديدوفشينا"، وهي تسمية شعبية منذ الحقبة السوفييتية مشتقة من كلمة "ديد" (أي "جد")، في إشارة إلى العلاقات غير الرسمية بين المجندين.
واستناداً إلى أقوال شمس الدينوف التي تداولتها قناة "بازا" على "تيليغرام" في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فقد أخذ السلاح بين يديه بسبب التهديد باغتصابه، بينما أعرب والده، سليم شمس الدينوف، عن ثقته في أنه تم إيصال نجله إلى "آخر نقطة"، وأنه كان يتصرف بوعي كامل، مندهشاً من قسوة زملائه في التعامل بين بعضهم بعضاً.
اقــرأ أيضاً
إلا أن وزارة الدفاع الروسية وصفت رواية التهديد بالاغتصاب بأنها "كاذبة تماماً" و"مفبركة هدفها التأثير على سير التحقيق في جريمة بالغة الخطورة".
وبصرف النظر عن صحة هذه الرواية من عدمها، فإن الحادثة أعادت إلى الواجهة ما عانى منه الجنود الروس طويلاً من سوء المعاملة والعنف والـ"ديدوفشينا" من زملاء أقدم منهم في الخدمة، قبل أن تتراجع الظاهرة بعد تقليص مدة الخدمة العسكرية من عامين إلى عام واحد في عام 2008.
في هذا الإطار، يشير المحامي المتعاون مع منظمة "أمهات الجنود في سانت بطرسبرغ" ألكسندر بيريدروك، إلى أنه يصعب تقييم نطاق "ديدوفشينا" في الوقت الحالي، كون الظاهرة لا تشمل العلاقات غير الرسمية فحسب، وإنما أيضاً العنف من قبل الضباط. ويقول بيريدروك لـ "العربي الجديد": "يتعذر تحديد عدد الجرائم من هذا النوع، لأنّ عنف الضابط تجاه جندي الخدمة الإلزامية يندرج تحت طائلة المادة 286 من القانون الجنائي الروسي "تجاوز الصلاحيات"، وليس من الواضح كم عدد المدانين بموجب هذه المادة، والذين ارتكبوا جرائم عنف. لذلك، حين نتحدث عن ضرورة قياس مستوى "ديدوفشينا"، "نقصد استحداث مادة منفصلة بالقانون الجنائي متعلقة بالتعذيب"، كون هذا المفهوم أقرب إلى جوهر العنف الجسدي والمعنوي بحق المجندين.
وحول رؤيته لكيفية الحد من ظاهرة "ديدوفشينا" في الجيش الروسي، يضيف: "الإجراء الأكثر فاعلية، والذي قد طبقته الدولة بالفعل، هو تقليص مدة الخدمة الإلزامية من عامين إلى عام واحد، ما أدى إلى خفض معدلات الجريمة في الجيش. أما الانتقال إلى نظام الجيش المحترف، فسيكون خطوة أكثر أهمية للحد من مثل هذه الحوادث". كما يدعو بيريدروك إلى العمل والتركيز على الوقاية من الظاهرة، والتأكد من الحالة الصحية والنفسية للمجندين، وخلق الظروف بما يجعل الجيش أشبه بمكان العمل مثلما هو حال الجنود المتعاقدين.
ويتألف الجيش الروسي البالغ عدد عناصره نحو 1.1 مليون، من قسمين: يضم أحدهما أفراد الخدمة الإلزامية والآخر جنوداً متعاقدين يتقاضون رواتب شهرية، ويدربون بشكل مهني ويشاركون في عمليات عسكرية حقيقية مثل العملية العسكرية الروسية في سورية. وبحلول نهاية العام الماضي، اقترب عدد الجنود المتعاقدين من 400 ألف.
من جهتها، تساءلت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية حول ما إذا كانت وزارة الدفاع في عهد الوزير سيرغي شويغو قد أخفقت في مواجهة "ديدوفشينا" بعد تراجع الظاهرة في عهد سلفه، أناتولي سيرديوكوف، الذي أقيل من منصبه عام 2012.
وفي مقال بعنوان "عودة ديدوفشينا؟ هكذا خسرت وزارة شويغو المعركة مع العنف في الثكنات"، ذكّرت الصحيفة بأن مسؤولي وزارة الدفاع الروسية كانوا يتباهون حتى الآونة الأخيرة بأن القضاء على العنف في الثكنات هو أكبر إنجازات إصلاح الجيش الذي انطلق عام 2008، إلى أن وقعت حادثة شمس الدينوف وبعدها بيوم انتحار جندي في مقاطعة كالوغا لم يصدق ذووه هذه الرواية، وطالبوا بإجراء تحقيق.
وأشار كاتب المقال إلى أن مثل هذه الحوادث ظلت شائعة في الجيش الروسي في تسعينيات القرن الماضي وحتى منتصف العقد الأول من القرن الجديد، إذ اعترف وزير الدفاع آنذاك سيرغي إيفانوف، بأن 531 عسكرياً قضوا من جراء "الجرائم والحوادث" خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2002، كما أصبح 20 ألفاً آخرين من ذوي الإعاقة.
إلا أن خليفته سيرديوكوف شن حرباً على "ديدوفشينا" على جبهات عدة، بما في ذلك عن طريق خفض مدة الخدمة الإلزامية إلى عام واحد لاستبعاد أقدمية مجندي العام الثاني على المجندين الجدد، إضافة إلى حملة تسريح جميع قيادات الثكنات التي وقعت فيها حوادث انتحار بصرف النظر عن إنجازاتهم السابقة.
لكن مع تولي شويغو حقيبة الدفاع، أدرك الحقوقيون والضباط أن مسألة الالتزام بالجيش لا تقلقه كثيراً، إذ لا يحقق انعدام الجرائم بالقوات المسلحة في ظل اعتباره أمراً طبيعياً، أية فائدة إعلامية واضحة، فقرأوا ذلك على أنه تصريح باستخدام العنف، وفق صحيفة "ريبابليك" التي حذرت من تكرار حوادث إطلاق النار في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
اقــرأ أيضاً
يذكر أن قصص "ديدوفشينا" ظلت على مدى سنوات طويلة بمثابة فزع أمام الرجال الروس في سن التجنيد (من 18 إلى 27 عاماً) والذين كانوا يلجأون إلى كافة الأساليب القانونية وغير القانونية للتهرب من أداء الخدمة بالجيش الروسي، مدركين أنهم قد لا يعودون منه أحياء سالمين.
وبلغ سوء معاملة المجندين ذروته ليلة رأس سنة عام 2006، حين هزت قصة المجند أندريه سيتشيف روسيا بعدما بترت ساقاه وعضوه التناسلي إثر تعرضه للضرب المبرح من قبل زملائه لبضع ساعات متواصلة.
وتبين أثناء التحقيقات أن الجندي أقدم على فعلته بعد تعرضه للإهانة والعنف في ما يعرف باسم "ديدوفشينا"، وهي تسمية شعبية منذ الحقبة السوفييتية مشتقة من كلمة "ديد" (أي "جد")، في إشارة إلى العلاقات غير الرسمية بين المجندين.
واستناداً إلى أقوال شمس الدينوف التي تداولتها قناة "بازا" على "تيليغرام" في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فقد أخذ السلاح بين يديه بسبب التهديد باغتصابه، بينما أعرب والده، سليم شمس الدينوف، عن ثقته في أنه تم إيصال نجله إلى "آخر نقطة"، وأنه كان يتصرف بوعي كامل، مندهشاً من قسوة زملائه في التعامل بين بعضهم بعضاً.
إلا أن وزارة الدفاع الروسية وصفت رواية التهديد بالاغتصاب بأنها "كاذبة تماماً" و"مفبركة هدفها التأثير على سير التحقيق في جريمة بالغة الخطورة".
وبصرف النظر عن صحة هذه الرواية من عدمها، فإن الحادثة أعادت إلى الواجهة ما عانى منه الجنود الروس طويلاً من سوء المعاملة والعنف والـ"ديدوفشينا" من زملاء أقدم منهم في الخدمة، قبل أن تتراجع الظاهرة بعد تقليص مدة الخدمة العسكرية من عامين إلى عام واحد في عام 2008.
في هذا الإطار، يشير المحامي المتعاون مع منظمة "أمهات الجنود في سانت بطرسبرغ" ألكسندر بيريدروك، إلى أنه يصعب تقييم نطاق "ديدوفشينا" في الوقت الحالي، كون الظاهرة لا تشمل العلاقات غير الرسمية فحسب، وإنما أيضاً العنف من قبل الضباط. ويقول بيريدروك لـ "العربي الجديد": "يتعذر تحديد عدد الجرائم من هذا النوع، لأنّ عنف الضابط تجاه جندي الخدمة الإلزامية يندرج تحت طائلة المادة 286 من القانون الجنائي الروسي "تجاوز الصلاحيات"، وليس من الواضح كم عدد المدانين بموجب هذه المادة، والذين ارتكبوا جرائم عنف. لذلك، حين نتحدث عن ضرورة قياس مستوى "ديدوفشينا"، "نقصد استحداث مادة منفصلة بالقانون الجنائي متعلقة بالتعذيب"، كون هذا المفهوم أقرب إلى جوهر العنف الجسدي والمعنوي بحق المجندين.
وحول رؤيته لكيفية الحد من ظاهرة "ديدوفشينا" في الجيش الروسي، يضيف: "الإجراء الأكثر فاعلية، والذي قد طبقته الدولة بالفعل، هو تقليص مدة الخدمة الإلزامية من عامين إلى عام واحد، ما أدى إلى خفض معدلات الجريمة في الجيش. أما الانتقال إلى نظام الجيش المحترف، فسيكون خطوة أكثر أهمية للحد من مثل هذه الحوادث". كما يدعو بيريدروك إلى العمل والتركيز على الوقاية من الظاهرة، والتأكد من الحالة الصحية والنفسية للمجندين، وخلق الظروف بما يجعل الجيش أشبه بمكان العمل مثلما هو حال الجنود المتعاقدين.
ويتألف الجيش الروسي البالغ عدد عناصره نحو 1.1 مليون، من قسمين: يضم أحدهما أفراد الخدمة الإلزامية والآخر جنوداً متعاقدين يتقاضون رواتب شهرية، ويدربون بشكل مهني ويشاركون في عمليات عسكرية حقيقية مثل العملية العسكرية الروسية في سورية. وبحلول نهاية العام الماضي، اقترب عدد الجنود المتعاقدين من 400 ألف.
من جهتها، تساءلت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية حول ما إذا كانت وزارة الدفاع في عهد الوزير سيرغي شويغو قد أخفقت في مواجهة "ديدوفشينا" بعد تراجع الظاهرة في عهد سلفه، أناتولي سيرديوكوف، الذي أقيل من منصبه عام 2012.
وفي مقال بعنوان "عودة ديدوفشينا؟ هكذا خسرت وزارة شويغو المعركة مع العنف في الثكنات"، ذكّرت الصحيفة بأن مسؤولي وزارة الدفاع الروسية كانوا يتباهون حتى الآونة الأخيرة بأن القضاء على العنف في الثكنات هو أكبر إنجازات إصلاح الجيش الذي انطلق عام 2008، إلى أن وقعت حادثة شمس الدينوف وبعدها بيوم انتحار جندي في مقاطعة كالوغا لم يصدق ذووه هذه الرواية، وطالبوا بإجراء تحقيق.
وأشار كاتب المقال إلى أن مثل هذه الحوادث ظلت شائعة في الجيش الروسي في تسعينيات القرن الماضي وحتى منتصف العقد الأول من القرن الجديد، إذ اعترف وزير الدفاع آنذاك سيرغي إيفانوف، بأن 531 عسكرياً قضوا من جراء "الجرائم والحوادث" خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2002، كما أصبح 20 ألفاً آخرين من ذوي الإعاقة.
إلا أن خليفته سيرديوكوف شن حرباً على "ديدوفشينا" على جبهات عدة، بما في ذلك عن طريق خفض مدة الخدمة الإلزامية إلى عام واحد لاستبعاد أقدمية مجندي العام الثاني على المجندين الجدد، إضافة إلى حملة تسريح جميع قيادات الثكنات التي وقعت فيها حوادث انتحار بصرف النظر عن إنجازاتهم السابقة.
لكن مع تولي شويغو حقيبة الدفاع، أدرك الحقوقيون والضباط أن مسألة الالتزام بالجيش لا تقلقه كثيراً، إذ لا يحقق انعدام الجرائم بالقوات المسلحة في ظل اعتباره أمراً طبيعياً، أية فائدة إعلامية واضحة، فقرأوا ذلك على أنه تصريح باستخدام العنف، وفق صحيفة "ريبابليك" التي حذرت من تكرار حوادث إطلاق النار في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
يذكر أن قصص "ديدوفشينا" ظلت على مدى سنوات طويلة بمثابة فزع أمام الرجال الروس في سن التجنيد (من 18 إلى 27 عاماً) والذين كانوا يلجأون إلى كافة الأساليب القانونية وغير القانونية للتهرب من أداء الخدمة بالجيش الروسي، مدركين أنهم قد لا يعودون منه أحياء سالمين.
وبلغ سوء معاملة المجندين ذروته ليلة رأس سنة عام 2006، حين هزت قصة المجند أندريه سيتشيف روسيا بعدما بترت ساقاه وعضوه التناسلي إثر تعرضه للضرب المبرح من قبل زملائه لبضع ساعات متواصلة.