تحرص الكثير من عائلات المساجين في تونس على إحضار القفة إلى أبنائها المسجونين، لتفضيلهم طعام البيت على ذلك المقدم في السجن. ومع الوقت، باتت هذه القفة تربطهم بالعالم الخارجي
لم تكن الأربعينية مريم تتخيل أنها ستضطر إلى حمل القفة لزوجها المسجون بعدما حكم عليه بالسجن سبع سنوات في قضية مخدرات. تقول لـ"العربي الجديد"، إن المساجين يحنون دائماً إلى طعام البيت والعائلة، فتخصّص الكثير من الوقت لإعداد الأكلات التي يحبها زوجها، مضيفة أن كلفة القفة الواحدة تراوح ما بين 10 و15 دولاراً، وتحملها له مرتين في الأسبوع على الأقل.
وتؤكّد مريم، وهي أم لثلاثة أطفال، أنّ زوجها ينتظر بفارغ الصبر ما ستحمله إليه من طعام وغلال عادة ما لا تتوفر في السجن. ويتشارك مع أصدقائه في الغرفة الطعام الذي تحمله إليه، هو الذي يوصيها في العديد من المناسبات بأن تعد له بعض الأكلات الخاصة. تضيف أنه على الرغم من أنه يمنع إدخال بعض الأكلات إلى السجن، عدا عن صعوبة الوصول إلى السجن والتفتيش الدقيق للقفة، إلا أنها لا توفّر جهداً لإيصال الطعام إلى زوجها.
ويتعين على عائلات المساجين وضع الطعام في أوعية بلاستيكية فقط، ولا يحق لهم إدخال العديد من الأطعمة كالملوخية والطاجين وبعض الغلال خوفاً من تهريب ممنوعات بواسطتها. وتضطر العديد من العائلات التي تجهل عادة قوانين السجون إلى إعادة الأطعمة التي تصنف ضمن الممنوعات إلى البيت، أو الانتظار إلى حين الانتهاء من تفتيش القفة وتمريرها إلى السجين.
اقــرأ أيضاً
يقول المتخصّص في علم الاجتماع الإجرامي والسجون سامي نصر، لـ"العربي الجديد": "نظام القفة في السجون التونسية قديم ويعود إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. لم تكن إمكانيات الدولة تسمح لها بإطعام المساجين، لكن ظلت هذه العادة مستمرة، وخصوصاً أنها تلعب دوراً كبيراً في السجون التونسية لناحية ربط السجين بالمحيط الخارجي"، مشيراً إلى أن العقوبة تقتضي إبعاد الشخص عن عائلته، لكن القفة تعيد ربطه بالعائلة، حتى أن غالبية أمنيات السجناء هي الحصول على وجبة طعام من العالم الخارجي، خصوصاً من العائلة.
ويقول نصر إنّ أكلة السجن تسمى "الراقو"، وهي عبارة عن حساء بالخضار. وفي بعض الأحيان، يتمّ إعداد المعكرونة أو الكسكس، وذلك مرة واحدة في الأسبوع. ويوضح أنّ القفة تقدم بمعدّل مرتين في الأسبوع. لكن خلال شهر رمضان، يُسمح للعائلات بجلب القفة يومياً، مبيناً أن القفة لها بعد رمزي كبير لدى السجين وعائلته، على الرغم من كونها مكلفة. تفرح الأم أو غيرها من عائلة السجين لإحضار القفة ويشعرون بالقرب منه، مشيراً إلى أن تقريب السجين من عائلته مهم. كما أن طعام البيت أفضل للسجين من الناحية الصحية.
ويوضح نصر أن تلك الأكلات تخلق نوعاً من التضامن بين السجناء، إذ يتشاركون الطعام ويتقاسمون ما يصل في القفة، فيما يستخدمها البعض للمقايضة والحصول على بعض الخدمات من بقية السجناء. ويعدّ الحرمان من القفة بالنسبة لبعض المساجين أقسى من عقوبة السجن.
من جهته، يرى الناطق الرسمي باسم السجون سفيان مزغيش أن القفة تحافظ على الروابط الأسرية والتواصل مع العالم الخارجي، مبيناً أن إدارة السجن توفر للسجناء وجبات طعام في العادة ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على الصحة، كما أن غالبيتها تُطهى في ظروف جيدة. مع ذلك، يمكن للسجناء تلقي المؤونة من عائلاتهم، وخصوصاً أن عدداً كبيراً منهم يعتبرون وجبات السجن أقل جودة، ويفضلون الوجبات المعدة داخل المنازل. ويؤكّد مزغيش لـ"العربي الجديد"، أنّ السجين يحصل على ما يعرف بـ"القفة" مرّتين أو ثلاث مرات كحد أقصى في الأسبوع من قبل أفراد عائلته، مشيراً إلى أن للقفة دلالات رمزية لناحية توطيد الروابط الأسرية بين السجين وعائلته. بالتالي، فإن منع حصول السجين على القفة ليس سهلاً تجسيده على أرض الواقع، باعتبار أن قفة السجين نشأت منذ زمن بعيد، وأصبحت مع مرور الزمن، وبفعل العادات والتقاليد، ثقافة مجتمعية ذات دلالات رمزية على نفسية السجين وأسرته.
اقــرأ أيضاً
ويؤكّد أنّ العديد من الأوامر الإدارية تمنع إدخال بعض الأغذية المطهوة من العائلات، لأسباب أمنية خاصة، بسبب تهريب ممنوعات إلى السجناء. ويوضح أن عدداً من النزلاء لا تصلهم القفة، إما لأسباب اقتصادية خاصة بالعائلة أو بسبب بعد السجين عن مكان إقامة عائلته، وأحياناً نتيجة خضوعه لعقوبات تأديبية، منها الحرمان من الحصول على القفة لفترة محددة، مؤكداً أن القطع التدريجي مع هذا الموروث قد يصبح حاجة ضرورية في المستقبل لاعتبارات عدة، منها عدم التمييز بين السجناء بحسب المواثيق والمعايير الدولية على غرار المادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يضيف أن بعض المساجين قد يصبحون أكثر تكبراً على بقية السجناء الذين يسعون إلى إرضاء الفئة التي تصلها قفة الطعام وتلبية مطالبها في مقابل حصولهم على الطعام، مشدداً على أنه لا يجوز التمييز في المعاملة بين السجناء على أساس الثروة أو أي شيء آخر.
ويوضح أن هذا الأمر قد يتطلّب تحسين نوعية الوجبات الغذائية المقدمة إلى المساجين، ورصد موارد مالية إضافية، ما يصعب تجسيده على أرض الواقع حالياً. ويلفت إلى أن منع القفة تدريجياً من شأنه أن يمنع أو يحد من تسريب الممنوعات داخل السجون، وما تشكله تلك الممنوعات من خطورة على سلامة الأشخاص والمؤسسات.
وتؤكّد مريم، وهي أم لثلاثة أطفال، أنّ زوجها ينتظر بفارغ الصبر ما ستحمله إليه من طعام وغلال عادة ما لا تتوفر في السجن. ويتشارك مع أصدقائه في الغرفة الطعام الذي تحمله إليه، هو الذي يوصيها في العديد من المناسبات بأن تعد له بعض الأكلات الخاصة. تضيف أنه على الرغم من أنه يمنع إدخال بعض الأكلات إلى السجن، عدا عن صعوبة الوصول إلى السجن والتفتيش الدقيق للقفة، إلا أنها لا توفّر جهداً لإيصال الطعام إلى زوجها.
ويتعين على عائلات المساجين وضع الطعام في أوعية بلاستيكية فقط، ولا يحق لهم إدخال العديد من الأطعمة كالملوخية والطاجين وبعض الغلال خوفاً من تهريب ممنوعات بواسطتها. وتضطر العديد من العائلات التي تجهل عادة قوانين السجون إلى إعادة الأطعمة التي تصنف ضمن الممنوعات إلى البيت، أو الانتظار إلى حين الانتهاء من تفتيش القفة وتمريرها إلى السجين.
يقول المتخصّص في علم الاجتماع الإجرامي والسجون سامي نصر، لـ"العربي الجديد": "نظام القفة في السجون التونسية قديم ويعود إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. لم تكن إمكانيات الدولة تسمح لها بإطعام المساجين، لكن ظلت هذه العادة مستمرة، وخصوصاً أنها تلعب دوراً كبيراً في السجون التونسية لناحية ربط السجين بالمحيط الخارجي"، مشيراً إلى أن العقوبة تقتضي إبعاد الشخص عن عائلته، لكن القفة تعيد ربطه بالعائلة، حتى أن غالبية أمنيات السجناء هي الحصول على وجبة طعام من العالم الخارجي، خصوصاً من العائلة.
ويقول نصر إنّ أكلة السجن تسمى "الراقو"، وهي عبارة عن حساء بالخضار. وفي بعض الأحيان، يتمّ إعداد المعكرونة أو الكسكس، وذلك مرة واحدة في الأسبوع. ويوضح أنّ القفة تقدم بمعدّل مرتين في الأسبوع. لكن خلال شهر رمضان، يُسمح للعائلات بجلب القفة يومياً، مبيناً أن القفة لها بعد رمزي كبير لدى السجين وعائلته، على الرغم من كونها مكلفة. تفرح الأم أو غيرها من عائلة السجين لإحضار القفة ويشعرون بالقرب منه، مشيراً إلى أن تقريب السجين من عائلته مهم. كما أن طعام البيت أفضل للسجين من الناحية الصحية.
ويوضح نصر أن تلك الأكلات تخلق نوعاً من التضامن بين السجناء، إذ يتشاركون الطعام ويتقاسمون ما يصل في القفة، فيما يستخدمها البعض للمقايضة والحصول على بعض الخدمات من بقية السجناء. ويعدّ الحرمان من القفة بالنسبة لبعض المساجين أقسى من عقوبة السجن.
من جهته، يرى الناطق الرسمي باسم السجون سفيان مزغيش أن القفة تحافظ على الروابط الأسرية والتواصل مع العالم الخارجي، مبيناً أن إدارة السجن توفر للسجناء وجبات طعام في العادة ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على الصحة، كما أن غالبيتها تُطهى في ظروف جيدة. مع ذلك، يمكن للسجناء تلقي المؤونة من عائلاتهم، وخصوصاً أن عدداً كبيراً منهم يعتبرون وجبات السجن أقل جودة، ويفضلون الوجبات المعدة داخل المنازل. ويؤكّد مزغيش لـ"العربي الجديد"، أنّ السجين يحصل على ما يعرف بـ"القفة" مرّتين أو ثلاث مرات كحد أقصى في الأسبوع من قبل أفراد عائلته، مشيراً إلى أن للقفة دلالات رمزية لناحية توطيد الروابط الأسرية بين السجين وعائلته. بالتالي، فإن منع حصول السجين على القفة ليس سهلاً تجسيده على أرض الواقع، باعتبار أن قفة السجين نشأت منذ زمن بعيد، وأصبحت مع مرور الزمن، وبفعل العادات والتقاليد، ثقافة مجتمعية ذات دلالات رمزية على نفسية السجين وأسرته.
ويؤكّد أنّ العديد من الأوامر الإدارية تمنع إدخال بعض الأغذية المطهوة من العائلات، لأسباب أمنية خاصة، بسبب تهريب ممنوعات إلى السجناء. ويوضح أن عدداً من النزلاء لا تصلهم القفة، إما لأسباب اقتصادية خاصة بالعائلة أو بسبب بعد السجين عن مكان إقامة عائلته، وأحياناً نتيجة خضوعه لعقوبات تأديبية، منها الحرمان من الحصول على القفة لفترة محددة، مؤكداً أن القطع التدريجي مع هذا الموروث قد يصبح حاجة ضرورية في المستقبل لاعتبارات عدة، منها عدم التمييز بين السجناء بحسب المواثيق والمعايير الدولية على غرار المادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يضيف أن بعض المساجين قد يصبحون أكثر تكبراً على بقية السجناء الذين يسعون إلى إرضاء الفئة التي تصلها قفة الطعام وتلبية مطالبها في مقابل حصولهم على الطعام، مشدداً على أنه لا يجوز التمييز في المعاملة بين السجناء على أساس الثروة أو أي شيء آخر.
ويوضح أن هذا الأمر قد يتطلّب تحسين نوعية الوجبات الغذائية المقدمة إلى المساجين، ورصد موارد مالية إضافية، ما يصعب تجسيده على أرض الواقع حالياً. ويلفت إلى أن منع القفة تدريجياً من شأنه أن يمنع أو يحد من تسريب الممنوعات داخل السجون، وما تشكله تلك الممنوعات من خطورة على سلامة الأشخاص والمؤسسات.