لطالما اعتمد الفقراء في تونس، ولا سيما في مناطق الأرياف، على ما تجود به الأرض من أعشاب برية، وفطريات صحية، لكنّهم يخسرون هذا المصدر لمصلحة المطاعم
تنافس مطاعم كبرى فقراء تونس على غذائهم، بعدما تحوّلت الوصفات التقليدية التي تعتمد على الأعشاب البرية إلى جزء من الأطباق الفخمة التي تقدم إلى زبائن المطاعم، وباتت تلك الأعشاب التي تجود بها الطبيعة على الفقراء منتجات تجارية يعتاش منها المزودون وأصحاب محلات الخضار في المناطق الراقية.
ويعتمد طعام الفقراء في تونس شتاءً في جزء كبير منه على المنتج العشبي الذي يحصلون عليه مجاناً من الطبيعة على غرار الخرشوف (أرضي شوكي) والجرجير (روكا) وفطر الترفاس (كمأ) قبل أن تتحوّل المطاعم الراقية إلى منافس لهم وتصبح الأعشاب الطبيعية المعبأة في علب جزءاً من المعروض على رفوف المحلات التجارية الكبرى.
اقــرأ أيضاً
عشبة الجرجير أو الحارة التي تشتهر بها منطقة السباسب الوسطى، وكذلك عشبة اليازول (القازول) والترفاس بمنشأهما الجنوبي، من أهم المنتجات الوافدة من المحيط الريفي إلى المطاعم الفاخرة، ما ساهم في ارتفاع أسعارها ارتفاعاً لافتاً بعدما كانت حكراً على موائد الفقراء. تقول اختصاصية التغذية عائشة المستوري إنّ المطبخ التونسي، ولا سيما ما يوصف بطعام الفقراء، يعتمد كثيراً على النباتات البرية، أو الرعوية، التي تمثل دعامة غذائية لهم، مؤكدة أنّ هذه الأعشاب عادة ما تكون ذات نكهات مميزة، ولها قيمة غذائية كبيرة ونافعة للصحة. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الاهتمام بالطعام النباتي انتقل إلى المطاعم الفاخرة بعد توجّه كامل للمطبخ العالمي نحو الأغذية النباتية والابتعاد بقدر الإمكان عن الغذاء المعالج بالمواد الكيميائية أو البروتينات الحيوانية. تلفت إلى دخول الطعام الشعبي الذي يعتمد على المنتجات الرعوية الطبيعية في منافسة مع الأطعمة التي تقدم في أكبر المطاعم، معتبرة أنّ هذه المنافسة تضيّق على الفقراء في عيشهم، لكنّها تساعد في تطوير المطبخ التونسي عموماً.
تؤكد دراسة للباحث عبد الكريم البراهمي عن مائدة الفقراء في برّ الهمامة (نسبة إلى قبيلة الهمامة التي ترتكز في الوسط التونسي) أنّ الحشائش، على غرار الجرجير واليازول وغيرهما، تصنف ضمن الأغذية غير المطبوخة التي اعتمدت عليها الأوساط الريفية والقبائل التونسية في مرحلة ما. وتؤكد الدراسة أنّ الأعشاب التي يوفرها الوسط الطبيعي تمثل دعماً غذائياً أساسياً للفقراء في سنوات الخصب، ولا سيما في فصلي الشتاء والربيع. وتقول الدراسة إنّ الاقتصاد الرعوي أدى إلى اتساع دائرة النيء في غذاء الفقراء، مشيرة إلى أنّ تناول الأعشاب والخضار الطازجة بصفة عامة قد عرف انتشاراً في البلدان العربية والمتوسطية منذ القرن الثامن عشر.
بالإضافة إلى طلبيات المطاعم من الأعشاب الرعوية، تقول سميرة يحياوي، وهي صاحبة محل خضار في حي النصر الراقي في تونس العاصمة، إنّها تؤمّن لزبائنها في المحل طلبيات خاصة من أعشاب الجرجير والبندلاقة، لإعداد السلطات الإيطالية، مشيرة إلى أنّ الطلب على هذه المواد يتزايد في فصل الشتاء، مثله مثل الخرشوف والأعشاب الأخرى التي يضيفها الفقراء إلى الحساء. تتابع لـ"العربي الجديد" بأنّها ابنة منطقة السباسب بمحافظة القصرين (وسط غرب تونس) وأنّ طعام عائلتها الريفية سابقاً كان يعتمد على ما تنتجه أرضهم من نباتات رعوية على مدار العام. تفسر: "لكلّ فصل أعشابه، وكان العديد من النباتات الرعوية يعوّض البروتينات الحيوانية، فقلّما كانت اللحوم الحمراء تزين موائدنا". تضيف: "اليوم، اكتشفت القيمة الغذائية لهذه الأعشاب، مع رؤيتي إصرار المطاعم التي أزودها على توفير هذه المنتجات للزبائن".
اقــرأ أيضاً
ويعدّ الترفاس أو الكمأ، وهو فطر يخرج من التراب في أيام الرعد، في الجنوب التونسي من أبرز المنتجات الرعوية التي تؤثث أطباق المطاعم الكبرى. قديماً، كان الترفاس الوجبة المفضلة لسكان الجنوب التونسي ومن يزورهم، إذ يقبلون على استهلاكه مشوياً أو مسلوقاً، كما يمكن استخدامه بديلاً مغذّياً للّحم في إعداد وجبات محلية عدة، فيما يعد الترفاس الأسمر أو الأحمر أثمن هذه الأنواع. وإزاء ارتفاع الطلب على الترفاس من قبل المطاعم السياحية وشركات التصدير، إذ يصدّر إلى خارج تونس ويرتفع سعره في بلدان كثيرة، لم يعد هذا الصنف من الفطر يحضّر على موائد أهالي الجنوب بعدما تحوّل موسم الجني إلى مصدر رزق بالعملة الصعبة للشركات التي تستغل هذا المنتج الطبيعي للتصدير نحو الأسواق الأوروبية، خصوصاً الإيطالية مقابل 100 يورو للكيلوغرام الواحد، وهو ما يحرم الأهالي الحصول عليه، من دون أن يستفيد معظمهم حتى من عوائد البيع.
تنافس مطاعم كبرى فقراء تونس على غذائهم، بعدما تحوّلت الوصفات التقليدية التي تعتمد على الأعشاب البرية إلى جزء من الأطباق الفخمة التي تقدم إلى زبائن المطاعم، وباتت تلك الأعشاب التي تجود بها الطبيعة على الفقراء منتجات تجارية يعتاش منها المزودون وأصحاب محلات الخضار في المناطق الراقية.
ويعتمد طعام الفقراء في تونس شتاءً في جزء كبير منه على المنتج العشبي الذي يحصلون عليه مجاناً من الطبيعة على غرار الخرشوف (أرضي شوكي) والجرجير (روكا) وفطر الترفاس (كمأ) قبل أن تتحوّل المطاعم الراقية إلى منافس لهم وتصبح الأعشاب الطبيعية المعبأة في علب جزءاً من المعروض على رفوف المحلات التجارية الكبرى.
عشبة الجرجير أو الحارة التي تشتهر بها منطقة السباسب الوسطى، وكذلك عشبة اليازول (القازول) والترفاس بمنشأهما الجنوبي، من أهم المنتجات الوافدة من المحيط الريفي إلى المطاعم الفاخرة، ما ساهم في ارتفاع أسعارها ارتفاعاً لافتاً بعدما كانت حكراً على موائد الفقراء. تقول اختصاصية التغذية عائشة المستوري إنّ المطبخ التونسي، ولا سيما ما يوصف بطعام الفقراء، يعتمد كثيراً على النباتات البرية، أو الرعوية، التي تمثل دعامة غذائية لهم، مؤكدة أنّ هذه الأعشاب عادة ما تكون ذات نكهات مميزة، ولها قيمة غذائية كبيرة ونافعة للصحة. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الاهتمام بالطعام النباتي انتقل إلى المطاعم الفاخرة بعد توجّه كامل للمطبخ العالمي نحو الأغذية النباتية والابتعاد بقدر الإمكان عن الغذاء المعالج بالمواد الكيميائية أو البروتينات الحيوانية. تلفت إلى دخول الطعام الشعبي الذي يعتمد على المنتجات الرعوية الطبيعية في منافسة مع الأطعمة التي تقدم في أكبر المطاعم، معتبرة أنّ هذه المنافسة تضيّق على الفقراء في عيشهم، لكنّها تساعد في تطوير المطبخ التونسي عموماً.
تؤكد دراسة للباحث عبد الكريم البراهمي عن مائدة الفقراء في برّ الهمامة (نسبة إلى قبيلة الهمامة التي ترتكز في الوسط التونسي) أنّ الحشائش، على غرار الجرجير واليازول وغيرهما، تصنف ضمن الأغذية غير المطبوخة التي اعتمدت عليها الأوساط الريفية والقبائل التونسية في مرحلة ما. وتؤكد الدراسة أنّ الأعشاب التي يوفرها الوسط الطبيعي تمثل دعماً غذائياً أساسياً للفقراء في سنوات الخصب، ولا سيما في فصلي الشتاء والربيع. وتقول الدراسة إنّ الاقتصاد الرعوي أدى إلى اتساع دائرة النيء في غذاء الفقراء، مشيرة إلى أنّ تناول الأعشاب والخضار الطازجة بصفة عامة قد عرف انتشاراً في البلدان العربية والمتوسطية منذ القرن الثامن عشر.
بالإضافة إلى طلبيات المطاعم من الأعشاب الرعوية، تقول سميرة يحياوي، وهي صاحبة محل خضار في حي النصر الراقي في تونس العاصمة، إنّها تؤمّن لزبائنها في المحل طلبيات خاصة من أعشاب الجرجير والبندلاقة، لإعداد السلطات الإيطالية، مشيرة إلى أنّ الطلب على هذه المواد يتزايد في فصل الشتاء، مثله مثل الخرشوف والأعشاب الأخرى التي يضيفها الفقراء إلى الحساء. تتابع لـ"العربي الجديد" بأنّها ابنة منطقة السباسب بمحافظة القصرين (وسط غرب تونس) وأنّ طعام عائلتها الريفية سابقاً كان يعتمد على ما تنتجه أرضهم من نباتات رعوية على مدار العام. تفسر: "لكلّ فصل أعشابه، وكان العديد من النباتات الرعوية يعوّض البروتينات الحيوانية، فقلّما كانت اللحوم الحمراء تزين موائدنا". تضيف: "اليوم، اكتشفت القيمة الغذائية لهذه الأعشاب، مع رؤيتي إصرار المطاعم التي أزودها على توفير هذه المنتجات للزبائن".
ويعدّ الترفاس أو الكمأ، وهو فطر يخرج من التراب في أيام الرعد، في الجنوب التونسي من أبرز المنتجات الرعوية التي تؤثث أطباق المطاعم الكبرى. قديماً، كان الترفاس الوجبة المفضلة لسكان الجنوب التونسي ومن يزورهم، إذ يقبلون على استهلاكه مشوياً أو مسلوقاً، كما يمكن استخدامه بديلاً مغذّياً للّحم في إعداد وجبات محلية عدة، فيما يعد الترفاس الأسمر أو الأحمر أثمن هذه الأنواع. وإزاء ارتفاع الطلب على الترفاس من قبل المطاعم السياحية وشركات التصدير، إذ يصدّر إلى خارج تونس ويرتفع سعره في بلدان كثيرة، لم يعد هذا الصنف من الفطر يحضّر على موائد أهالي الجنوب بعدما تحوّل موسم الجني إلى مصدر رزق بالعملة الصعبة للشركات التي تستغل هذا المنتج الطبيعي للتصدير نحو الأسواق الأوروبية، خصوصاً الإيطالية مقابل 100 يورو للكيلوغرام الواحد، وهو ما يحرم الأهالي الحصول عليه، من دون أن يستفيد معظمهم حتى من عوائد البيع.