يبدو أنّ التمييز ضدّ المرأة لا يتوقّف في العالم العربي. وأخيراً، منعت الكويت الأمّهات من علاج أبنائهنّ وحصرت الأمر برجال العائلة غير آبهة بصحّة الطفل ولا كرامة المرأة
أثير جدال جديد في الكويت على خلفيّة تعميم للإدارة القانونية في وزارة الصحة الكويتية ينصّ على أنّه لا يحقّ للمرضى القصّر أو فاقدي الأهلية أن يوقّعوا على موافقة الخضوع إلى عملية جراحية إلا بإذن من وليّ الأمر، وهو في هذه الحالة الوالد أو الجدّ لجهة الوالد أو الأخ، من دون الأخذ بتوقيع الوالدة أو الجدّة في حال غياب هؤلاء. وقد أكّد التعميم الذي تلقّاه مستشفى جابر الأحمد وعُمّم على كل المستشفيات والمستوصفات الحكومية أنّ "حصول الوالدة على حقّ الحضانة لا يخولها التوقيع على مثل هذا الإقرار".
يصف ناشطون ومواطنون مثل تلك التعميمات القانونية بأنّها مهينة للمرأة وتكرّس مبدأ التفرقة بين الجنسَين، بالإضافة إلى أنّها تتسبّب في تأخير كبير لعلاج حالات مستعجلة غالباً ما تكون الوالدة هي الحاضرة فيها بسبب غياب الوالد أو انشغاله. يأتي ذلك إلى جانب تشكيك في مدى قانونية منع الوالدة من التوقيع على إقرار بإجراء عمليات جراحية لأبنائها، علماً أنّ المنع لا يقتصر على العمليات الجراحية الكبرى، بل يطاول كذلك علاج تسوّس الأسنان الذي يحتاج إلى تخدير، وكذلك العمليات الصغرى من قبيل معالجة شقوق رأس الطفل بالغرز وغيرها.
يقول الدكتور سعود الشمري لـ"العربي الجديد"، إنّ "جذور المشكلة تعود إلى قيام وزارة الصحة قبل عام واحد بإصدار تعميم يقضي بوجوب أخذ موافقة خطيّة من المريض البالغ أو وليّ أمر المريض غير البالغ أو فاقد الأهلية قبل إجراء أيّ تدخل جراحي بسيط، بما في ذلك التخدير، وذلك إنهاءً لحالة الجدال القانونية التي تتورّط فيها الوزارة عقب كلّ خطأ طبي يحدث". يضيف أنّه "بفعل هذا القرار، صار من الواجب على طبيب الأسنان مثلاً أن يحصل على توقيع من قبل والد الطفل المعنيّ بالعلاج، في حال أراد أن يحشو أسنانه أو يخلع ضرساً أو أيّ إجراء يُفترض أنّه طبيعي وبسيط. وعندما كان يأتي الطفل مع والدته وليس مع والده، اضطرّ أطباء إلى الاستفسار من الإدارة القانونية في وزارة الصحة حول مجرى الأمور، فأجابت الإدارة القانونية أنّ وجود الوالد أو من يقوم مقامه ضروري ولا يتمّ العلاج من دون توقيعه".
وتقرن وزارة الصحة تعميمها الأخير بقانون الأحوال الشخصية لعام 1981 الذي ينصّ على أنّ الولاية تكون للوالد ثمّ للجدّ العاصب، لكنّ الخبير القانوني والمحامي فهد الشمري يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإدارة القانونية في وزارة الصحة فاتها قانون الطفل لعام 2015 الذي يعطي المرأة أحقيّة علاج ابنها من دون إذن أيّ كان، كون حماية الطفل هي أولوية الأولويات ومقدّمة على مسائل هامشية مثل ولاية الوالد".
وتحكي الكويتية موضي العجمي عن موقف واجهته مع ابنها البالغ من العمر تسعة أعوام، عندما اصطحبته إلى طبيب الأسنان التابع للمركز الصحي في منطقتهم. هناك، أخبرها الطبيب بأنّ ابنها يحتاج إلى إزالة إحدى الأسنان المتسوّسة وأنّ على والده أن يحضر ويوقّع على إقرار يسمح للطبيب بتخديره قبل إزالة السنّ. تضيف العجمي لـ"العربي الجديد": "فوجئت بذلك الطلب، وأخبرت الطبيب بأنّ والده في خارج البلاد وبأنّني امرأة كاملة الأهلية. فردّ أنّه لا يستطيع القيام بأيّ إجراء طبي من هذا النوع خوفاً من إنزال الوزارة عقوبة قانونية وتأديبية في حقّه". وترى العجمي التي تعمل في مجال التدريس، أنّ "ما حدث كان مهيناً. فأنا اضطررت إلى الاتصال بجدّ ابني الذي خرج من منزله على الرغم من تقدّمه في السنّ وعلى الرغم من مرضه المزمن للتوقيع على الموافقة الخاصة بتلك العملية البسيطة".
في السياق، رفعت منظمات من المجتمع المدني كتاباً إلى وزير الصحة الدكتور باسل الصباح تطالبه فيها بإعطاء الوالدة الولاية على ابنها القاصر المريض وفق أحكام قانون الطفل لعام 2015. وقد صرّحت رئيسة جمعية حماية الطفل، الدكتورة سهام الفريح، وهي أستاذة في القانون، بأنّ "الجمعية تواصلت مع وزارة الصحة التي أبدت استعدادها للتحرّك وإنهاء هذا القرار الإداري الخطير الذي يعرّض صحة الأطفال إلى الخطر كونه سوف يؤخّر علاجهم ويدخل الطبيب والوالدة والطفل في متاهات كبيرة وإحراج". أضافت الفريح أنّ قانون الطفل الذي أُقرّ في عام 2015 يناقض كتب وزارة الصحة القانونية التي أرسلتها إلى المستشفيات والمراكز الصحية، إذ إنّ القانون ينصّ على حقّ المتخصصين في مراكز الرعاية الطبية بعلاج الطفل في حالة عدم موافقة الوليّ على علاجه لأيّ سبب، إذا استدعت الضرورة ذلك.
من جهتها، تقول الناشطة النسوية شيخة العلي لـ"العربي الجديد"، إنّ "أعضاء مجلس الأمة ما زالوا صامتين إزاء الانتهاك الذي تواجهه المرأة نتيجة امتناع وزارة الصحة عن الأخذ بتوقيعها وإقرارها لعلاج أبنائها وهو أمر طبيعي تعوّدنا عليه من النواب الذين جعلوا المرأة والاهتمام بها شؤوناً هامشية". تضيف: "أظنّ أنّ النواب سوف يتحركون بشكل أكبر لو علموا أنّ المتضرّر ليس المرأة فحسب بل المجتمع كلّه، لأنّه يتوجّب بالتالي على الوالد ترك عمله أو العودة من سفره للتوقيع على إقرار بسيط. وهو ما نحاول القيام به في منظمات المجتمع المدني، أي توعية المجتمع حول خطورة هذا القرار على الجميع".