يعاني كثير من المواطنين في شمال سورية، أو ممن هاجروا ولجأوا في الخارج من مسألة استخراج ما قد يحتاجون إليه من أوراق رسمية، من مؤسسات الدولة التي ما زال النظام مهيمناً عليها، كجواز السفر والأوراق الثبوتية الصادرة عن السجل المدني، وحتى الشهادات العلمية وغيرها، ما يعرضهم إما للابتزاز أو تعطيل حياتهم.
تقول أم عمر، وهي معلمة مهجرة من ريف دمشق مع عائلتها إلى الشمال السوري، لـ"العربي الجديد": "عندما هجّرنا من ريف دمشق أتينا إلى إدلب، وكلّ تصورنا أنّنا سنستقر في هذه المدينة حتى نعود إلى بلدتنا، لكن عندما سيطرت هيئة تحرير الشام على إدلب تماماً، وأصبح هناك تهديد بأن تتعرض المدينة لعمل عسكري، قررنا الانتقال إلى عفرين علّنا نجد الأمان الذي نبحث عنه، لكنّ الفوضى التي رأيناها هناك جعلتنا نعود إلى إدلب. أدركنا أنّ الحياة باتت مستحيلة، فجمعنا كلّ ما توفر لدينا من مال، واقترضنا مبلغاً غير صغير، حتى تمكن زوجي من الانتقال إلى تركيا، وبالفعل وصل إلى هناك وبدأ العمل على لمّ الشمل لنا".
تضيف أم عمر: "بدأت أزمتنا الجديدة، فابني وابنتي لا يحملان جوازي سفر، والحصول عليهما يقتضي مراجعة إدارة الهجرة والجوازات في مناطق النظام، وهذا مستحيل إذ سنتعرض لخطر الاعتقال عند أول حاجز يصادفنا. شقيق زوجي الذي ما زال يعيش في مناطق النظام رفض بأيّ شكل استخراج جوازات سفر لهما خوفاً من اعتقاله، بل رفض حتى الحديث مع شقيقه خوفاً من مراقبة اتصالاته. وهكذا، بدأت أبحث عن سماسرة يعملون في استخراج جوازات لمن هم في إدلب، ودخلت في بازارات عدة، وأقل سعر حصلت عليه هو 1700 دولار أميركي عن كلّ جواز، وهو مبلغ كبير علينا، ولا أعلم من أين يمكن أن أحصل عليه. وفي النتيجة نحن عالقون في إدلب، نحاول أن نعيش بما أحصل عليه من عملي، وزوجي عالق في تركيا".
أمّا عبد الله المصطفى، من ريف حمص، الذي دخل إلى تركيا منذ ثلاث سنوات، بطريقة سرية، فمرّ في أزمة للحصول على بطاقة عائلية، وهو المتزوج في سورية، قبل خمس سنوات، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد": "طُلب مني مبلغ كبير للحصول على بطاقة عائلية من سورية، بالإضافة إلى أزمة تسجيل طفلتي التي ولدت في تركيا". يتابع: "الحلّ الأخير الذي كان أمامي هو أن أتزوج زوجتي مجدداً، وهو ما حصل، فسجلت زواجي في تركيا، كأنّي أتزوج للمرة الأولى، وعلى أساس زواجي الجديد حصلت على بطاقة عائلية من تركيا".
من جهته، اضطر مازن، المعتقل السابق واللاجئ منذ نحو خمس سنوات، في إحدى دول أوروبا، إلى دفع نحو 400 دولار للحصول على شهادته الجامعية، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف: "النظام منع تسليم الشهادات الجامعية إلى صاحب العلاقة أو بموجب وكالة قانونية، وعندما خرجت من سورية، لم أجر وكالة لأحد. وبالرغم من مراجعة والدي الجامعة عدة مرات، فقد كان في كلّ مرة يحصل على إجابة واحدة: دعه يأتي إلى البلد ليحصل على شهادته، أو ليرسل وكالة رسمية. أنا حالياً مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية في القوات النظامية، وأخشى مراجعة القنصلية السورية خوفاً من إلغاء لجوئي في البلد الذي أعيش فيه". يتابع: "في النهاية، وجد والدي شخصاً في دمشق، قال له إنّ حصوله على شهادتي يكلف 400 دولار، وبالفعل جلب بعد 15 يوماً شهادتي مصدقة من الخارجية السورية بشكل قانوني، مقابل المبلغ". يعتبر مازن أنّه "محظوظ" بحصوله على شهادته، إذ استطاع عبرها الحصول على منحة دراسية، ما سيمنحه فرصة تحسين مستقبله، موضحاً أنّه لا يفكر أبداً في العودة إلى سورية، في ظلّ النظام الحالي.
بدوره، يقول جابر، اللاجئ في ألمانيا منذ نحو 3 سنوات، لـ"العربي الجديد": "خرجت من سورية هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، لأنّه يرفض أن يكون قاتلاً أو قتيلاً في حرب لا تخدم السوريين". ويضيف: "كنت أريد أن أقيم 4 سنوات في ألمانيا، لكي أستطيع دفع بدل مالي لإعفائي من الخدمة العسكرية يبلغ 8 آلاف دولار، بحسب ما ينص القانون السوري، بالإضافة إلى الحصول على الوثائق التي تسمح لي بإكمال دراستي، التي لم تسمح لي الظروف أن أكملها في بلادي. لكنّ السجلات العسكرية السورية رفضت اعتماد إقامتي في ألمانيا، بسبب وجود فاقد عشرة أيام في إقامتي، هي عبارة عن رحلة لجوئي من تركيا إلى ألمانيا". يوضح أنّ "البديل الذي طرحوه في سورية، هو أن أذهب إلى أقرب سفارة أو قنصلية سورية في أوروبا لإجراء ما يسمونه تسوية، لتصحيح وضعي، الأمر الذي أخشى أن يفقدني صفة اللاجئ، إذ لا أستطيع أن أخاطر خصوصاً أنّي أنجزت معاملة لمّ الشمل لزوجتي، ونشعر اليوم بالاستقرار وننتظر استقبال مولودي الأول، وآمل أن يأتي يوم أحصل به على الجنسية الألمانية، وأعتقد أنّ النظام حرمني حتى من التفكير في العودة إلى سورية في يوم من الأيام للأسف".
أمّا أبو مأمون، معقب معاملات في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، فيقول لـ"العربي الجديد": "في سورية، للحصول على أي شيء طريقان الأول قانوني، مثقل بالروتين والتعقيدات ولا يخلو من الإكراميات (الاسم المتعارف عليه للرشاوي التي يتلقاها الموظفون مقابل تسيير المعاملات). والطريق الثاني هو دفع المال منذ البداية مقابل إنجاز أي معاملة أو استصدار أوراق رسمية مثل جوازات السفر أو الشهادات وغيرها، ما يجعل من الممكن تجاوز كثير من التعقيدات واختصار الوقت".