لا يتخيل المارُّ في الشارع الضيّق الذي يقع على بعد أمتار من مقبرة في قطاع غزة أنه يخفي خلف جدرانه رمادية اللون مشتل زهور، فما إن تدخل باب المشتل حتّى تُفاجأ بزهور ذات ألوان زاهية، ورائحة تنبعث من المكان المكون من دونمين ونصف الدونم مُغطّاة بزهور مختلفة بعضها يتم زراعتها في غزة لأول مرة.
إلى هذه البقعة الصغيرة، في منطقة المغراقة، يهرب الأربعيني الفلسطيني عز الدين أبو سويرح، كي ينقذ نفسه من الهموم والسموم التي خلّفها الحصار الإسرائيلي المستمر للعام الثاني عشر على التوالي، كما أن زوّار المكان يحاولون أن يُطيلوا أوقات مكوثهم فيه، فضلاً عن شراء الأزهار ذوات الألوان "المُبهجة".
وقال أبو سويرح (42 سنة)، إنه بدأ هواية زراعة الزهور ورعايتها منذ أن كان بعمر 15 سنة، إذ اعتاد على زراعتها في حديقة منزله الصغيرة، ومع مرور الزمن، طوّر أبو سويرح الفكرة ليفتتح عام 2001 مشروعه الأول على قطعة أرض صغيرة تقدّر مساحتها بنحو رُبع دونم زرعها بمئات الأصناف من الزهور.
لم يكن أبو سويرح متخصصا بالشأن البيئي ولم يدرس سابقاً طبيعة الزهور وطرق تهجينها أو العناية بها. لكن الفضول دفعه إلى البحث في الكتب العلمية وعلى مواقع الإنترنت، حتّى أصبح يعرف كافة التفاصيل اللازمة لزراعة الزهور وأنواعها ومواسمها، وبينها أنواع نجح في زراعتها داخل قطاع غزة بعد أن كان المزارعون يستوردون شتلاتها من الخارج، ومن بينها زهرة "الجربيرا" التي تنمو في جنوب أفريقيا وآسيا، وتحتاج إلى بيئة خاصة، وزهرة "البيتونيا" التي تنمو في أميركا الجنوبية، فضلا عن توفير 7 ألوان من زهرة "فكتوريا".
ومشتل أبو سويرح هو واحد من عشرات المشاتل الموزّعة في مناطق مختلفة بقطاع غزة، والتي تضم عشرات الأصناف المختلفة من الزهور، ويقصدها الزوّار بهدف الترفيه عن النفس والشراء.
يقضي عز الدين أبو خالد جلّ وقته في رعاية الأزهار بالمشتل، والتي تمدّه بالطاقة الإيجابية وتبعده عن هموم الحياة بغزة، وحال أبو خالد يماثل حال الآلاف من سكان القطاع الذين يبحثون عن فسحة للهرب من الواقع. "الناس تعبت من مظاهر الدمار، وتريد أن ترى مشاهد جميلة من حولها. تريد أن تحيط نفسها بجو مريح يخرجها من ضغوط الحياة".
وخلال السنوات الماضية، واجه المشتل أزمة انقطاع المياه والكهرباء، فملوحة المياه الزائدة كانت تتسبب في موت الأزهار، وانقطاع الكهرباء كان يمنع وصول المياه، وقال أبو خالد: "أصبحت لدينا محطة لتحلية المياه، ومصدر خاص للطاقة للحفاظ على الزهور وإطالة أعمارها".
وتفرض إسرائيل على سكان قطاع غزة حصاراً منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون ثاني 2006، وشدّدته في منتصف يونيو/ حزيران 2007، إثر سيطرة الحركة على القطاع.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة، أدهم البسيوني: "كان قطاع غزة يصدّر في الفترة التي سبقت الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر أكثر من 40 مليون زهرة في الموسم الواحد. ارتفاع تكلفة مستلزمات الإنتاج بعد الحصار جعل من زراعتها في قطاع غزة عبئاً على المزارعين، خاصة في ظل إغلاق المعابر ووقف تصديرها إلى العالم الخارجي".
(الأناضول)