بالترافق مع نقاش قانون "هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة" في تونس، يشكك البعض في صلاحياتها "الضيقة"
شرع البرلمان التونسي في مناقشة قانون إنشاء "هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة"، التي تهدف إلى تعزيز قيم الديمقراطية التشاركية، عبر توسيع قاعدة المساهمين في صياغة القوانين والمشاريع المستقبلية للبلاد. تعمل هذه الهيئة الدستورية، بحسب القانون، على إرساء دعائم التنمية المستدامة وضمان احترام مقوماتها على أساس التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما يحقق انتقالاً عند بلورة السياسات العامة، وذلك نحو تنمية مندمجة ومتناسقة بين مختلف هذه المجالات. وتختص الهيئة بدور نشر ثقافة التنمية المستدامة، وتأخذ بعين الاعتبار التغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، كما تعمل على الحفاظ على تطلعات الأجيال المقبلة وعلى حماية حقوقهم.
يمنح القانون للهيئة إمكانية تلقّي عرائض من المواطنين في المسائل المندرجة في مجال اختصاصها تتضمن على الأقل 1000 إمضاء، وتنظر الهيئة في هذه العريضة وتبدي الرأي في إمكانية تبنّيها وإحالتها إلى الجهة المعنية. ويساهم إرساء هذه الهيئة في دعم الديمقراطية التشاركية، بتوفير إطار مؤسسي للتشاور والنقاش في المسائل المتعلقة بمجال اختصاصها مع الجمعيات والأحزاب والهيئات المهنية وممثلي الجماعات المحلية. وتملك الهيئة وسائل وآليات من أجل إشراك الأطراف والجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك تنظيم استشارات وطنية.
وينص البند 129 من الدستور الجديد على أنّ هذه الهيئة تُستشار وجوباً في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مخططات التنمية. وتتم استشارة الهيئة كذلك في مخططات التنمية الوطنية والجهوية والوثيقة التوجيهية للمخطط والميزان الاقتصادي وتقارير متابعة المخطط التنموي. وتُرفع هذه المشاريع أو المخططات وجوباً برأي الهيئة عند الإحالة إلى مجلس نواب الشعب (البرلمان). كذلك، يمكن لهذه الهيئة الدستورية أن تبدي رأيها تلقائياً في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وفي كلّ الوثائق التوجيهية أو الاستراتيجية، مع إعلام الجهة المعنية.
في هذا الإطار، قال محمد فاضل محفوظ، وزير حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية، خلال الجلسة العامة البرلمانية، الخميس الماضي، إنّ هذا المشروع يندرج في نطاق استكمال الهيئات الدستورية، وهو عمل مهم؛ إذ يكتنف تلك الهيئات الغموض في تعريفها وحيال الدستور الذي جعلها مختلفة عن بقية الهيئات الدستورية التي جعلها تستشار بشكل مباشر من دون توضيح أدوارها وصلاحياتها. أضاف أنّ مفهوم التنمية المستدامة لم يغب عن المشرّع التأسيسي الذي أشار في مختلف أحكام الدستور إلى مفهوم التنمية والعدالة الاجتماعية والمساهمة في سلامة المناخ وفي بيئة سليمة وضمان استمرارية حقوق الأجيال المقبلة، مبيناً أنّ هناك إشارة واضحة إلى مجال تدخل وعمل هذه الهيئة من خلال الشباب، ومساهمتهم في التنمية، ودور الدولة في تحقيق استدامة التنمية وحماية الحق في الصحة والبيئة والمحافظة على الثروة المائية وغيرها.
من جهته، يقول رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، لـ"العربي الجديد"، إنّ تركيز هذه الهيئة الدستورية سيسمح باختزال آجال المصادقة على مشاريع القوانين المعروضة على المجلس، باعتبارها ستقدم مقترحات وآراء بشأنها بعد مناقشتها من قبل الهياكل المهنية وممثلي الأحزاب والشباب والهيئات والجهات والمجتمع المدني حول قضايا التنمية الوطنية. ويؤكد الناصر أنّ هذه الهيئة محورية لأنّها سوف تغير المفاهيم المتصلة بالتخطيط على البعدين المتوسط والبعيد، من خلال التخطيط المحكم بهدف حماية وضمان حقوق الأجيال المقبلة في تونس. يبيّن الناصر أنّ هذه الهيئة ستجنّب البلاد الاحتقان الاجتماعي وستقلص من حجم الاحتجاجات، باعتبارها متنفساً مؤسساتياً يمكّن المواطنين من التوجه مباشرة بعرائض لهذه الهيئة لإيصال أصواتهم والمساهمة في تعديل المسارات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. كذلك، سيمكن توسيع الاستشارة وإشراك جميع الأطراف وجميع الفئات في صناعة قوانين قابلة للتطبيق بفاعلية ونجاعة أكبر، باعتبارها صادرة من المواطن أو شارك في تصورها وصياغتها عبر ممثليه في الأحزاب أو المنظمات أو الهيئات المهنية قبل نظر النواب فيها.
في المقابل، انتقد برلمانيون من المعارضة ما اعتبروه صلاحيات ضيقة للهيئة التي ستجعل منها هيئة صورية لن تقدم الإضافة في الواقع الاجتماعي المتردي والوضع الاقتصادي المترهل والبيئي الكارثي. وحذّر آخرون من محاولات خلق هيئات كرتونية لتلميع صورة الانتقال الديمقراطي بعيداً عن المشاكل التنموية والبيئية الحقيقية، متوجسين من مواصلة تغوّل السلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات.
ودار جدل حول تركيبة الهيئة وتمثيل القطاعات، إذ يبحث جميع القطاعات والهيئات عن التواجد في منتدى هذه الهيئة الذي دعا البعض إلى توسيعه إلى 300 عضو. وبخصوص مجلس الهيئة، فهو يتكون من 3 أعضاء فقط يجري انتخابهم لمدة 6 سنوات من مجلس نواب الشعب، وذلك على خلاف 9 أعضاء في مجالس بقية الهيئات الدستورية. والمطلوب أن يكون هؤلاء الأعضاء "من الشخصيات الوطنية ومن أصحاب الإشعاع الوطني" من دون شرط حيادهم.