بعد الضجة التي أثارها سكان بغداد تحديداً على خلفيّة صور التقطها مواطنون لضريح العالم العربي المسلم والفقيه الحنبلي ابن الجوزي وقد تحوّل بعد هدمه إلى مكان لركن السيارات بالقرب من نهر دجلة، وسط العاصمة العراقية، سارعت جهات حكومية عدّة إلى محاولة إصلاح ما جرى، غير أنّ الضرر كان كبيراً ولا شكّ في أنّ الأمر كان يستدعي أكثر من لوحة صُمّمت بواسطة جهاز كومبيوتر أو كيس إسمنت لترسيم حدود القبر.
ابن الجوزي هو العالم والفقيه والمحدث والمؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري الذي ولد في بغداد في عام 1116 (510 هجري). تخطّت مؤلفاته 300 مؤلّف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة العربية والطب والفقه، منها "تلبيس إبليس" و"نواسخ القرآن" و"صيد الخاطر" و"تاريخ بيت المقدس" و"المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" و"أخبار الحمقى والمغفلين" و"بحر الدموع". وهو كان خطيباً مفوهاً وأديباً ضجّت بغداد بخبر وفاته، فشيّعته قبل دفنه في قبره الحالي الذي تجدّد بناؤه مرّات عدّة في خلال القرون الماضية، لعلّ آخرها في عام 1646 على يد الوالي العثماني السلطان إبراهيم.
في عام 2014، أزيل القبر الواقع قبالة نهر دجلة في منطقة السنك، بالقرب من معهد الدراسات الموسيقية السابق وسط العاصمة، على يد أحد الأشخاص الذين كانوا على صلة بإحدى المليشيات النافذة في بغداد. بعد ذلك استغلّت قطعة الأرض الجرداء كمرأب للسيارات، بدل ركن الواحدة منها هو ثلاثة آلاف دينار عراقي (نحو 2.5 دولار أميركي). وما أن انتشرت صور القبر وآثار الدمار حتى ارتفع صوت سكان بغداد الأصليين الذين يرتبطون بالمكان من خلال ذكريات جميلة وذات عمق تاريخي في الوقت نفسه. بالتالي، عمد المسؤول عن "الجريمة" إلى طمس آخر معالمه وهو طابوق قديم جداً كان يحدد القبر، إلا أنّ مسؤولين في مجلس العاصمة وديوان الوقف السنّي تحرّكوا بحماية قوى أمنية فأعيد ترسيم حدود القبر.
في السياق، يقول مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوقف السنّي العراقي متورّط هو الآخر بالجريمة، فقد عُثِر على أدلّة تشير إلى أنّه هو الذي أجّر الساحة المجاورة للقبر والتابعة له كمرأب للسيارات لشخص يُدعى طاهر عطا، وهو بدوره هدم القبر لتوسيع المكان حتى يتّسع لعدد أكبر من السيارات، ظنّاً منه أنّ القبر صار منسياً بين زحمة السيارات التي تقف فوقه وتخنقه".
بدوره، يؤكد سلام محمد، وهو صاحب محل في منطقة السنك، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مستأجر مرأب السيارات المجاور لموقع القبر هو الذي أزاله في عام 2014"، لافتاً إلى أنّ "عراقيين أرمن كانوا يسكنون في تلك المنطقة وقد تمّ تعويضهم من قبل الحكومة العراقية في تسعينيات القرن الماضي وترحيلهم من أجل بناء موقع سياحي كبير يضمّ قبر العلامة ابن الجوزي. فالموقع مناسب لذلك، إذ إنّه يطلّ على ضفاف دجلة ويقع على شارع الرشيد في منطقة السنك، وسط العاصمة بغداد".
يضيف محمد أنّ "طاهر عطا طاهر استأجر المرأب من الوقف السنّي بعد عام 2003، وعمد إلى توسيعه وهدم القبر، وقد أشيع حينها أنّه تابع لرجل مهم. وبعد فضح الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بني القبر الجديد ووضعت اللوحة التي ذُكر فيها اسم المستأجر وتاريخ إزالته القبر".
في السياق، يقول المصوّر الصحافي حمودي عبد غريب لـ"العربي الجديد": "هنا، في منطقة السنك وسط العاصمة بغداد، شهدتُ وضعاً أستنكره مع كل الشرفاء والمثقفين والطيبين. أن يُزال قبر ابن الجوزي، العلامة العراقي الشهير، فهذه إهانة كبيرة". ويسأل: "كيف يحدث ذلك لابن الجوزي الذي سميّت مدارس تيمناً به والذي يحترم العالم علومه؟ وأين الجهات الحكومية ممّا حدث؟ وما هو دورها؟ وما هو مصير المدعو طاهر عطا طاهر الذي اقترف ذلك؟".
أمّا الناشط المدني رشيد الخالدي، فيشكر "كل من نشر خبر إزالة قبر ابن الجوزي"، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّه "لولا مواقع التواصل الاجتماعي لما عرفنا بالأمر". وأكّد الخالدي أنّ "تاريخ ابن الجوزي باقٍ ولن يندثر ونحن نفخر به"، آسفاً "لما حدث لقبره".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يشير الصحافي العراقي كمال لطيف إلى أنّه ما زال "مصدوماً"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة شواهد وقبوراً عدّة في بغداد تؤرّخ لأعلام عاشوا في هذه البلاد وكانت لهم إنجازاتهم المعرفية والفكرية التي ساهمت في بناء حضارة العراق والعالم. وابن الجوزي واحد من أولئك الأفذاذ الذين كان عطاؤهم متميزاً على المستوى الفكري". يضيف لطيف أنّ "إزالة قبره هي بسبب الجهل، فالذي فعل ذلك لا يعرف من هو ابن الجوزي ولا يدرك أهميته"، مشدداً على أنّ "الحقيقة لا تخفى، لا بدّ من ردّ الاعتبار للعالم العملاق".
ابن الجوزي هو العالم والفقيه والمحدث والمؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري الذي ولد في بغداد في عام 1116 (510 هجري). تخطّت مؤلفاته 300 مؤلّف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة العربية والطب والفقه، منها "تلبيس إبليس" و"نواسخ القرآن" و"صيد الخاطر" و"تاريخ بيت المقدس" و"المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" و"أخبار الحمقى والمغفلين" و"بحر الدموع". وهو كان خطيباً مفوهاً وأديباً ضجّت بغداد بخبر وفاته، فشيّعته قبل دفنه في قبره الحالي الذي تجدّد بناؤه مرّات عدّة في خلال القرون الماضية، لعلّ آخرها في عام 1646 على يد الوالي العثماني السلطان إبراهيم.
في عام 2014، أزيل القبر الواقع قبالة نهر دجلة في منطقة السنك، بالقرب من معهد الدراسات الموسيقية السابق وسط العاصمة، على يد أحد الأشخاص الذين كانوا على صلة بإحدى المليشيات النافذة في بغداد. بعد ذلك استغلّت قطعة الأرض الجرداء كمرأب للسيارات، بدل ركن الواحدة منها هو ثلاثة آلاف دينار عراقي (نحو 2.5 دولار أميركي). وما أن انتشرت صور القبر وآثار الدمار حتى ارتفع صوت سكان بغداد الأصليين الذين يرتبطون بالمكان من خلال ذكريات جميلة وذات عمق تاريخي في الوقت نفسه. بالتالي، عمد المسؤول عن "الجريمة" إلى طمس آخر معالمه وهو طابوق قديم جداً كان يحدد القبر، إلا أنّ مسؤولين في مجلس العاصمة وديوان الوقف السنّي تحرّكوا بحماية قوى أمنية فأعيد ترسيم حدود القبر.
في السياق، يقول مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوقف السنّي العراقي متورّط هو الآخر بالجريمة، فقد عُثِر على أدلّة تشير إلى أنّه هو الذي أجّر الساحة المجاورة للقبر والتابعة له كمرأب للسيارات لشخص يُدعى طاهر عطا، وهو بدوره هدم القبر لتوسيع المكان حتى يتّسع لعدد أكبر من السيارات، ظنّاً منه أنّ القبر صار منسياً بين زحمة السيارات التي تقف فوقه وتخنقه".
بدوره، يؤكد سلام محمد، وهو صاحب محل في منطقة السنك، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مستأجر مرأب السيارات المجاور لموقع القبر هو الذي أزاله في عام 2014"، لافتاً إلى أنّ "عراقيين أرمن كانوا يسكنون في تلك المنطقة وقد تمّ تعويضهم من قبل الحكومة العراقية في تسعينيات القرن الماضي وترحيلهم من أجل بناء موقع سياحي كبير يضمّ قبر العلامة ابن الجوزي. فالموقع مناسب لذلك، إذ إنّه يطلّ على ضفاف دجلة ويقع على شارع الرشيد في منطقة السنك، وسط العاصمة بغداد".
يضيف محمد أنّ "طاهر عطا طاهر استأجر المرأب من الوقف السنّي بعد عام 2003، وعمد إلى توسيعه وهدم القبر، وقد أشيع حينها أنّه تابع لرجل مهم. وبعد فضح الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بني القبر الجديد ووضعت اللوحة التي ذُكر فيها اسم المستأجر وتاريخ إزالته القبر".
في السياق، يقول المصوّر الصحافي حمودي عبد غريب لـ"العربي الجديد": "هنا، في منطقة السنك وسط العاصمة بغداد، شهدتُ وضعاً أستنكره مع كل الشرفاء والمثقفين والطيبين. أن يُزال قبر ابن الجوزي، العلامة العراقي الشهير، فهذه إهانة كبيرة". ويسأل: "كيف يحدث ذلك لابن الجوزي الذي سميّت مدارس تيمناً به والذي يحترم العالم علومه؟ وأين الجهات الحكومية ممّا حدث؟ وما هو دورها؟ وما هو مصير المدعو طاهر عطا طاهر الذي اقترف ذلك؟".
أمّا الناشط المدني رشيد الخالدي، فيشكر "كل من نشر خبر إزالة قبر ابن الجوزي"، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّه "لولا مواقع التواصل الاجتماعي لما عرفنا بالأمر". وأكّد الخالدي أنّ "تاريخ ابن الجوزي باقٍ ولن يندثر ونحن نفخر به"، آسفاً "لما حدث لقبره".
من جهته، يشير الصحافي العراقي كمال لطيف إلى أنّه ما زال "مصدوماً"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة شواهد وقبوراً عدّة في بغداد تؤرّخ لأعلام عاشوا في هذه البلاد وكانت لهم إنجازاتهم المعرفية والفكرية التي ساهمت في بناء حضارة العراق والعالم. وابن الجوزي واحد من أولئك الأفذاذ الذين كان عطاؤهم متميزاً على المستوى الفكري". يضيف لطيف أنّ "إزالة قبره هي بسبب الجهل، فالذي فعل ذلك لا يعرف من هو ابن الجوزي ولا يدرك أهميته"، مشدداً على أنّ "الحقيقة لا تخفى، لا بدّ من ردّ الاعتبار للعالم العملاق".