باتت أخبار الحوادث الناجمة عن سوء استخدام السلاح يومية واعتيادية في سورية، على خلفية الانتشار الواسع للسلاح بين المدنيين وكذلك بين القصّر منهم. وكما هي حال غيرها من الظواهر السلبية في المجتمع السوري، تحمل هذه الظاهرة مخاطر عدّة وتهدد الأرواح. وبعد خروج المناطق الشمالية عن سيطرة النظام السوري ووقوعها تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، راح بيع الأسلحة يكثر في بلدات ريف إدلب الشمالي، لتحتل مدينة إدلب المرتبة الأولى مع أكثر من 15 محلاً لبيع الأسلحة المتوسطة والخفيفة بالإضافة إلى إكسسوارات وألبسة عسكرية وقنابل يدوية وغيرها. والمحال كلها لا تخضع إلى أيّ سلطة قانونية ولا تلتزم بمعايير معيّنة لتجارة الأسلحة فيما تتراوح أسعار الأسلحة الخفيفة ما بين 150 و1000 دولار أميركي.
وتبيع تلك المحال بنادق الصيد والبنادق الروسية التي تُعرف بـ"كلاشنكوف" والمسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية، بالإضافة إلى الجعب والخوذ والبزّات والأحذية العسكرية وكذلك السلاح الأبيض من قبيل الحربات وغيرها. وتلقى تلك البضائع رواجاً كبيراً بين المدنيين المهتمين باقتناء أسلحة أو أدوات ذات صلة، لا سيّما أنّ عمليات البيع في هذه المحلات تتمّ من دون رقابة ولا قوانين ضابطة، فالجميع يستطيع اقتناء سلاح، سواء أكان كبيراً أو صغيراً أو خبيراً في الأسلحة أو عديم الخبرة. الجميع يملك الحق في اقتناء الأسلحة بعد سداد ثمنها، من دون توفّر جهة رسمية تجرّم بيعها لعديمي الخبرة أو للقصّر.
وانتشار السلاح يخلق فوضى ويتسبب في خطر يهدد المدنيين، إذ إنّه يستخدم في الأفراح من قبيل حفلات الزفاف وفي الأتراح عند تشييع الشهداء وكذلك في النزاعات الشخصية والعائلية وبهدف الترويع وارتكاب جرائم سرقة وسطو وخطف وقتل بين المدنيين. ويتخوّف مراقبون من العواقب الوخيمة للسلاح، إذ إنّه من السهل الحصول عليه هو الذي يُعَدّ أداة للجريمة، في حين أنّ الأمر قد يجعل الصغار يترعرعون في أجواء من الذعر وبيئة غير سليمة لا تسمح لهم ببناء مستقبل واعد، فكثر منهم سوف يتعلقون من دون شكّ بالسلاح ويعدّونه أمراً اعتيادياً ويسقطون عنه صفة الخطر.
ويكثر ضحايا ذلك السلاح المنتشر عشوائياً بين السوريين. الحاجة وئام المحمد من هؤلاء وقد أصابتها رصاصة طائشة من بندقية ابن شقيق زوجها، في أثناء حفل زفاف في قرية شهرناز الواقعة في جبل شحشبو بريف حماة الغربي في بداية عام 2019. يخبر ابنها عيسى الحجي "العربي الجديد" أنّه كان مدعوّاً ووالدته إلى الحفل الذي كثر فيه إطلاق الرصاص كما العادة في مثل هكذا مناسبات، مضيفاً "حاولنا تهدئة مطلقي الرصاص بين المدنيين وردعهم، لكن من دون فائدة. بعدها اصطحبت والدتي إلى المنزل. وبعد دقائق، لحق بنا ابن عمي الذي يبلغ من العمر نحو 16 عاماً. على الرغم من صغر سنّه وعدم معرفته الكاملة باستخدام السلاح، فإنّ رغبته في اقتناء السلاح كانت كبيرة. وبالفعل هو يملك كلاشنكوف بالإضافة إلى مسدس. بعد وصوله، راح يحاول إخراج رصاصة عالقة في الكلاشنكوف. وصار يمازح والدتي ويصوّب السلاح باتجاهها. وفي لحظة، خرجت الطلقة وأصابتها قريباً من قلبها. حملناها سريعاً إلى مستشفى في مدينة كفرنبل، لكنّها فارقت الحياة بعد وصولها بلحظات".
وتغيب الأرقام الرسمية والدقيقة الخاصة بالقتلى والجرحى ضحايا تلك الأسلحة التي يكثر إطلاق الرصاص كنتيجة لها، سواء في مناسبات الفرح أو الحزن أو في حالات الشجار وغيرها. لكنّ مراقبين يشيرون إلى أنّ ثمانية أعوام من عمر الأحداث السورية كفيلة في أن ينتشر السلاح بصورة كبيرة بين المدنيين، ومنهم قصّر كثر وأشخاص عديمو الخبرة بالسلاح.
ويوضح هؤلاء أنّ أسباب عدّة تزيد من تفشّي تلك الظاهرة وتفاقهما، من بينها الفلتان الأمني وغياب الرقابة والرادع الأخلاقي والخوف من الاعتداء والخطف والسرقات، وكل ذلك يدفع في اتجاه مزيد من الانجراف في الظاهرة السلبية. وبهدف الحدّ منها، يشدد هؤلاء على ضرورة ترخيص المحال التي تبيع الأسلحة للمدنيين، وتجريم كل صاحب محل غير مرخّص، ومنع بيع السلاح للمدنيين الذين لا يحتاجون إليه وللقصّر ولعديمي الخبرة. كذلك يرى هؤلاء وجوب وضع قانون يحرّم إطلاق النار في المناسبات العامة والخاصة، ومنع حمل السلاح في الأماكن العامة، وغيرهما من الضوابط التي قد تساهم في التخفيف من عواقب الظاهرة الخطرة.