من البديهي أن يخاف الناس من وجود معسكرات ومخازن أسلحة وسط مناطقهم السكنية، وهذه هي حال عدد من العراقيين اليوم.
ترك أحمد يقضان الشويلي منزله في منطقة المشتل الواقعة شرقي بغداد، بعدما باعه بسعر وصفه بأنّه "بلاش" قبل أشهر، وانتقل إلى وسط العاصمة. أمّا السبب بحسب ما يقول فهو "جيرة السوء التي حوّلت المنطقة إلى برميل بارود، في حين لا تهدأ حركة السيارات رباعية الدفع التي تقلق راحة السكان ليلاً نهاراً"، وذلك في إشارة الى مقرّ تابع لمليشيا "العصائب" إحدى الفصائل العراقية المسلحة.
الشويلي كما آخرين في مناطق مختلفة باعوا بيوتهم أو انتقلوا منها مؤقتاً، على خلفية تكرار الانفجارات في مخازن الأسلحة التابعة للمليشيات في عدد من الأحياء السكنية بالعاصمة العراقية وكذلك في عدد من المدن بجنوب البلاد. وقد جعل ذلك السكن غير مريح، في أقلّ تقدير، بمناطق صارت أشبه بأوكار للمسلحين ورفاقهم مع تسجيل تحرّكات لغرباء يراها الأهالي مقلقة لهم لا سيّما أنّها تعكّر الهدوء من أحيائهم السكنية. يُذكر أنّ ثلاثة انفجارات وقعت في الأشهر الأخيرة في مستودعات تابعة لفصائل "الحشد الشعبي" وكذلك حريقان بالإضافة إلى مشكلات أمنية في محيط تلك المستودعات، الأمر الذي أدّى إلى تراجع أسعار المنازل هناك وتراجع الطلب على الشراء والبناء.
في السياق، قضى سكان حيّ أبو دشير الواقع جنوبي العاصمة "ليلة مرعبة" أوّل أيام عيد الأضحى، على خلفية انفجار اختلفت الترجيحات حول سببه، فثمّة من يتحدّث عن قصف لطيران مجهول يُرجّح أنّه إسرائيلي وثمّة من يشير إلى حادثة ناجمة عن سوء التخزين. وقد أدّى ذلك الانفجار إلى مقتل مدني واحد وجرح ما لا يقلّ عن 30 آخرين من بينهم أطفال حالتهم حرجة، كذلك تسبّب في خسائر كبيرة في الممتلكات. وقد نظم الأهالي يوم السبت الماضي تظاهرة طالبوا في خلالها بنقل معسكر لمليشيا "كتائب سيّد الشهداء" إلى موقع آخر في خارج حيّهم السكني، غير أنّ المسؤولين العراقيين لم يعدوهم بأيّ شيء، باستثناء رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الذي أصدر بياناً قال فيه إنّه طالب الفصائل بنقل مخازن أسلحتها من المدن.
ومنذ منتصف عام 2016، وقع 11 انفجاراً في داخل مقرّات فصائل "الحشد الشعبي" ومستودعاتها في داخل المدن العراقية، معظمها في بغداد، إلى جانب انفجار شبيه في مستودع تابع للشرطة الاتحادية وثلاثة مستودعات أخرى تابعة لقوات البشمركة الكردية. وقد خلّفت تلك التفجيرات ضحايا يقدّر عددهم بنحو 270 قتيلاً وجريحاً بالإضافة إلى خسائر كبيرة في الممتلكات، لعلّ أعنفها انفجارا منطقتَي الصدر والعبيدي، شرقي بغداد.
يقول الخبير في الشؤون العراقية ياسر العامري إنّ "جوار الحشد لم يعد مريحاً للسكن، والحكومة تتحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "السكان يبحثون عن مناطق آمنة مريحة بلا تحرّكات مسلحين ولا أسلحة ولا عربات محمّلة بالذخيرة، ومن دون هاجس وقوع انفجار بينهم في أيّ لحظة أو تعرّضهم لقصف أو هجوم"، لافتاً إلى أنّ ذلك أدّى إلى "هبوط أسعار منازل هؤلاء المواطنين ولم تعد مناطقهم مرغوبة".
وكان مراقبون وناشطون قد انتقدوا تخزين الأسلحة في داخل المدن وطالبوا الحكومة بالتدخّل لنقل المخازن والمعسكرات إلى مناطق بعيدة عن التجمّعات السكانية، لكن من دون جدوى. ويقول الناشط المدني يوسف العبيدي لـ"العربي الجديد" إنّ "مخازن الأسلحة والمعسكرات التابعة للحشد منتشرة في داخل المدن وهي تضمّ أسلحة ثقيلة، بما في ذلك صواريخ وقذائف تمثّل خطراً على أرواح الناس. وقد وقعت انفجارات في السنوات الماضية في بغداد راح ضحيتها عدد غير قليل من المواطنين ودمّرت منازل وممتلكات مختلفة". يضيف العبيدي: "لكنّ المستجدات الأخيرة تؤشّر إلى خطر أكبر، فتلك المعسكرات ومخازن الأسلحة تتعرّض لقصف جوي مجهول، لا سيّما في ظلّ التوترات الأميركية الإيرانية الأخيرة ووسط تسريبات تفيد بوجود أسلحة وصواريخ إيرانية في داخل الأراضي العراقية. وهذا ما يتخوّف منه العراقيون".
ولعلّ ما زاد الطين بلّة هو اعتراف مسؤولين عراقيين بوجود أسلحة في داخل العراق قالوا إنّها "أمانة" من دولة وصفوها بالجارة، في إشارة إلى إيران. وكان نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي قد غرّد عبر "تويتر" أنّه "من خلال طبيعة النيران لحريق محازن العتاد في معسكر الصقر يظهر أنّ طبيعة الأسلحة التي أحرقت غير عادية ولا تستعملها القوات العراقية ولا حتى الحشد الشعبي. ولذا نعتقد أنّها عبارة عن أمانة لدينا من دولة جارة وقد استهدفت هذه الأمانة من دولة استعمارية ظالمة بناءً على وشاية عراقية خائنة". وإقرار الأعرجي زاد مخاوف العراقيين القاطنين في بلدات ومناطق قريبة من تلك المعسكرات ومخازن الأسلحة، وهو الأمر الذي دفع كثيرين إلى مغادرة مناطقهم.
من جهته، يقول فراس نافع من سكان بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تلك المعسكرات صارت تمثّل خطراً على حياتنا، وما حصل قبل أيام في معسكر الصقر (جنوبي العاصمة) كارثة خطيرة. وإذا لم تنقل الحكومة المعسكرات القريبة فالناس مضطرون إلى مغادرة مناطقهم". وانتقد نافع موقف الحكومة العراقية ممّا يجري، مشيراً إلى أنّها "لا تهتم لأرواحنا مطلقاً وإلا كيف تسمح بتخزين العتاد الثقيل في مناطق آهلة بالسكان؟".