عائلات وأقارب المرضى والأشخاص ذوي الإعاقة في فرنسا، لهم دور كبير ومؤثر، إذ إنّ الاهتمام بمن يخصّهم يصرف كثيراً من الجهد ويؤدي إلى كثير من التعب، وهو ما دفع إلى تحسين أوضاعهم
المساعدون الطبيعيون أو المساعدون العائليون، بحسب ما يطلق عليهم في فرنسا، أشخاص من داخل العائلة يهتمون بحياة المرضى والأشخاص ذوي الإعاقة، اليومية، من دون أن يكونوا من الطواقم الطبية والاجتماعية، وهو ما يجعل مهمتهم أصعب، لكنّها أرحم بالمريض أو الشخص ذي الإعاقة نفسه، إذ قد يكرس القريب المساعد، حياته للاعتناء بشخص عزيز من العائلة، كائناً من كان، ويفضل من توجه إليه الرعاية هؤلاء المساعدين، إذ يتيحون له أن يبقى في بيته، فيتلقى العلاج والعناية، اللازمتين مع ذويه.
على الأقارب المساعدين واجبات كبيرة، هم واعون بها، ومنها التنبه للوضع المالي الخاص بأقاربهم، خصوصاً حين يكون أحد أفراد العائلة في وضع مادي غير مريح، وهو ما يعني الاستعداد لتقديم الدعم على أكثر من مستوى؛ الغذاء والملابس والسكن والدواء. لكن، غالباً ما تخشى السلطات الطبية من كثير من حالات سوء المعاملة للمرضى والأشخاص ذوي الإعاقة، من قبل من يهتمون بهم. القوانين في هذا الإطار صارمة، ولا يتحمل المسؤولية فقط من يمارس هذا النوع من سوء المعاملة، التي قد تأخذ صوراً عديدة، منها الابتزاز والتحقير والإهمال السلبي، بل أيضاً من يتستَّر عليها؛ إذ يعتبر مرتكباً لجنحة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر.
وعياً منها بأهمية هؤلاء الأقارب المساعدين، منحتهم الدولة، إلى جانب واجباتهم، حقوقاً. ومن بينها، مثلاً، أنّه حين يقرر موظف أو عامل التوقف، مؤقتاً، عن العمل من أجل تكريس الوقت لقريب مريض، في نهاية حياته، يُسمَح له بإجازة ثلاثة أشهر من دون أجر. وهو ما يطلق عليه: "إجازة تضامن عائلي". وإلى جانبها هناك، أيضاً "إجازة مساعدة عائلية"، وفي هذه الحالة، يقرر المُساعِد العائلي أن يتفرغ لمساعدة شخص مسن لا يمكنه الاعتماد على نفسه أو شخص ذي إعاقة، تاركاً مهنته، فيسمح له بالتوقف عنها ثلاثة أشهر، مع أجر، قابلة للتجديد، مع ضمان الحفاظ على وظيفته.
تتحدث مريم الغزواني، إلى "العربي الجديد"، أنّها اضطرت للتضحية بعملها، من أجل مرافقة أبيها في مرحلة مرضه التي دامت سبع سنوات: "من شدة حبي لوالدي، تصورت الأمور سهلة، لكن بعد أيام اكتشفت أنّ كلّ تصوراتي كانت خاطئة، فقد أصبح والدي يعتمد عليّ في كلّ شيء، من النظافة إلى الأكل إلى مرافقته في ساعات أرقه الطويلة، إلى هلوساته وغيابه عن الوعي".
تدرك الدولة هذه الصعوبات، ولهذا السبب تمنح المساعدين الحق في التدريب والتأهيل، خصوصاً إذا كان من واجب هؤلاء تقديم علاجات لشخص لا يمكنه أن يتناولها وحده. ويستفيد هؤلاء المساعدون من دورات تدريب تشمل الإسعافات الأولية، والسلوك اليومي والمرافَقة النفسية للمريض، والعلاجات الجسدية، والعلاج النفسي الحركي. ولا تتوقف حقوق هؤلاء الذين آثَروا الوقوف مع أفراد من عائلاتهم في مرَضهم وإعاقاتهم عند هذا الحدّ، إذ يستطيع الشخص المُساعِد أن يتلقى راتباً، نظير عمله، إذا كان المريض، الذي يتلقى المساعَدَة، يستفيد من إعانة حكومية يطلق عليها: "المساعدة على الاستقلالية"، بشرط ألا يكون زوجاً أو زوجة للشخص المريض، وكذلك إذا كان المريض يستفيد من "المساعدة على تعويضات الإعاقة". ويمكن للمساعدين أن يحصلوا على حق التعويضات، فإذا كان المريض يستفيد من "المساعدة على تعويضات الإعاقة" فإنّ الشخص المساعد، يحصل على تعويض يعادل 85 في المائة من الحد الأدنى للأجور، على قاعدة 35 ساعة عمل، أسبوعياً.
وتجنباً للإرهاق، الذي قد يصاب به هؤلاء المرافقون، فإنّ لهم، أيضاً، الحق في الخلود إلى الراحة. وهنا تسهر الدولة على توفير أماكن إقامة سياحية تتوافق مع المرض والإعاقة. وهنا يمكن للمساعد القريب أن يصطحب المريض في عطلته، ويكون في اتصال مع قسم المساعدة عن بُعد، في حال الطوارئ، أو يسافر المريض مع مرافقين مهنيين.
ومن حسنات هذه المهمة الصعبة، فتح أبواب سوق العمل أمام المساعدين الأقارب، إذ يكتسبون، مع الزمن، تجارب هامة، يمكن لهم أن يضعوها في صالح المجتمع، أي في صالح مرضى وأشخاص ذوي إعاقة آخرين. وكثير من هؤلاء، كما هي حال حليمة الراضي، أنجزوا تحولاً مهنياً: "عرضت عليَّ دورات تدريب وتأهيل كثيرة لها شهاداتها، وكانت فترة التدريب خاصتي قصيرة مقارنة بالفترة التي أمضاها زملاء وزميلات، بسبب خبرتي الطويلة وتجربتي الشاقة مع ابن شقيقتي ذي الإعاقة". تستعرض الراضي مختلف المهن التي يمكنها العمل فيها: "مساعدة لدى عائلات أو مساعدة اجتماعية أو مساعدة طبية ــ نفسية وغيرها".
في الأسابيع القليلة المقبلة سيكشف عن خطة وطنية أنجزت بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وستكون مصحوبة بإجراءات، منها تعويض مادي للشخص الذي يوقف عمله من أجل تكريس وقته لقريبه المريض، وهو ما يمكن أن يصل إلى 40 يورو يومياً. وستكشف الخطة الوطنية عن كثير من الإجراءات، أي عن "القفزة الكبيرة المنتظرة منذ سنوات عديدة"، والتي ستراقبها، عن كثب، مختلف الجمعيات التي تشتغل في الميدان، ومن بينها "الاتحاد الوطني للجمعيات العائلية"، وتجمع "أساعدك" الذي يضم 22 جمعية.
تجدر الإشارة إلى أنّ 92 في المائة من المساعدين هم من أفراد عائلة المريض أو الشخص ذي الإعاقة، 28 في المائة من هؤلاء هم الأزواج والزوجات، و32 في المائة الأبناء، و14 في المائة الوالدان، و7 في المائة الأشقاء والشقيقات، وأخيراً الأصدقاء والجيران بنسبة 8 في المائة.