ضعف التعليم الرسمي في مصر، يدفع الأهالي إلى تسجيل أبنائهم في مراكز تعليم خصوصي، معروفة بـ"السناتر" خصوصاً التلاميذ المقبلين على امتحانات شهادة الثانوية العامة
تستعد المحافظات المصرية لاستقبال العام الدراسي الجديد 2019-2020 يوم 21 سبتمبر/ أيلول الجاري. قبل بداية العام الدراسي، أعلنت مراكز الدروس الخصوصية، المعروفة بالسناتر، أنّها محجوزة بالكامل، مشددة على أنّها كاملة العدد بالنسبة لتلاميذ الصف الثالث الثانوي، المستعدين لامتحانات الثانوية العامة والذين بدأت بالفعل في تقديم الصفوف لهم. واستقبلت السناتر التلاميذ الجدد للحجز طوال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين. وهكذا ينفق أولياء الأمور معظم دخلهم الشهري لتمكين أبنائهم من الوصول إلى مجموع علامات مرتفع يؤهلهم إلى "كليات القمة". فيما تغيب الرقابة الحكومية تماماً عن القضية.
يتراوح عدد التلاميذ في القاعة الواحدة بما بين 150 تلميذاً و200 يجلسون على مقاعد خشبية، ويستمع بعضهم إلى الشرح وقوفاً بسبب قلة المقاعد. ويستعين المدرس في السنتر، لشرح مادته بالشاشات ومكبرات الصوت. في السنتر الواحد عدة قاعات، وقد يكون في أحد العقارات السكنية، ويستعين بعدد كبير من المدرسين المختصين في مواد دراسية مختلفة، يتفق معهم قبل بداية العام الدراسي. وتتراوح كلفة الحصة الواحدة ما بين 50 جنيهاً (3 دولارات أميركية) و100 (6 دولارات) في المناطق الشعبية، وترتفع إلى الضعفين في "المجموعات" التي تتكون من أعداد محدودة من التلاميذ. ويدفع التلميذ كلفة الحصة إلى مساعدي المدرس في السنتر الذين يصل عددهم إلى خمسة، بالإضافة إلى حجز مذكرات شرح المادة. ويصل سعر المذكرة الواحدة إلى 100 جنيه، وهي عبارة عن نسخة من كتاب الوزارة جرى إعدادها "بشكل أفضل حتى يستطيع التلاميذ فهم المنهج" بحسب مسؤول في أحد السناتر.
السناتر قائمة في جميع المدن المصرية، وتعمل من التاسعة صباحاً حتى أوقات متأخرة من الليل، وقد دفعت الأعداد الكبيرة من التلاميذ بعض أهالي المناطق السكنية إلى تقديم بلاغات لأقسام الشرطة ورؤساء أحياء المدن وبعض المحافظين لإنقاذهم من الضجيج والازدحام اليومي، ما يمنعهم من النوم والراحة داخل منازلهم، فيما الجميع يسأل أين وزارة التربية والتعليم من تلك السناتر؟ وأين مسؤولية أجهزة الأمن والمحليات من تلك الفوضى التي تستمر حتى انتهاء ماراثون الثانوية العامة في يوليو/ تموز المقبل؟ وهكذا يؤكد مواطن يدعى أحمد حجازي، من مدينة الخصوص، التابعة لمحافظة القليوبية، أنّه تقدم ببلاغ يحمل توقيعات من الأهالي إلى الأجهزة المسؤولة في المحافظة، لإنقاذهم من حالة الفوضى التي يعيشونها بسبب السناتر، وضجيجها، لكن من دون جدوى. كذلك، يؤكد مواطن آخر يدعى علي محمود، من المنطقة نفسها، أنّ الأجهزة المسؤولة في المحافظات خصوصاً المحليات، تتقاضى رشاوى مالية كبيرة من أصحاب تلك المراكز، للتغاضي عنهم.
يقول تقرير إحصائي صادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إنّ الدروس الخصوصية تستنزف أكثر من 40 مليار جنيه (2 مليار و416 مليون دولار) سنوياً من جيوب أبناء الشعب المصري، وتذهب تلك الأموال إلى فئة محدودة من المدرسين الذين يسيطرون على سوق الدروس الخصوصية، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط والقهر على الأسر وتراكم الأعباء المالية. يتابع أنّ الدروس الخصوصية باتت خطراً يهدد الأسر المصرية، ويلتهم أموالها، ويقضي على التعليم العام، وأنّ تدني رواتب المدرسين من أهم أسباب انتشار الدروس الخصوصية. يضيف التقرير أنّ مجموعات التقوية التي تتولاها وزارة التربية والتعليم في بعض المدارس غير قادرة على منافسة الدروس الخصوصية، لعدم ثقة التلاميذ وأولياء الأمور بها، وثقتهم في المقابل بالدروس الخصوصية باعتبارها تحقق للتلاميذ التفوق في الامتحانات.
في مدينة الخصوص الشعبية، ينتشر عشرات من السناتر بأسماء مختلفة، وتنتشر إعلاناتها على جدران المباني السكنية. أمام سنتر "الصحوة" الذي يصل عدد تلاميذه إلى نحو 200 في الساعة الواحدة، الواقع في أحد المباني السكانية، يقف بعض التلاميذ منتظرين دورهم في الدخول للاستماع إلى أحد الدروس، بينما تتعالى ضحكاتهم وأصواتهم.
يقول التلميذ في الثانوية العامة، أشرف محمد: "لا شرح جيداً في المدارس، والمدرسون يوفرون مجهودهم للدروس الخصوصية. وبالرغم من أنّ سعر الحصة مرتفع هنا، ليس أمامنا أيّ بديل". بدورها، تعتبر صباح شكري، في الثانوية العامة أيضاً، أنّ الوزارة "لا تريد مواجهة الدروس الخصوصية لأنّها تخفي فشلها في المدارس، ونحن وأهلنا الضحية من خلال استنزاف أموالنا". أما محمد أمين، في الثانوية العامة، فيصف حجز الدروس بأنّه أشبه بالتقدم إلى المدرسة، إذ "هناك قائمة انتظار، بسبب الطلب الكبير على بعض المواد، فالحجز في مادة الكيمياء أُغلق من 3 أشهر، وكلفة الحصة الواحدة 100 جنيه، بخلاف أسعار الملازم". ويقول التلميذ يوسف مصطفى، من السنة الدراسية نفسها، إنّ "السناتر هي الطريق الأفضل في الوقت الحالي للحصول على أعلى الدرجات، في الوقت الذي لم يعد للمدرسة دور في حياة التلاميذ غير إضاعة الوقت".