دراسات كثيرة تحذّر من زواج الأقارب، إذ من شأن ذلك أن يؤدّي الى إصابة الأطفال بأمراض وراثية، إلا أنه رغم ذلك يتزايد هذا النوع من الزيجات في اليمن لأسباب اقتصادية وتقليدية
يُقبل عدد كبير من الشبان في اليمن على الزواج من قريباتهم، بسبب انخفاض الكلفة مقارنة مع الزواج من نساء من خارج العائلة من جهة، وضغط الأسرة نتيجة تطابق العادات وللحفاظ على الميراث من جهة أخرى.
وعلى الرغم من المخاطر الصحية التي قد تنتج عن زواج الأقارب والمتمثلة بالأمراض الوراثية للأبناء والتي تحذر العديد من الدول منها وبعضها حرّم زواج الأقارب لتفادي هذه الأمراض، إلا أن زواج الأقارب في اليمن في تزايد مستمر، خصوصاً مع تصاعد الحرب في البلاد منذ مارس/ آذار 2015 والتي أدت الى تزايد الفقر وتردي الأوضاع المعيشية.
غير مكلف
من بين هذه الحالات، الشاب اليمني سليم زيد الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، الذي تزوج من ابنة خاله، ويقول لـ"العربي الجديد": "خالي تعاون معي بشكل كبير، ولم يُبالغ في طلبات الزواج، إذ طلب مهراً بقيمة 600 ألف ريال يمني (نحو 1100 دولار أميركي)، الذي لا يكفي حتى لشراء حاجيات العروس الأساسية، من ملابس وذهب، ولا يغطي تكاليف الزواج، لكنه تعاون معي، في حين أن قيمة المهر للفتاة من خارج العائلة تصل عادة لأكثر من مليوني ريال يمني (أكثر من 4 آلاف دولار أميركي)". ويؤكد زيد أن "زواج الأقارب بات الحل الوحيد لكثير من الشبان الذين لا يستطيعون توفير أموال طائلة من أجل الزواج، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية التي يمرون بها منذ بدء الحرب اليمنية". ويشير إلى أن "غالبية الزيجات بين الأقارب تكون ناجحة، لكن على العروسين إجراء فحص طبي قبل الزواج للتأكد من عدم إصابة أطفالهما مستقبلاً بأي من الأمراض الوراثية القاتلة".
خوف من ضياع الميراث
الأوضاع الاقتصادية المتدنية للشبان في اليمن ليست فقط ما يدفعهم للزواج من قريباتهم، بل تطابق العادات والتقاليد داخل الأسرة الواحدة من الأسباب الرئيسية لهذا الزواج، بالإضافة إلى مخاوف ضياع الميراث في حال زواج الفتاة من شاب من خارج الأسرة.
يقول جبران العديني لـ"العربي الجديد": "تزوجت من ابنة عمي لأنها على دراية كاملة بتقاليد أسرتنا، كما أنها تعرف ظروفي الاقتصادية جيداً ولن ترهقني بالمتطلبات الحياتية، وستقف إلى جانبي تحت أي ظرف". ويضيف: "عمي ساعدني كثيراً عندما تقدمت لخطبة ابنته، لأنه يعلم بوضعي المعيشي المتردي، وزواجنا لا يزال ناجحاً وخالياً من المشاكل". يشير إلى أنه يعمل في نقل الركاب على متن دراجته النارية، وما يجنيه بالكاد يكفي لتوفير متطلبات الحياة الأساسية.
بالمقابل، يرى سمير (اسم مستعار)، أن "زواج الأقارب خطأ ويجب تحاشيه قدر الاستطاعة"، بحسب تعبيره، قائلاً: "ابنة عمي خالية من العيوب، لكني لا أشعر بأنها الزوجة المناسبة لي، لأني لم أخترها وأشعر بالندم على الارتباط بها لأننا لم نكن متفاهمين على الإطلاق حتى قبل الزواج، وتحدث بيننا مشاكل على الدوام وعلى أتفه الأمور". يضيف: "تزوجت قبل أكثر من ثلاث سنوات، لكني حتى اليوم لم أشعر بأنني مستقر نفسياً، ما يجعلني أدخل في مشاكل مستمرة مع زوجتي، وما زلت أفكر بالزواج من فتاة أختارها بنفسي ولم يفرضها عليّ أحد".
أمراض وراثية
العديد من الأقارب لا يخضعون للفحوصات الطبية التي تسبق زواجهم، لعدم إدراكهم المخاطر الصحية التي قد تنجم عن هذا النوع من الزواج. وتبرر أمة السلام العبسي (اسم مستعار)، عدم خضوعها لفحص طبي قبل زواجها من ابن عمها، بعدم وجود خطورة حقيقية قد تنجم عن زواج أبناء العمومة، بحسب قولها، وتضيف لـ"العربي الجديد": "أغلب صديقاتي وقريباتي تزوجن من أقاربهن، ولم يصب أطفالهن بأمراض وراثية نتيجة زواج الأقارب بحسب ما يشاع". تشير إلى أنها تزوجت منذ سنوات ولديها ثلاثة أولاد أصحاء وغير مصابين بأي أمراض وراثية.
من جانبها، تؤكد طبيبة أمراض النساء والولادة في صنعاء، جميلة الزبيري، أن "زواج الأقارب السبب الرئيسي وراء إصابة الأطفال في اليمن بأمراض وراثية". تلفت إلى أن مرض الثلاسيميا أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً بين الأطفال في اليمن بسبب زواج الأقارب. وتضيف الزبيري لـ"العربي الجديد"، أن باستطاعة الشبان الذين ينوون الزواج من قريباتهم تفادي المخاطر الطبية على أطفالهم مستقبلاً، من خلال إجراء فحوصات ما قبل الزواج، وتشير إلى أن "زيادة زواج الأقارب في اليمن تعود إلى إيمان الأهالي بأنه يستمر ويحافظ على الروابط الأسرية".
أما الباحث الاجتماعي في القضايا السكانية، جواد الشيباني، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "الفقر وغلاء المهور من الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب في اليمن إلى الزواج من الأقارب، خصوصاً في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لغالبيتهم نتيجة الحرب"، مشيراً إلى أن "إقبال الشبان على الزواج من قريباتهم تزايد بشكل لافت، خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب انخفاض تكاليف الزواج بالمقارنة مع تكاليف الزواج من امرأة من خارج الأسرة".
ووفقاً للجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي في صنعاء والتي تقوم بحملات توعوية مستمرة، فإن إجمالي عدد المرضى المسجلين لدى الجمعية حتى نهاية 2019، بلغ 5085 حالة، منها 635 حالة إصابة بالثلاسيميا، و4450 حالة بالأنيميا المنجلية.
ويعتبر مرض الثلاسيميا (أو فقر دم الحوض الأبيض المتوسط)، أحد أكثر الأمراض الوراثيّة خطورة، ويحتاج المصاب بهذا المرض إلى علاج دائم بنقل الدم أو إلى عمليات زرع النخاع العظمي.