يسعى أصحاب المقاهي في تونس إلى استصدار نصّ قانوني يحدد مدة جلوس الزبائن فيها، لتجنّب شغلهم المكان طويلاً باستهلاك ضعيف، ما يخلق جدالاً بسبب العلاقة الوطيدة بين التونسيين والمقهى.
تخطط الغرفة الوطنية النقابية لأصحاب المقاهي في تونس، وهي الهيئة الناطقة باسم أصحاب المقاهي وصالونات الشاي، لإقناع وزارة التجارة ومنظمة الدفاع عن المستهلكين، بإصدار تشريعات تساعد في تطبيق قرارات جديدة بتحديد مدة المكوث في المقاهي لمدة ساعة فقط في الحدّ الأقصى، لكنّ الزبائن يعتبرون ذلك تضييقاً عليهم، وإجباراً على الدفع مقابل الجلوس على الكرسي.
يرفض الزبائن ممن يَضربون مواعيد يومية مع مقاهي أحيائهم، للعب الورق أو تناول المشروبات، الضغوط التي يمارسها عليهم أصحاب المحلات، مؤكدين أنّهم لا يحجزون الكراسي بالمجان، وأنّ معدل الاستهلاك في ساعة يتجاوز 3 دنانير (دولار أميركي) للفرد الواحد، على عكس ما يزعم أصحاب المقاهي.
يقول سامي حجري، وهو زبون وفيّ لمقهى شعبي في حيّه بالعاصمة تونس، إنّ للتونسيين ارتباطاً وثيقاً بالمقاهي، ولهم مواعيد يومية لا يتخلّفون عنها، بل يخصصون حصة من نفقاتهم لها. يعتبر، في المقابل، أنّ القوانين الجديدة التي تخطط لها المقاهي، لا مبرر لها. يتابع لـ"العربي الجديد": "زبائن المقاهي الشعبية يرتادونها للعب الورق أو تدخين النرجيلة أو احتساء المشروبات، ويمكن في أحيان كثيرة الجمع بين ثلاثتها، أي إنّ إنفاق الشخص الواحد يومياً يصل إلى 8 دنانير (نحو 3 دولارات) لمدة لا تتجاوز ساعتين. وعن صالونات الشاي، أو المقاهي الحديثة، يقول حجري: "عن هذا الصنف الراقي حدّث ولا حرج. هم يبيعون أقل مشروب بخمسة دنانير، وهو مبلغ كافٍ لحجز طاولة لمدة أكثر من ساعة"، داعياً أصحاب المقاهي إلى تحسين خدماتهم بدلاً من التضييق على الزبائن.
وبالرغم من استهجان الزبائن، فإنّ المقاهي تدافع عن موقفها، معتبرة أنّها ليست قاعات انتظار أو ملاجئ لمن لا عمل لهم، إذ يعتبر أصحابها أنّ المرور في محلاتهم يجب أن يكون مجزياً لهم. ويقول رئيس غرفة المقاهي، محمد فوزي حنفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ أصحاب المقاهي لا ينوون التضييق على زبائنهم بقدر ما يسعون لحفظ حقوق جميع الأطراف. يتابع: "من غير المعقول أن يستغل الزبون طاولة في المقهى لساعات طويلة مقابل استهلاك مشروب لا يتعدى في بعض الأحيان ديناراً واحداً (0.33 دولار)". ويؤكد حنفي العلاقة الوطيدة بين التونسيين والمقاهي بجميع أصنافها، مشيراً إلى أنّ معدل مكوث الزبائن في محلاتهم يتراوح بين ساعة ونصف، وساعتين، مقابل معدل لا يتجاوز ثلاثين دقيقة في بلدان أوروبية ومتوسطية. يضيف أنّ المقاهي ليست "قاعات انتظار" ولا بدّ من مراعاة مصلحة أصحاب المقاهي.
يوضح حنفي أنّ من غير المعقول المكوث لساعات طويلة جداً في المقاهي مقابل استهلاك مشروب وحيد، مشيراً إلى أنّ المهنيين جددوا طلبهم لوزارة التجارة ومنظمة الدفاع لإصدار نص قانوني ينظم هذا الأمر. ويقول: "لا يمكن للمقاهي تطبيق القرار الجديد من دون الاستناد إلى نص قانوني، فيما تنظيم القطاع سيسمح لأصحاب المقاهي بمطالبة الزبون الذي يتجاوز الساعة بتجديد الاستهلاك أو المغادرة". تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من 20 ألف مقهى في تونس، بحسب بيانات رسمية، وتُعَدّ هذه الأماكن ملجأ العاطلين من العمل الذين يمضون ساعات طويلة يومياً فيها، بإنفاق بسيط.
منذ عام 2014، بدأت غرفة المقاهي في المفاوضات مع وزارة التجارة للسماح لها برفع لافتات داخل المقاهي لإعلام الزبون بضرورة أن يترك المكان بحلول الدقيقة الثلاثين، حتى لا يعرّض نفسه للمضايقات، وربما للتدخل الأمني. يعلّق حنفي أنّ من غير المعقول أن يحجز بعض الزبائن كراسي في المقاهي طوال نصف يوم. ويشير إلى أنّ من شأن ذلك أن يثقل على أصحاب المقاهي ويجعل دخلهم يتأثر من مثل هذه الممارسات. يتابع: "بعض أصحاب المقاهي يعمدون، أمام ازدياد المكوث لمدة طويلة في المقاهي واحتساء مشروب واحد، إلى اللجوء للبيع المشروط، بإجبار الزبائن على اقتناء مشروبات أخرى، وهو ما يمنعه القانون". يتابع أنّ مدة احتساء المشروبات الساخنة في المقاهي في جلّ الدول الأوروبية لا تتجاوز نصف ساعة.
رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، يشدد على عدم قانونية الإجراء المرتقب، مؤكداً أنّ المقاهي تمارس أشكالاً أخرى من الضغوط على الزبائن لإجبارهم على الدفع، من بينها البيع المشروط، المحظور قانونياً. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ منظمته لن توافق على القرار الجديد للمقاهي الذي يقضي بفرض تجديد الاستهلاك بعد ساعة من الجلوس فيها، مستنكراً وضع الخدمات والبيع المشروط وعدم احترام التسعيرة القانونية، وعدم مراعاة القدرة الشرائية للتونسيين.