فإذا كان مقرر سياسات أوروبا، بوريل، قد وجد أخيراً أن القتال في إدلب السورية "يشكل تهديداً على السلم والأمن الدوليين، ومعاناة إنسانية تؤثر كثيراً على المنطقة والمناطق الأخرى"، فقد سارعت حكومات وأحزاب إلى الإعلان صراحة أنها تدرس "وقف اللجوء"، كما في حالة الدنمارك وعلى لسان وزير الهجرة والدمج، ماتياس تيسفايا، من يسار الوسط الحاكم. ويأمل الساسة الأوروبيون أن "يعاد الالتزام باتفاق أوروبا وتركيا المبرم في مارس/آذار 2016"، لإعادة اللاجئين والمهاجرين الذين ليس لديهم حاجة للحماية باتجاه تركيا.
ولم تخفف صورة التدفق، الذي سمح به الأتراك منذ مقتل 33 جنديا في إدلب السورية يوم الخميس الماضي، نحو حدود الاتحاد الأوروبي، وبالأخص اليونان، من مخاوف الأوروبيين من شتى الاتجاهات.
وتتزايد المخاوف الأوروبية من نشوء أزمة لجوء كما حدث في 2015، إثر دخول أكثر من مليون لاجئ/مهاجر إلى القارة، بغياب الاتفاق على سياسة موحدة بشأن تحمل مسؤوليتهم.
وأكد الخبير في الشأن التركي في جامعة كوبنهاغن، ماتياس فيندالن، أن ما تشهده جزر اليونان والحدود البرية التركية معها ومع بلغاريا يعيد مشهد أزمة 2015 بتدفق نحو مليون مهاجر ولاجئ عبر أوروبا، وهو "يعبر عن نفاذ صبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الأوروبيين ويحاول إخافتهم بأنه يمكنه ترك 4 ملايين لاجئ سوري في بلاده يتجهون نحوهم". ويشير فيندالن، في تصريح لصحيفة "بوليتيكن"، إلى أن "أردوغان غير راض عن استمرار السياسات الأوروبية، واستمرار الحرب في سورية، على عكس ما توقع الأوروبيون في 2015، وفي الوقت نفسه يعرف بأنه داخلياً يواجه عدم رضا شعبي على وجود أرقام كبيرة من اللاجئين في تركيا، فهي أيضا خطوة متعلقة بالسياسات الداخلية التركية".
تعزيز أوروبي لحدود اليونان
ورغم أن السلطات اليونانية ذكرت، يوم الأحد، أنها قامت بتعزيز حدودها بإرسال المزيد من الجنود نحو حدودها البرية مع تركيا، ونقلت صحف محلية يونانية أن السلطات أرسلت رسائل للآلاف عند الحدود تقول إنها تقوم بتعزيز أمن الحدود إلى أقصى درجة "لا تحاولوا تجاوز حدود اليونان بشكل غير شرعي"، إلا أن أثينا تطالب الأوروبيين بمساعدتها بمزيد من قوات "فرونتيكس" للتعامل مع تدفق اللاجئين عبر البحر نحو جزرها القريبة من تركيا.
وكان وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، قد ناشد الأوروبيين، منذ الجمعة، عقد اجتماع طارئ حول الأزمة للاتفاق على عمل أوروبي مشترك. وأعلنت وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية "فرونتيكس" حالة التأهب القصوى، أمس الأحد.
وزادت التطورات الأخيرة، منذ بدأ اللاجئون، الجمعة الماضي، بالتدفق نحو حدود بلغاريا واليونان وركوب قوارب إلى جزر يونانية، من وتيرة التحركات والدعوات لإجراءات أوروبية خوفاً من فقدان السيطرة على حدودها، ومنها دعوات بعضها لوقف العمل باتفاقية شينغن، من بينها دول اسكندنافية وأحزاب في النمسا وألمانيا وغيرها.
وفي السياق، كُلفت وعلى عجل مفوضة المفوضية الأوروبية لشؤون اللجوء والهجرة، ألفا يوهانسون، بوضع ميثاق جديد للجوء والهجرة. ويوم الجمعة الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتفاق الذي عقد مع تركيا في 2016 لا يزال سارياً، وأنه لم ترد أي رسالة رسمية من أنقرة بضرورة تعليقه.
وإلى ذلك، تشير وسائل الإعلام اليونانية إلى أن اتصالاً هاتفياً جرى بين رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس وكل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، عبّر من خلاله ميتسوتاكيس عن تخوف بلاده من أزمة متكررة كما حدث في 2015، وفقاً لما نقلت صحيفة "ناف تيمبوريكي".
وأكدت الصحيفة اليونانية، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة الأميركية، والشركاء الأوروبيين "أكدوا على حق اليونان حماية حدودها". ونقلت الصحيفة عن ميتسوتاكيس أن الأوروبيين وافقوا على البدء من يوم غد الثلاثاء بعملية حماية مشتركة للحدود مع تركيا. وهو ما أكده أيضا رئيس المجلس الأوروبي، ميشيل، في تغريدة على موقعه الرسمي، مساء أمس الأحد.
سجال أوروبي
أثارت حالة المواجهة العنيفة والتصدي بقنابل الغاز، على مدى الأيام الماضية على الحدود اليونانية-التركية، الكثير من السجال الأوروبي المتخوف من خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بترك اللاجئين يتجهون نحو اليونان.
فقد انبرى اليمين المتشدد في عدد من الدول الاسكندينافية وألمانيا وغيرها لحملة تطالب بـ"تعزيز الحدود الجنوبية الأوروبية". بل وجه مؤيدون لهذا اليمين المتشدد دعوات "إرسال جنود لمساعدة حرس الحدود اليوناني لمنع دخول هؤلاء اللاجئين/المهاجرين بالقوة". وتداول بعضهم صورا وفيديوهات تركز على غير السوريين بتعليقات بدت تحريضية عليهم "فهؤلاء لا علاقة لهم بما يجري في سورية وآتون من دول أخرى للهجرة وليس لديهم قضية لجوء"، وفقاً لبعض ما تناقله معلقون يرون "ضرورة التدخل عسكريا إلى جانب اليونان للسيطرة على الوضع".
وذهبت رئيسة البرلمان الدنماركي السابقة بيا كيرسغوورد، ومؤسسة حزب الشعب الدنماركي المتشدد، في الاتجاه الداعي لـ"تصرف سريع لحماية حدود أوروبا، ومن المفترض اتخاذ إجراء طارئ في الدنمارك يقضي بوقف تام لطلبات اللجوء".
وبحسب ما رصد "العربي الجديد"، فإن نقاشات تدفق اللاجئين في أدرنه التركية على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض صحف اليمين، جعلت، في نهاية الأسبوع، القضية تحتل مقدمة القضايا، وحولتها إلى "تريند" في دول الشمال الأوروبي البعيدة عن الحدث. وصب البعض من المعلقين وساسة متشددون على المواقع غضبهم على تركيا والرئيس التركي باتهامات أقلها "إنه يبتز الاتحاد الأوروبي".
ورأى عضو البرلمان الأوروبي من اليسار الدنماركي، نيكولاي فلومسن، أن "أوروبا أغمضت عينيها عن جرائم ارتكبت في الشمال السوري على يد روسيا ونظام الأسد.. وأغمضت عينيها عن تدخل الأتراك.. وتدفق مئات آلاف النازحين.. وتتحدث عن مشكلة لأوروبا.. في الواقع المشكلة هي أن هناك بشرا لاجئين يحتاجون إلى مساعدة".