إلى الشرق من هذا البلد المعروف اليوم باسم البيرو، الواقع في أميركا الجنوبية، تمتد سلسلة جبال الأنديز التي تقسم البلاد إلى ثلاث مقاطعات: الشاطئية على المحيط الهادئ، والجبلية امتداداً إلى مهد حضارة الإنكا في كوسكو، أو كما تلفظ محلياً "كوزكو"، ثم غابات الأمازون.
تعتبر المناطق الشاطئية، وفيها تقع عاصمة البلاد الحديثة ليما، مناطق صحراوية تنتشر فيها، بالرغم من ذلك، مناطق خضراء وأراضٍ لزراعة القطن وقصب السكر، من خلال أنظمة ريّ حديثة، اعتماداً على ما قدمته حضارة الريّ القديمة في البلاد. ولا تخطئ العين أنّ الحداثة، بمفهومها العالمي الجديد، والأقرب إلى الغربي، تغزوها ثقافياً، وبالرغم من ذلك يحاول شعبها الحفاظ على إرث تاريخي لإمبراطورية عظيمة شكل بلدهم مهدها، هي حضارة الإنكا.
من بين نحو 32 مليون بيروفي، يعيش نحو 10 ملايين في مقاطعة ليما الكبرى. ويشكل السكان الأصليون نصف السكان تقريباً، خصوصاً أكبر مجموعتي سكان أصليين من شعبي كويشاوا وأيمارا، فيما نصف سكان البلاد يعيشون في مناطق المرتفعات على امتداد جبال الأنديز وغابات الأمازون، شرقي البلاد وجنوبيها.
وعلى العكس من مناطق معينة في ليما، ثمة فوارق طبقية كبيرة، كما هي حال بقية أميركا اللاتينية. وتنغص الشركات حياة السكان الأصليين من خلال البحث عن ثروات باطن الأرض، إن بالمناجم أو بتجريف أجزاء من غابات سكنوها لمئات السنين. في مناطق السكان الأصليين، على امتداد سفوح الأنديز ومرتفعاتها إلى أقصى جنوبي البلاد، عاش هؤلاء تاريخياً على زراعة نبتة الكوكا التي استخدموها للعلاج، قبل أن تصبح مصدراً رئيسياً لاستخراج الكوكايين، وما زال هؤلاء السكان يغلون أوراق ذلك النبات ويشربونه كالشاي.
لم تكن بلاد شعب حضارة الإنكا تعرف باسم البيرو، بل يروي التاريخ أنّ ما يسمى "المستكشفين" الأوروبيين، خصوصاً الإسبان، حين وصلوا في بداية القرن السادس عشر إلى ما سموه "العالم الجديد" في خليج سان ميغيل في بنما، وجدوا حاكماً محلياً يسمى "بيرو"، وحين أراد "المستكشف" قائد حملة الغزو الإسباني لجنوبي القارة، فرانسيسكو بيزارو، الذهاب أبعد إلى الجنوب، سمى تلك المناطق باسم البيرو، بما فيها مناطق حضارة الإنكا، الممتدة من بوليفيا والإكوادور، مروراً بالبيرو الحالية وأجزاء من تشيلي والأرجنتين.
شكلت كوسكو (مدينة الشمس المقدسة) عاصمة إمبراطورية الإنكا ومهدها، في جنوب البيرو وعلى سفوح جبال الأنديز ومرتفعاتها. ووصلت إلى أوجها بعد القرن الثاني عشر بفتوحات وتوحيد القبائل المتناحرة، وفقاً لروايات تاريخ الشعب الأصلي، عن اتحاد الثقافات المختلفة، متخذة من لغة كيشاوا لغة مشتركة لمواطني الإمبراطورية.
وبالرغم من تدمير تلك الحضارة، نجت بعض من روايات التاريخ عنها، وحافظ عليها أصحابها، المنتمون إلى تلك الأصول، ويردّ هؤلاء بناء الحضارة إلى مانكو كاباك، وماما أوكلو. وفي الحقبة الرابعة من إمبراطورية حضارة الإنكا، في القرن الرابع عشر، يردد شعب الإنكا اسم مايتا كاباك، ومن سلالته الحاكم كاباك يوبانكي، الذي وسّع الإمبراطورية بفتوحاته ضد مدن جارة، إلى أبعد من سهول مهد تلك الحضارة في كوسكو، التي ازدهرت فيها المعابد والقصور والمنحوتات الذهبية والفضية، وجرى تعليل تلك الفتوحات بأنّها لوقف النزاعات بين القبائل، بفرض انضمامها قسراً إلى الإمبراطورية. ولوقف تلك النزاعات الدموية بين القبائل كان عام 1438 فاصلاً، إذ أدى إلى انقلاب ببشوتي إينكا (إينكا هنا تعني الحاكم الأعظم) يوبنكوي على أخيه إينكا أوركون، وهما ابنا الإمبراطور السابق (من سلالة كاباك) فيركشا إينكا، ما أدى إلى اتساع مناطق الحضارة وإجبار شعوب شانكا وكيشاوا وشيمو وشيري في كويتو (الإكوادور حالياً) على الرضوخ لمركز الإمبراطورية في كوسكو.
وفي عصر الحاكم، توبا إينكا يوبانكي، (1471- 1493) زاد توسع الإنكا نحو تشيلي الحالية، إلى الجنوب من عاصمة الإنكا في كوسكو. لكن، بموت توبا إينكا اندلع صراع على خلافته، ما أدى إلى حروب داخلية انتصر فيها هويانا كاباك ليحكم بين عامي 1493 و1525. وتوسعت خلال فترة حكمه إمبراطورية الإنكا نحو الشمال، لتضم نحو 13 مليون إنسان، وصولاً إلى نهر انكاسمايو، الذي يشكل اليوم الحدود الفاصلة بين الإكوادور وكولومبيا.
وبحسب التاريخ الذي يتناقله شعب الإنكا فإنّ قائدهم هويانا راح ضحية مرض "جلبه الإسبان معهم إلى أرض حضارة الإنكا في أثناء محاولتهم التقدم جنوباً". وبنتيجة ضعف سلالة كاباك بدأت الحضارة تتأرجح في خلافات ونزاعات داخلية، ما استغله الغزاة الإسبان بدءاً من 1532 بقيادة فرانسيسكو بيزارو ودييغو دي الماغرو، فارتكبا مذابح مروعة في منطقة تومبيس. وخدع بيزارو قادة الإنكا بدعوتهم إلى اجتماع في كاخماركا، شمالي البيرو اليوم، فاحتجزهم وزعيمهم مطالباً بفدية من الذهب، وبالرغم من حصوله على الذهب، قتل الزعيم اتهوالبا هوسكار.
لعب الدين دوراً كبيرا في حضارة شعب الإنكا، وهو الذي ساهم كثيراً في انتشار أساطير كثيرة ما زالت محل جدال حتى اليوم عن تلك المنحوتات والعمران الدقيق الذي قام في كوسكو، خصوصاً تقديس الشمس، التي تسمى "إنتي" بلغتهم، وقد عبدوها إلى جانب تخصيص أعياد لها بطقوس خاصة تسمى "إنتي ريمي" بالإضافة إلى احتفال ديني بمسمى "كاباك ريمي" و"كاباك كوتشا" كواحد من أهم طقوس تقويم الإنكا المتقدمة، مقارنة بالفترة التي انتعشت فيها تلك الحضارة مع بقية حضارات أوروبا وغيرها، بالرغم من عدم احتكاكها بأيٍّ من شعوب الأرض على الجانب الآخر من المحيطين الهادئ والأطلسي.
ويؤمن أحفاد الإنكا حتى يومنا بديانات الأسلاف، وبعضهم تعبّد سراً بها. يؤمن هؤلاء، خصوصاً في جبال الأنديز وسفوحها، أنّ هناك ثلاثة عوالم: هنان باتشا (الأعلى) وكاي باتشا (الأوسط) ولوكا باتشا (السفلي)، إلى جانب الاعتقاد بأنّ إله الخلق يسمى "فيراكوتشا" وهو بالنسبة إليهم إله عموم الآلهة الأخرى التي كانت منتشرة قبل تأسيس حضارة الإنكا. ويعتبر القمر "ماما كيلا" إله السماء والنجوم وحامي النساء، ويمثل زوجة الإله الشمس، هذا إلى جانب آلهة لكلّ الظواهر الطبيعية كالبرق وتفجر البحيرات، كما هناك آلهة للجبال والنجوم. ولعب رجال الدين دوراً هاماً في تطبيق الطقوس والعبادات، فخصص لها كهنة عظماء، يتولون تنظيم الاحتفالات الدينية وإرشاد شعب الإنكا بمواعظ وحكم خاصة بالحياة والحياة الأخرى في العوالم التي يعتقدون بها.
فرض الإسبان، خصوصاً أنّ حملاتهم كانت مدعّمة بمبشرين من الكنيسة الكاثوليكية بمباركة البابا، إنهاء كلّ تلك العبادات، وفرضوا على الناس بعد نهب منحوتاتهم الذهبية وتدمير معابدهم، الكاثوليكية وحدها، ما أدى أيضاً إلى حالات تمرد بين الإنكا، الذين اختار بعضهم الرحيل إلى عمق الغابات والهروب إلى مناطق جبلية بعيداً عن الإسبان. ونجا هؤلاء بديانتهم وتقاليدهم، وبنوا معابدهم ومناطقهم الخاصة، وتمكنوا من الحفاظ على مدينة ماتشو بيتشو الشهيرة، على بعد نحو 80 كم من عاصمة الإنكا، كوسكو. ولم تكتشف ماتشو بيتشو إلا في عام 1911.
لم يكن تاريخ الوجود الإسباني في البيرو، وبقية مناطق حضارة الإنكا، سلمياً، فإلى جانب جلبه الأوبئة والأمراض، كانت معاملة الشعب الأصلي مليئة بالدموية والنكث بالعهود وإجبار البشر على العمل كعبيد في البحث عن الذهب والفضة لمصلحة التاج الملكي الإسباني، الذي جعل البيرو مركزاً لحكمه بقية أماكن وجوده في القارة اللاتينية. ولم يكن أثر ذلك طيباً على شعب الإنكا، الذي حصل بينه أول تمرد ومحاولة استقلال في بداية 1570 من خلال توباك أمارو، ابن الحاكم السابق للإمبراطورية، مانكو كاباك، الذي أشعل ثورة بين الفلاحين ضد الاستعمار الإسباني حتى أسره الإسبان وأعدموه في 1571.
اقــرأ أيضاً
وبعدما شحّ الذهب والفضة في بيرو، وتوجه الإسبان للتنقيب عنه في كولومبيا، التي عرفت باسم نويفي غرانادا (غرناطة الجديدة) والبيرو العليا (بوليفيا)، ومع تغيرات في الأسرة الحاكمة في إسبانيا وانتشار أعمال شبهت بالبربرية بحق سكان ليما في القرن الثامن عشر بدأ البيروفيون تحركهم نحو مقاومة الإسبان فعلياً مع بداية عام 1700، بالرغم من كلّ محاولات الطبقة الأرستقراطية الإسبانية للحفاظ على البيرو ضمن التاج الإسباني، بعدما بدأت ملامح نزعة الاستقلال في دول أخرى في القارة. وبقيت مقاومة الوجود الإسباني مستمرة في البيرو حتى 1821، حين أعلنت استقلالها.
وبالرغم من بقاء سيطرة الإسبان على المناطق المرتفعة، فإنّ سيمون بوليفار، هزمهم عام 1824. ولم تعترف إسبانيا باستقلال البيرو حتى عام 1866، إثر هزائم متتالية في محاولتهم غزو البلاد واستعادة السيطرة عليها.
تعتبر المناطق الشاطئية، وفيها تقع عاصمة البلاد الحديثة ليما، مناطق صحراوية تنتشر فيها، بالرغم من ذلك، مناطق خضراء وأراضٍ لزراعة القطن وقصب السكر، من خلال أنظمة ريّ حديثة، اعتماداً على ما قدمته حضارة الريّ القديمة في البلاد. ولا تخطئ العين أنّ الحداثة، بمفهومها العالمي الجديد، والأقرب إلى الغربي، تغزوها ثقافياً، وبالرغم من ذلك يحاول شعبها الحفاظ على إرث تاريخي لإمبراطورية عظيمة شكل بلدهم مهدها، هي حضارة الإنكا.
من بين نحو 32 مليون بيروفي، يعيش نحو 10 ملايين في مقاطعة ليما الكبرى. ويشكل السكان الأصليون نصف السكان تقريباً، خصوصاً أكبر مجموعتي سكان أصليين من شعبي كويشاوا وأيمارا، فيما نصف سكان البلاد يعيشون في مناطق المرتفعات على امتداد جبال الأنديز وغابات الأمازون، شرقي البلاد وجنوبيها.
وعلى العكس من مناطق معينة في ليما، ثمة فوارق طبقية كبيرة، كما هي حال بقية أميركا اللاتينية. وتنغص الشركات حياة السكان الأصليين من خلال البحث عن ثروات باطن الأرض، إن بالمناجم أو بتجريف أجزاء من غابات سكنوها لمئات السنين. في مناطق السكان الأصليين، على امتداد سفوح الأنديز ومرتفعاتها إلى أقصى جنوبي البلاد، عاش هؤلاء تاريخياً على زراعة نبتة الكوكا التي استخدموها للعلاج، قبل أن تصبح مصدراً رئيسياً لاستخراج الكوكايين، وما زال هؤلاء السكان يغلون أوراق ذلك النبات ويشربونه كالشاي.
لم تكن بلاد شعب حضارة الإنكا تعرف باسم البيرو، بل يروي التاريخ أنّ ما يسمى "المستكشفين" الأوروبيين، خصوصاً الإسبان، حين وصلوا في بداية القرن السادس عشر إلى ما سموه "العالم الجديد" في خليج سان ميغيل في بنما، وجدوا حاكماً محلياً يسمى "بيرو"، وحين أراد "المستكشف" قائد حملة الغزو الإسباني لجنوبي القارة، فرانسيسكو بيزارو، الذهاب أبعد إلى الجنوب، سمى تلك المناطق باسم البيرو، بما فيها مناطق حضارة الإنكا، الممتدة من بوليفيا والإكوادور، مروراً بالبيرو الحالية وأجزاء من تشيلي والأرجنتين.
شكلت كوسكو (مدينة الشمس المقدسة) عاصمة إمبراطورية الإنكا ومهدها، في جنوب البيرو وعلى سفوح جبال الأنديز ومرتفعاتها. ووصلت إلى أوجها بعد القرن الثاني عشر بفتوحات وتوحيد القبائل المتناحرة، وفقاً لروايات تاريخ الشعب الأصلي، عن اتحاد الثقافات المختلفة، متخذة من لغة كيشاوا لغة مشتركة لمواطني الإمبراطورية.
وبالرغم من تدمير تلك الحضارة، نجت بعض من روايات التاريخ عنها، وحافظ عليها أصحابها، المنتمون إلى تلك الأصول، ويردّ هؤلاء بناء الحضارة إلى مانكو كاباك، وماما أوكلو. وفي الحقبة الرابعة من إمبراطورية حضارة الإنكا، في القرن الرابع عشر، يردد شعب الإنكا اسم مايتا كاباك، ومن سلالته الحاكم كاباك يوبانكي، الذي وسّع الإمبراطورية بفتوحاته ضد مدن جارة، إلى أبعد من سهول مهد تلك الحضارة في كوسكو، التي ازدهرت فيها المعابد والقصور والمنحوتات الذهبية والفضية، وجرى تعليل تلك الفتوحات بأنّها لوقف النزاعات بين القبائل، بفرض انضمامها قسراً إلى الإمبراطورية. ولوقف تلك النزاعات الدموية بين القبائل كان عام 1438 فاصلاً، إذ أدى إلى انقلاب ببشوتي إينكا (إينكا هنا تعني الحاكم الأعظم) يوبنكوي على أخيه إينكا أوركون، وهما ابنا الإمبراطور السابق (من سلالة كاباك) فيركشا إينكا، ما أدى إلى اتساع مناطق الحضارة وإجبار شعوب شانكا وكيشاوا وشيمو وشيري في كويتو (الإكوادور حالياً) على الرضوخ لمركز الإمبراطورية في كوسكو.
وفي عصر الحاكم، توبا إينكا يوبانكي، (1471- 1493) زاد توسع الإنكا نحو تشيلي الحالية، إلى الجنوب من عاصمة الإنكا في كوسكو. لكن، بموت توبا إينكا اندلع صراع على خلافته، ما أدى إلى حروب داخلية انتصر فيها هويانا كاباك ليحكم بين عامي 1493 و1525. وتوسعت خلال فترة حكمه إمبراطورية الإنكا نحو الشمال، لتضم نحو 13 مليون إنسان، وصولاً إلى نهر انكاسمايو، الذي يشكل اليوم الحدود الفاصلة بين الإكوادور وكولومبيا.
وبحسب التاريخ الذي يتناقله شعب الإنكا فإنّ قائدهم هويانا راح ضحية مرض "جلبه الإسبان معهم إلى أرض حضارة الإنكا في أثناء محاولتهم التقدم جنوباً". وبنتيجة ضعف سلالة كاباك بدأت الحضارة تتأرجح في خلافات ونزاعات داخلية، ما استغله الغزاة الإسبان بدءاً من 1532 بقيادة فرانسيسكو بيزارو ودييغو دي الماغرو، فارتكبا مذابح مروعة في منطقة تومبيس. وخدع بيزارو قادة الإنكا بدعوتهم إلى اجتماع في كاخماركا، شمالي البيرو اليوم، فاحتجزهم وزعيمهم مطالباً بفدية من الذهب، وبالرغم من حصوله على الذهب، قتل الزعيم اتهوالبا هوسكار.
لعب الدين دوراً كبيرا في حضارة شعب الإنكا، وهو الذي ساهم كثيراً في انتشار أساطير كثيرة ما زالت محل جدال حتى اليوم عن تلك المنحوتات والعمران الدقيق الذي قام في كوسكو، خصوصاً تقديس الشمس، التي تسمى "إنتي" بلغتهم، وقد عبدوها إلى جانب تخصيص أعياد لها بطقوس خاصة تسمى "إنتي ريمي" بالإضافة إلى احتفال ديني بمسمى "كاباك ريمي" و"كاباك كوتشا" كواحد من أهم طقوس تقويم الإنكا المتقدمة، مقارنة بالفترة التي انتعشت فيها تلك الحضارة مع بقية حضارات أوروبا وغيرها، بالرغم من عدم احتكاكها بأيٍّ من شعوب الأرض على الجانب الآخر من المحيطين الهادئ والأطلسي.
ويؤمن أحفاد الإنكا حتى يومنا بديانات الأسلاف، وبعضهم تعبّد سراً بها. يؤمن هؤلاء، خصوصاً في جبال الأنديز وسفوحها، أنّ هناك ثلاثة عوالم: هنان باتشا (الأعلى) وكاي باتشا (الأوسط) ولوكا باتشا (السفلي)، إلى جانب الاعتقاد بأنّ إله الخلق يسمى "فيراكوتشا" وهو بالنسبة إليهم إله عموم الآلهة الأخرى التي كانت منتشرة قبل تأسيس حضارة الإنكا. ويعتبر القمر "ماما كيلا" إله السماء والنجوم وحامي النساء، ويمثل زوجة الإله الشمس، هذا إلى جانب آلهة لكلّ الظواهر الطبيعية كالبرق وتفجر البحيرات، كما هناك آلهة للجبال والنجوم. ولعب رجال الدين دوراً هاماً في تطبيق الطقوس والعبادات، فخصص لها كهنة عظماء، يتولون تنظيم الاحتفالات الدينية وإرشاد شعب الإنكا بمواعظ وحكم خاصة بالحياة والحياة الأخرى في العوالم التي يعتقدون بها.
فرض الإسبان، خصوصاً أنّ حملاتهم كانت مدعّمة بمبشرين من الكنيسة الكاثوليكية بمباركة البابا، إنهاء كلّ تلك العبادات، وفرضوا على الناس بعد نهب منحوتاتهم الذهبية وتدمير معابدهم، الكاثوليكية وحدها، ما أدى أيضاً إلى حالات تمرد بين الإنكا، الذين اختار بعضهم الرحيل إلى عمق الغابات والهروب إلى مناطق جبلية بعيداً عن الإسبان. ونجا هؤلاء بديانتهم وتقاليدهم، وبنوا معابدهم ومناطقهم الخاصة، وتمكنوا من الحفاظ على مدينة ماتشو بيتشو الشهيرة، على بعد نحو 80 كم من عاصمة الإنكا، كوسكو. ولم تكتشف ماتشو بيتشو إلا في عام 1911.
لم يكن تاريخ الوجود الإسباني في البيرو، وبقية مناطق حضارة الإنكا، سلمياً، فإلى جانب جلبه الأوبئة والأمراض، كانت معاملة الشعب الأصلي مليئة بالدموية والنكث بالعهود وإجبار البشر على العمل كعبيد في البحث عن الذهب والفضة لمصلحة التاج الملكي الإسباني، الذي جعل البيرو مركزاً لحكمه بقية أماكن وجوده في القارة اللاتينية. ولم يكن أثر ذلك طيباً على شعب الإنكا، الذي حصل بينه أول تمرد ومحاولة استقلال في بداية 1570 من خلال توباك أمارو، ابن الحاكم السابق للإمبراطورية، مانكو كاباك، الذي أشعل ثورة بين الفلاحين ضد الاستعمار الإسباني حتى أسره الإسبان وأعدموه في 1571.
وبعدما شحّ الذهب والفضة في بيرو، وتوجه الإسبان للتنقيب عنه في كولومبيا، التي عرفت باسم نويفي غرانادا (غرناطة الجديدة) والبيرو العليا (بوليفيا)، ومع تغيرات في الأسرة الحاكمة في إسبانيا وانتشار أعمال شبهت بالبربرية بحق سكان ليما في القرن الثامن عشر بدأ البيروفيون تحركهم نحو مقاومة الإسبان فعلياً مع بداية عام 1700، بالرغم من كلّ محاولات الطبقة الأرستقراطية الإسبانية للحفاظ على البيرو ضمن التاج الإسباني، بعدما بدأت ملامح نزعة الاستقلال في دول أخرى في القارة. وبقيت مقاومة الوجود الإسباني مستمرة في البيرو حتى 1821، حين أعلنت استقلالها.
وبالرغم من بقاء سيطرة الإسبان على المناطق المرتفعة، فإنّ سيمون بوليفار، هزمهم عام 1824. ولم تعترف إسبانيا باستقلال البيرو حتى عام 1866، إثر هزائم متتالية في محاولتهم غزو البلاد واستعادة السيطرة عليها.