بالرغم من تداعياته السلبية في كافة الإتجاهات، إلا أنّ فيروس كورونا خلق أنماطاً جديدة للتفكير داخل المجتمعات، تتمحور حول فكرة "البطولة" والأبطال. فهل عمّال الرعاية الصحية هم أبطال بسبب عملهم اليومي، أم أنّ الظروف العملية لمكافحة الوباء جعلتهم أبطالا؟ وما الفرق بين البطولة وبين أداء الواجب؟ وما هي المعايير التي تفصل بين الواجب والبطولة؟
لقد باتت فكرة البطل، فكرة عالمية، بعد تبنّي الحكومات هذا المصطلح، لوصف أداء عمّال الرعاية الصحية. فقد تحدّث وزير الخارجية في المملكة المتحدة، دومينيك راب، عن العمّال الرئيسيين بأنهم "أبطال" في الخطوط الأمامية. فيما تناولت الإعلانات الإذاعية فكرة تقديم الشكر إلى "أبطال الرعاية الصحية". في الولايات المتحدة، اقترح الديمقراطيون مخطّطًا للأجور المدفوعة للعاملين الأساسيين، يسمى "صندوق الأبطال"، أمّا في تايلاند، فقد أطلق الفنّانون حملة على الإنترنت أطلق عليها اسم "دعم أبطالنا".
يقول فيليب زيمباردو، عالم النفس، والأستاذ الفخري بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، ومؤلّف بحث "دراسات الأبطال"، بحسب تقرير نشر على موقع "بي بي سي" البريطاني، "إنّ أزمة كورونا ستغذّي المزيد من الأفكار حول البطولة، وستغيّر الحدود المرسومة بشأن الواجب والفعل البطولي". ويضيف "عادة ما كان ينسب لقب الأبطال، لأشخاص عاشوا حياة مخصّصة لقضية ما. لكن مع انتشار وباء كورونا، وتعرّض عمّال الرعاية الصحية إلى مخاطر يومية، ساهم الأمر في تغيير المفهوم، ولم يعد أداء عملهم اليومي مجرد واجب فقط، بل بات تضحية فردية لإنقاذ البشرية".
في المقابل، يجادل فرانك فارلي، أستاذ علم النفس في جامعة تمبل في فيلادلفيا، وخبير السلوكيات المتطرّفة، في مفهوم هذه النظرية. ويقول إنّ الشخصية، هي العامل المحدّد لمعنى البطولة. إذ قد تكون الأعمال البطولية نتاجًا لرغبة في الدفاع عن سمعة المرء، وإيمانا قويا لتحقيق الذات، أو حتى ميولا للبحث عن التشويق. ويرى أنّ الناس لا تميل إلى التفكير في الأشخاص الذين يعملون في المستشفيات على أنهم يخاطرون بحياتهم، فهم قرّروا بدافع ذاتي، اختيار العمل في وحدة العناية المركّزة، وبالتالي ما يقومون به يدخل في إطار واجبهم اليومي.
السلوك البشري
على الرغم من أنّ زيمباردو يعتبر وجود الأبطال نادراً نسبياً، إلا أنّه يرى أنه يمكن تعليم الاستعداد للعمل البطولي. إذ هو يعمل على مشروع "الخيال البطولي غير الربحي" الخاص به الآن، مع مجموعة من الأطفال في صفوف الدراسة الثانوية في 12 دولة. ويهدف من وراء هذه الدراسة إلى تقييم سلوك الأفراد حول مفهوم البطولة، وفهم سبب تصرف بعض الأشخاص بشكل غير بطولي، أو هو يحاول أن يدفع الجيل الناشئ إلى تقديم شرح أعمق لفكرة البطولة، لا تتعلّق بتلك الفكرة التي تقوم على أساس العمل الخارق.
ويدعم كذلك مات لانجدون، مؤسس شركة Hero Construction Company فكرة تعليم البطولة. ويرى أنّ الظروف هي التي تخلق البطل في ميدان عمله. وتوافقه الرأي أليس إيغلي، أستاذة علم النفس بجامعة نورثويسترن، التي ترى أنّ العمل الروتيني اليومي يشكّل خطراً على العمّال، إذ يكفي أنّهم يعملون يومياً في الروتين الوظيفي، ما يجعلهم أبطالا. وترى أنّ فيروس كورونا، قدّم ظرفاً لعمّال الرعاية الصحية ليظهروا بصورة الأبطال للبشرية، لكن الإنسان الذي يكافح في ميدان عمله، يعدّ بطلاً حقيقياً.