إحياءً للذكرى العاشرة لمذبحة رابعة العدوية، عزّت 26 منظمة حقوقية، اليوم الاثنين، أسر الضحايا الذين سقطوا خلال معارضتهم سلمياً إطاحة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وجددت مطالباتها بالمساءلة وتحقيق العدالة للضحايا وذويهم. وبين هذه المنظمات (AFTE)، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ومركز النديم.
وكانت قوات الأمن والجيش قتلت بإدارة مباشرة من الرئيس الحالي وزير الدفاع حينها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، ورئيس الوزراء حازم الببلاوي، والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، أكثر من 817 شخصاً خلال فضها العنيف لاعتصامات ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة في 14 أغسطس/ آب 2013.
وجاء ذلك بعد أكثر من شهر من إطاحة مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب في اقتراع حرّ ونزيه، والعضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، في 3 يوليو/ تموز 2013، والذي أفضى إلى تجمع عشرات الآلاف من مؤيديه في القاهرة والجيزة وأماكن أخرى لمعارضة القرار.
وفي الأسابيع اللاحقة، سحقت الحكومة الاعتصامات والتظاهرات المعارضة للانقلاب العسكري، تارة عبر فتح النار العشوائي على المتظاهرين السلميين، وتارة أخرى عبر اعتقال عشرات آلاف من الناجين وذويهم.
ولاحقاً، جرت محاكمة متظاهرين استناداً إلى إجراءات قانونية معيبة وغياب تام لمعايير العدالة، ما أسفر عن إصدار محاكم عسكرية أو استثنائية قرارات جماعية بالإعدام والسجن فترات طويلة، وكان بعضها غير قابل للطعن أو النقض.
واتسعت دائرة الانتهاكات لتشمل مواطنين من مختلف الاتجاهات والانتماءات السياسية والاجتماعية والدينية. وأدرجت الحكومة آلاف المواطنين في قوائم الإرهاب، والممنوعين من السفر، بتهم واهية.
وواصلت الحكومة انتهاك الدستور والقوانين الخاصة بالحبس الاحتياطي واللوائح الداخلية للسجون، ما أبقى آلاف المعتقلين رهن الحبس الاحتياطي أكثر من المدة القانونية (عامين)، كما أعادت وزارة الداخلية (تدوير) أشخاص أخلي سبيلهم في قضايا جديدة كي تواصل احتجازهم في سجون يُحرمون فيها من الزيارات والاحتياجات الأساسية من دواء وطعام وأدوات نظافة وكتب.
وقالت المنظمات: "رغم مرور عقد على هذه المجزرة، لم يخضع أي مسؤول سياسي أو عسكري أو أمني لمحاكمة بالانتهاكات الجسيمة التي حصلت أثناء فض الاعتصامات، وتسببت في أكبر واقعة قتل جماعي للمتظاهرين في تاريخ مصر على أيدي أجهزة الأمن".
كما طالبت المنظمات بفتح تحقيق دولي شامل ومحاسبة المسؤولين عن المذبحة باعتبارهم "مسؤولين قانونياً عن هذه الجرائم التي شملت عمليات إطلاق نار عشوائي وجماعي نفذتها قوات الأمن والجيش على مدار شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2013، وبلغت ذروتها عبر فض اعتصامي رابعة والنهضة بمقتل مئات من المتظاهرين، وبينهم نساء وأطفال".
وتابعت: "لم تتعافَ مصر من آثار المذبحة رغم مرور 10 سنوات، ولا تزال أيدي أجهزة الأمن طليقة في تعقب المواطنين بلا مساءلة، ولا يزال المجال العام مغلقاً أمام المشاركة السياسية والمجتمعية، ويواجه المعارضون والمثقفون والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون تهديدات متزايدة بالاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون".
وطالبت المنظمات بوضع حدّ للانتهاكات المستمرة منذ المذبحة، والبدء فوراً في تنفيذ إصلاحات عملية للحدّ من آثارها الممتدة حتى الآن، وتعويض الضحايا وعائلاتهم.
وعلى مدار العقد الماضي، وثقت منظمات حقوقية مصرية ودولية إخفاء 3000 مواطن قسراً على الأقل فترات متفاوتة، ووفاة أكثر من 1200 محتجز نتيجة سوء المعاملة والإهمال الطبي المتعمد في مقار احتجاز وسجون، واعتداءات جنسية على أكثر من 655 شخصاً من المعتقلين أو أفراد عائلاتهم، وقتل أكثر من 750 مواطناً خارج نطاق القانون.
وحتى الآن، تشارك أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، في مصر ما بعد رابعة، وبينها القضاء ووزارة الداخلية والجيش وحتى المصالح الحكومية والجامعات والمدارس في تعقب المعارضين السياسيين والتنكيل بهم.
وتتبع مصر حالياً سلوكاً أمنياً عنيفاً مع مواطنيها الذين تعتقلهم تعسفياً وتحتجز ذويهم رهائن، كما تعذبهم في السجون.
جرى تهجير مواطنين قسراً لأسباب أمنية في سيناء، واعتقل أقباط بتهم الانتماء إلى جماعات إرهابية، وتعرض آخرون لاختفاء قسري بسبب آراء ومنشورات على الإنترنت، وحجبت مواقع إخبارية وحقوقية، وأغلقت مكتبات ومؤسسات ثقافية بحجة الحفاظ على أمن الدولة. أيضاً لوحِق الصحافيون بسبب عملهم، وسُجنت فتيات بتهمة "انتهاك قيم الأسرة المصرية"، وحوكم مثقفون وكتاب وناشرون أمام محاكم عسكرية، واعتُقل أكاديميون قد يُقتلون بعد تعذيبهم من أجل أبحاثهم العلمية.
وقالت المنظمات: "لم تفلح المحاولات الأخيرة للحكومة التي تبدو إصلاحية في الظاهر، وتشمل إطلاق مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أو تفعيل لجنة للعفو الرئاسي عن المعتقلين، أو البدء في حوار وطني يضم قوى سياسية واجتماعية مختلفة، في الحدّ من الاحتقان السياسي والمجتمعي، وإنهاء أو حتى تخفيف أزمة المعتقلين السياسيين".
وبينما تشير أرقام رسمية إلى الإفراج عن 1400 شخص منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي في إبريل/ نيسان 2022 وحتى مايو/ أيار 2023، تُظهر إحصاءات حقوقية اعتقال أكثر من 3700 شخص خلال الفترة نفسها، ما يثبت غياب أي رغبة سياسية في تغيير الوضع القائم، أو إيجاد حل حقيقي للمشكلات الحقوقية العميقة التي يواجهها المصريون.
وتعتبر المنظمات الحقوقية أن "المصالحة المجتمعية والسياسية الشاملة تبدأ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعويض الضحايا وأسرهم، واعتراف الحكومة بمسؤوليتها عن المذبحة، والانتهاكات التي تلتها، ومحاكمة المسؤولين عنها.