استمع إلى الملخص
- **جوزيف غفري**: فقد قدمه وكُسر كتفه في الانفجار، خضع لعلاجات متعددة وتكفلت الدولة ببعض العمليات. يعاني من أوجاع يومية ويطالب بتحقيق دولي لمعرفة حقيقة الانفجار.
- **مريم**: أم مطلقة فقدت عينها وبيتها وعملها في الانفجار، تعتمد على ابنتها لتغطية المصاريف وتحتاج إلى علاج دوري. تطالب بحقها في العلاج والتعويض من الدولة.
يحاول البعض ترويج أن تبعات مأساة انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب 2020 قد انتهت، وأن كل من نجا من الموت أكمل حياته بشكل طبيعي. لكن ما يتوارى خلف الأبواب هو الحقيقة التي تغفلها المنظومة السياسية اللبنانية، والتي أصرت على أن تمرّ كارثة الانفجار كأنها لم تكن، رغم مقتل 221، ونحو7 آلاف جريح.
سالم بكري (44 سنة) هو أحد ضحايا الانفجار، ويعيش في فقر مدقع بغرفة صغيرة في منطقة الشويفات، ويجمع قرب سريره عبوات فارغة لقضاء حاجته اليومية، إذ لا مقومات للحياة، ولا تعويض عن الانفجار.
كان سالم وقت الانفجار على دراجته النارية قرب المرفأ، وأصيب في رأسه، ففقد عينه وأنفه، وقد خضع لخمس عمليات في قدمه اليسرى واثنتين في رأسه. ولا يزال أمامه عمليتان في أنفه وعينه. يقول لـ "العربي الجديد": "منذ أربع سنوات وأنا ميت على السرير. لا أستطيع فعل شيء غير النظر إلى السقف. أتناول الطعام والشراب وأتكلم فقط. لا أذكر شيئاً مما حصل قبل الانفجار، غير أنني شعرت بنفسي أطير واصطدمتُ بسيارة. عدت إلى وعيي في المستشفى، وكان الأمل ضعيفاً بأن أعيش. لم أكن أدري ما الذي حصل، وعندما سألتهم أخبروني بأنه حادث. خرجت من المستشفى بعد مدة، وأصيبت قدمي بالتهابات لم أتعافَ منها إلا مؤخرا، وفقدتُ حاسة الشم بسبب أنفي المكسور، كما فقدت النظر بعيني اليسرى".
كان سالم يعمل في مكتب تأجير سيارات، ويرافق السياح خلال رحلاتهم إلى لبنان. يقول: "انقلبت حياتي تماماً. فقدت عملي ومستقبلي، وأخي الذي يعمل سائق تاكسي يهتم بي، وهناك جمعية ساعدتني في العمليات الجراحية والأدوية. أخضع لعلاجات دائمة، وأحياناً أعتمد على بعض أفراد العائلة والأصدقاء، إذ لا أستطيع تحريك قدمي ولا حتى دخول الحمام. لا تزال أمامي رحلة علاج طويلة. أحتاج إلى خمسين جلسة علاج فيزيائي أحاول تأمينها من جمعيات أو متبرعين، ولم تتكفل الدولة بأي علاج. أحاول البقاء على قيد الحياة، وأطالب بمعرفة المجرم الحقيقي، وأن تتحمل الدولة مسؤوليتها في علاجنا وتأهيلنا للحياة مجدداً. لم يعد لي سوى الله".
كان جوزيف غفري يمارس روتينه الرياضي اليومي في منطقة الأشرفية عند وقوع الانفجار، وقد فقد إحدى قدميه، ويعاني من كسر دائم في كتفه اليمنى. يقول: "بعد الانفجار، تجمع الناس من حولي والدماء تنزف من قدمي. حينها، نظرتُ إلى السماء وقلت لله إنني عائد إليك. كان كل من حولي يبكي أو يصرخ وأنا أتأمل السماء. نقلت إلى المستشفى، وهناك قرر الطبيب بتر قدمي، وعلمت لاحقاً أن خمسة من أفراد عائلتي أصيبوا في الانفجار".
يضيف جوزيف: "خضعت للعلاج في المرحلة الأولى لمدة ستة أشهر، ولم أتخلص من الألم في قدمي، وحصلت تطورات صحية اضطررت خلالها للخضوع لعلاجات جديدة، واستطعت حينها وضع الحماية كما أشارت الطبيبة المشرفة من فرنسا. أنا بحاجة لتغيير الحماية مجدداً بعد عام، والدولة تكفلت ببعض العمليات، وتنصلت من متابعة العلاج، وقد تكفلت بالعلاجات الفيزيائية والأدوية، عدا عن أنني خسرت بيتي وسيارتين في الانفجار".
يختم جوزيف: "كنت أحب ممارسة الرياضة والصيد، وتوقفت عنهما تماماً، وما زلت أعاني من أوجاع، وأتناول ستة أدوية يومياً. لا أستطيع طلب أي أمر من الدولة لأننا من دون دولة. هي اسم فقط دون فعل. وأطالب بتحقيق دولي لمعرفة حقيقة الانفجار".
مريم أيضاً من ضحايا الانفجار. تقول: "كنت عائدة من عملي عندما قررت أن أزور أختي. جلست معها على الشرفة، وبينما كنتُ أرتشف فنجان قهوتي، وقع الانفجار، وتوقف الزمن لأجد نفسي مستلقية على سرير المستشفى، وابنتي تبكي وتتوسل الطبيب أن يقوم بما يلزم، وعيني تؤلمني بشدة، وكنت أصرخ قائلة أريد العودة إلى المنزل".
تكمل مريم: "كان الانفجار كفيلاً بأن يدمر حياتي وأنا على قيد الحياة. أنا أم مطلقة أعيل أربع بنات، أكبرهن عمرها 24 سنة، وقبل الانفجار كنت أعمل في إعداد الوجبات اليومية للنساء العاملات، وجهزت بيتي الذي يتكون من غرفتين، ليكون مكاناً للعمل. كنت أعيش حياتي راضية. أعمل خلال أيام الأسبوع، وأخرج مع صديقاتي وبناتي في أيام العطل. لم أحتج لأحد طوال حياتي، لكني فقدت إحدى عينيّ، ومهددة الآن بفقدان البصر تماماً".
تضيف: "حتى بيتي فقدته؛ إذ قرر صاحب المنزل استعادته بسبب إيجاره الرخيص، وأن يؤجره بسعر أعلى. انتقلت للعيش مع أختي أنا وبناتي بعدما فقدت عيني وعملي وبيتي. لا أستطيع القيام بأي عمل، حتى التنقل يحتاج إلى مساعدة، وتعمل ابنتي بدوامين لتغطية مصاريف البيت. أنا الآن مكسورة من كل النواحي، ودولتي هي من حطمتني، ولم تعوضني، أو تتابع علاجي، وقد حاولتُ التواصل مع كل الجهات دون رد. أحتاج إلى إبرة شهرية في عيني، وتغيير حماية عيني المفقودة بشكل دوري، ولا أستطيع تأمين ذلك دائماً. أفكر كل يوم بمن أستطيع اللجوء إليه، وفي كل عام نتظاهر للمطالبة بحقنا بالعلاج والتعويض في دولة تركتنا من دون حماية".