- قصة كلثوم فريد تعكس الأثر النفسي العميق لسياسات حرمان الفتيات من التعليم على الفتيات وأسرهن، مع تأكيد والدها على أهمية التعليم للجنسين وفقاً للشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية.
- الناشطة الأفغانية زرلشت عابدي تصف قرارات طالبان بمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس والتعليم الجامعي بأنها كارثة تربوية ومجتمعية، مؤكدة على الظلم الواقع على الشعب الأفغاني والحاجة الملحة لتعليم النساء.
انطلق العام الدراسي الجديد في أفغانستان، في 20 مارس/ آذار الجاري، في وقت أعلنت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 330 ألف بنت أنهين الصف السادس حُرمن من التعليم مجدّداً، لأن حكومة حركة طالبان لا تسمح بالتحاق بنات بصف ما فوق السادس. أما إجمالي عدد البنات اللواتي حُرمن من التعليم هذا العام فيتجاوز أربعة ملايين بعدما أغلقت حكومة "طالبان" المدارس الخاصة بهن.
تقول الطفلة كلثوم فريد التي أنهت الصف السادس، ولم تعد تستطيع الذهاب إلى المدرسة، لـ"العربي الجديد": "حالتي النفسية صعبة منذ أكثر من سنة. كنت أتمنى لو يقف الوقت ولا تمر هذه السنة لأنني أعرف أني سأحرم من التعليم بمجرّد أن أنهي الصف السادس، وهذا ما حصل. الآن عندما تستيقظ أختي عظمى في الصباح الباكر أستيقظ معها كعادتي، لكنها تذهب إلى المدرسة وأنا لا أفعل ذلك".
تضيف: "كنت أصلّي طوال العام الماضي، وأواظب على قراءة القرآن الكريم وأسأل الله أن يجعل طالبان تسمح بمواصلة البنات التعلّم قبل أن أتخرج من الصف السادس لأستطيع مواصلة التعلّم، لكن ذلك لم يحصل. لا أدري أي ذنب ارتكبناه كي تعاقبنا حركة طالبان التي نقول لها نريد التعلّم في ضوء الشريعة الإسلامية ووفق الأعراف والتقاليد، لكنني لا أدري إذا كانت ستسمح بذلك".
ويقول محمد فريد، والد كلثوم، لـ"العربي الجديد": "أنا خياط أعمل في النهار كي آتي ليلاً وأستريح مع أولادي، وهمّي الوحيد أن يدرس أولادي البنين والبنات. وقد وفرت لهم كل ما هم يحتاجون إليه. بناتي أكثر فهماً وعقلانية من البنين، ولديهن شغف عجيب بالتعلّم، لكنهن واجهن مصير بنات كل الشعب. بصراحة لا أقبل أن يخالف أي فرد من أسرتي ديننا وأعرافنا، وبالتالي عندما نطلب التعليم لبناتنا نريده استناداً إلى الشريعة والأعراف السائدة، أما حكومة طالبان فتظلم أولادنا، هذا ليس هدراً للحياة فقط بل تلاعب بالمشاعر. أنا لا أحزن فقط لحرمان ابنتي من التعليم، بل أيضاً لأنها في حالة نفسية سيئة. عندما أستيقظ في الصباح وأجد أنها تجلس في حيرة وقلق أشعر بحزن كبير. أولادي هم رأس مال حياتي، وفي هذه الحالة لا أملك أي بديل. وقد حاولت إرسالها إلى مدرسة دينية قريبة من منزلنا، وذهبت لعدة أيام، لكن هذه المدرسة لم تعجبها، وتوقفت عن الذهاب إليها.
وعن حال الفتيات اللواتي حرمن من التعليم قبل أكثر من سنتين، تقول لـ "العربي الجديد" مروه كريم الله التي كانت تدرس في مدرسة "بي بي مهرو" للفتيات في العاصمة كابول، وكانت تستعد للتخرج من المدرسة كي تلتحق بكلية الحقوق والقانون في إحدى الجامعات وتصبح قاضية على غرار خالتها قبل أن تغلق "طالبان" مدارس البنات وبعدها الجامعات: "لا أدري كيف أصف حالتي النفسية والاجتماعية بعدما حُرمت من التعليم. إنه شعور سيئ للغاية وبدأت أكره الحياة كلها. ولولا دعم والدي لي لدخلت في اكتئاب عجيب، فهو يشجعني دائماً على أن أمضي إلى الأمام، ويوفر لي كل ما أحتاج إليه من كتب وغيرها، وأنا أواصل القراءة، وأتابع برامج تدرّس أشياء مختلفة عن بعد. ورغم أنها لا تشفي غليلي إلى العلم لكنها أحسن من لا شيء. أواصل بأمل أن طالبان سترحمنا وتسمح للمدارس والجامعات بأن تفتح أبوابها".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قالت الناشطة الأفغانية زرلشت عابدي، إن "طالبان" لا تسمح بالتعليم الجامعي ولا حتى المدرسي للفتيات، لذا تلتزم الحكومة الصمت في شأن المسألة، وتؤجلها بلا مبرّر. قالت الحركة في البداية إنها تعمل لوضع آلية تناسب الوضع السائد وتتوافق مع الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية، لكن جميع مسؤوليها توقّفوا، بعد فترة، عن الحديث عن أي آلية لفتح المدارس والجامعات أمام البنات، "ما يشير إلى أن القرار بات دائماً".
وتضيف: "أسلوب تعامل حركة طالبان مع النساء عموماً والطالبات خصوصاً يلحق الظلم بكل الشعب الأفغاني، فالنساء نصف المجتمع، والعقدان الأخيران شهدا نقلة نوعية على صعيد تعليم النساء، ليتحوّل قرار طالبان بمنع الفتيات من التعليم المدرسي فوق الصف السادس، ومن التعليم الجامعي بالكامل إلى كارثة تربوية ومجتمعية، ويذهب كل التطور الذي شهده قطاع التعليم أدراج الرياح". وتؤكد أن "طالبان تتغاضى عن الحقائق، منها أن معظم أطياف الشعب مستاءة من سياساتها إزاء النساء، في وقت هناك حاجة ملحّة لتعليمهن، فبعض القطاعات لا يمكن فيها الاستغناء عن عمل المرأة".