تسببت الفيضانات الشديدة التي ضربت أكثر من منطقة حول العالم، العام الماضي، في إحداث دمار في دول عديدة، وتحديداً في نيجيريا وباكستان وأستراليا. وحتى منذ بداية العام الحالي، فإن مناطق عديدة، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية، عاشت أسوأ الفيضانات، الأمر الذي أدى إلى تضرر مواطنين، سواء من خلال تشرد الملايين من منازلهم، أو حتى وفاة عديدين.
وتعتبر الفيضانات المفاجئة السبب الثاني للوفاة بسبب الطقس، إذ يمكن أن يحدث فيضان مفاجئ في أي مكان تسقط فيه أمطار غزيرة أسرع مما يمكن أن تمتصه التربة، وتلعب الجغرافية والتضاريس أدوارا مهمة في كيفية تعامل التربة مع هطول الأمطار الغزيرة، حيث يمكن أن ترتفع المياه بسرعة كبيرة، لذا فإن تحديد مكان حدوث الفيضانات يعد تحدياً كبيراً، وهو ما يتطلب تعاوناً بين كافة أفراد المجتمع للوقاية من هذه الفيضانات.
بحسب تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية، فمن المتوقع أن تكون أجزاء من أكبر مدن آسيا مغمورة بالمياه بحلول نهاية القرن، كما من المتوقع أن تشهد سواحل الولايات المتحدة ارتفاعاً في مستوى سطح البحر من 10 إلى 12 بوصة (30 سم) بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن البنية التحتية لهذه المدن قد لا تكون مجهزة أصلاً لاستيعاب التغيرات المناخية، ما يطرح علامات استفهام أساسية حول كيفية مواجهة التغيرات المناخية.
مدن جديدة
نظرا لاستمرار أزمة المناخ في تهديد المدن، فقد بدأت بعض المناطق في خوض تجارب مختلفة من خلال إيجاد طرق مبتكرة للتعامل مع المياه، وليس التعامل ضدها، أي من خلال دمج المياه في تخطيط المدينة، وحتى الآن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الجهود يمكن أن تتوسع بسرعة كافية لمواجهة ضخامة التحدي المناخي الذي تواجهه المدن، لكنها تظهر أدوات جديدة للحد من تأثير الفيضانات.
-
حديقة Monkey cheek’ parks في بانكوك:
أصبحت بانكوك شهيرة بالفيضانات المتكررة والمدمرة، بسبب تغير المناخ، أحيانًا بعد أقل من 30 دقيقة من هطول الأمطار تفيض المدن. حيث أصبحت المدينة المبنية على طين النهر المتحول تغرق بمعدل يزيد عن سنتيمتر واحد في السنة، ويمكن أن تكون تحت مستوى سطح البحر بحلول عام 2030.
مهندسة المناظر الطبيعية التايلاندية Kotchakorn Voraakhom شاهدت عن كثب في مدينتها غابة خرسانية كثيفة. وتعمل في شركتها الخاصة Voraakhom على تصميم المتنزهات والحدائق والأسطح الخضراء التي تعالج مشكلة الفيضانات في المدينة مع إعادة ربط السكان ببيئتهم الطبيعية.
ومن ضمن هذه التصاميم، جاء تصميم حديقة Monkey cheek’ parks الخضراء، والتي تصفها الصحف التايلاندية بأنها أعجوبة طبيعية، إذ يمكن لهذه الحديقة أن تحتوي على ما يقرب من مليون غالون من المياه أثناء الفيضانات الشديدة. تقول لشبكة "سي أن أن": "يتسبب تغير المناخ في غرق المدن، وبنيتنا التحتية الحالية تجعلنا أكثر عرضة للفيضانات الشديدة، ولذا كان أحد الحلول خلق مساحة خضراء نادرة في مدينة خرسانية".
وصمّمت الحديقة، التي تبلغ مساحتها 11 فدانًا (45000 متر مربع)، والتي تم الانتهاء منها في عام 2017، للعمل مع المياه والاستفادة منها. بنيت على منحدر، وهي قادرة على ضخ المياه عبر حدائقها وأراضيها الرطبة الاصطناعية إلى بركة التخزين.
-
المدن الإسفنجية في الصين
لطالما كانت الصين، التي تعاني من الفيضانات والجفاف، من دعاة "المدن الإسفنجية". تتمثل الفكرة في تمكين المدن من امتصاص المياه الزائدة والاحتفاظ بها من خلال تصميمات تركز على الطبيعة، بما في ذلك الحدائق والأسطح الخضراء، مما يسمح للمياه بالغرق في الأرض والتدفق إلى الخارج.
Qunli Stormwater Wetland Park by Turenscape #architectzing pic.twitter.com/tcwUj4u1bY
— Amazing Architecture (@architectzing) May 5, 2014
في عام 2015، أعلنت الحكومة عن مخطط تجريبي لـ16 مدينة إسفنجية، مدفوعاً جزئياً بالفيضانات الشديدة التي ضربت بكين في عام 2012.
وتعد حديقة Qunli Stormwater Park التي تبلغ مساحتها 34 هكتاراً في مدينة هاربين شمال الصين أحد الأمثلة على نجاح مدينة الإسفنج بحسب وصف موقع Euronews، إذ تقوم بجمع وتنظيف وتخزين مياه الأمطار، مع حماية الموائل الطبيعية الأصلية وتوفير مساحة عامة خضراء جميلة للاستخدام الترفيهي.
يقول المهندس المعماري والبروفيسور كونغ جين يو، مؤسس شركة التصميم Turenscape ورائد مدن الإسفنج، لشبكة "سي أن أن": "إن الهدف من مدن الإسفنج هو إعطاء مساحة أكبر للمياه".
كما أن حديقة نهر يونغشينغ في بكين هي واحدة من العديد من مشاريع مدينة الإسفنج، التي تربط شبكة من المسارات في المتنزه المليء بالنباتات والأشجار، بما في ذلك أشجار الصفصاف والزعرور.
وتقدم مدن الإسفنج تصحيحًا ضرورياً للأخطاء التي ارتكبت مع نمو المدن، بما في ذلك إتلاف وتدمير الأنهار والأراضي الرطبة والاعتماد الشديد على الخرسانة.
-
أمستردام: تحويل المنازل إلى قوارب
وتحاول هولندا، التي يقع ثلثها تقريباً تحت مستوى سطح البحر، العمل بالمياه من خلال البناء عليها حرفيًاً. في حي Schoonschip شمال أمستردام، صممت شركة الهندسة المعمارية Space & Matter مجتمعاً من 30 منزلاً على الماء، اكتمل البناء في عام 2021، وهو الآن موطن لأكثر من 100 ساكن.
وبنيت المنازل بإطارات خشبية ومعزولة بالخيش والقش، وهي مجهزة بمضخات حرارية وألواح شمسية. تهدف حدائق الأسطح إلى مساعدتها على البرودة في الصيف، وكذلك امتصاص مياه الأمطار. تسعى الشركة لتكون بمثابة نموذج أولي لكيفية التعامل مع المناطق الساحلية ومناطق الدلتا الواقعة تحت الضغط.
وبحسب دراسة نشرت في جامعة Yale، فإن بناء منزل عائم على أي خط ساحلي سيكون قادراً على التعامل مع ارتفاع منسوب البحار أو الفيضانات الناجمة عن الأمطار عن طريق الطفو فوق سطح الماء. على عكس المراكب، التي يمكن بسهولة فكها ونقلها إلى أماكن أخرى، يتم تثبيت المنازل العائمة على الشاطئ، وغالبًا ما ترتكز على أعمدة فولاذية وعادة ما تكون متصلة بشبكة الصرف الصحي المحلية وشبكة الكهرباء. إنها تشبه من الناحية الهيكلية المنازل المبنية على الأرض، ولكن بدلاً من الطابق السفلي، لديهم بدن خرساني يعمل بمثابة ثقل موازن، مما يسمح لهم بالبقاء مستقرين في الماء.
-
جزر المالديف: نمذجة مدينة على شكل الدماغ
تقع الغالبية العظمى من الأرخبيل المائي الذي يضم أكثر من ألف جزيرة في المحيط الهندي على ارتفاع أقل من متر واحد فوق مستوى سطح البحر. يقود خطر الفيضانات جنباً إلى جنب مع الحاجة إلى المزيد من المشاريع الخاصة لمنع غرق هذه الجزر في المياه.
صمم كوين أولثويس نموذجا جديدا للمنازل في الأرخبيل، بشكل يتماشى مع أي تغييرات مناخية يحول دون غرقها. صممت المدينة الجديدة على بعد حوالي 10 دقائق بالقارب من العاصمة ماليه، وستتكون من سلسلة من الوحدات العائمة التي يتم بناؤها محليًا ويتم سحبها في الماء. سيتم ربطها بقاع البحر على ركائز متداخلة تسمح للمدينة بالارتفاع والانخفاض مع الأمواج والتعامل مع ارتفاع مستويات سطح البحر. يبدأ البناء بشكل جدي في نهاية هذا العام، ومن المتوقع أن يكتمل بحلول بداية عام 2028.
وتعرضت المدن العائمة لانتقادات لتقديمها حلولاً سكنية ستكون باهظة الثمن، لكن، وبحسب الدراسات، فإن القدرة على تحمل التكاليف كانت مطلباً وضعته الحكومة في جزر المالديف.
-
كوبنهاغن-الدنمارك: بناء "حديقة مناخية" عملاقة
في عام 2011، شهدت كوبنهاغن انفجاراً في السحاب - عاصفة ممطرة مفاجئة ومدمرة للغاية تسببت في هطول أمطار استمرت لأشهر على مدار بضع ساعات، تاركة أجزاء من المدينة تحت متر واحد من الماء. كانت الأضرار جسيمة، وقدرت بحوالي مليار دولار.
عززت الكارثة خطط المناخ في المدينة، وكانت إحدى هذه الخطط تصميم حديقة مناخية، تعرف باسم Enghaveparken، التي يعود تاريخ تشييدها إلى عام 1928، وقد أعيد تصميمها مجدداً.
يقول فليمنغ رافن، الشريك المؤسس للشركة الهندسية: "لقد كان نوعًا من التحدي لكيفية الحفاظ على تصميم الحديقة التراثي، وإعدادها لمستقبل آمن من الأحداث المناخية. تعمل الحديقة على احتواء مياه الفيضانات. بعد امتلاء الملعب، يمكن أن تتدفق المياه إلى حديقة الورود الغارقة، وأخيراً إلى البحيرة. تحتوي الحديقة أيضًا على أحواض جوفية، تجمع مياه الأمطار من الحي.