للمرّة الأولى منذ أكثر من ألفَي عام، لن يتمكّن آلاف المسيحيين الفلسطينيين والحجاج المسيحيين الأجانب من المشاركة بمسيرة أو دورة أحد الشعانين التقليدية السنوية الموافقة اليوم الأحد، قبل أسبوع من عيد الفصح بحسب التقويم الغربي في 12 إبريل/ نيسان الجاري، أمّا السبب فليس الاحتلال الإسرائيلي إنّما فيروس كورونا الجديد الذي يهدّد صحّة المحتفلين.
وتُعَدّ دورة الشعانين واحدة من أبرز المسيرات المسيحية التي تُقام في القدس في كلّ عام، يسبقها قدّاس يشارك فيه الرهبان الفرنسيسكان في كنيسة القيامة. وعلى ألحان ترانيم الجوقة المرافقة، يكون تطواف كما في الأعياد الكبرى لثلاث مرّات حول البناء المقدس الذي يضمّ قبر يسوع المسيح، فيما يحمل المشاركون بهذا الحتفال سعف النخيل وأغصان الزيتون.
ولعلّ المحطّة الأهمّ هي المسيرة التي تقام بعد الظهر ويسير في خلالها المؤمنون على الطريق نفسه الدي مشى عليه يسوع عندما استقبلته الجموع في القدس. وهي تنطلق عادة من المكان الذي يضمّ حاليا كنيسة ودير بيت فاجي، في اتجاه كنيسة القديسة حنّة التي تقع على بعد بضعة أمتار فقط من باب الأسباط في البلدة القديمة من القدس.
لا يخفي مستشار حارس الأراضي المقدسة في فلسطين، الأب إبراهيم فلتس، في حديث إلى "العربي الجديد"، حزنه على خلفية إلغاء دورة الشعانين، "إذ لن تقام مسيرة الشعانين التقليدية التي اعتاد أهل الأرض المقدّسة الاحتفال بها، فيما يشاركهم في الحضور أبناء المدينة المقدسة جميعهم". ويوضح أنّ "الأمر مرتبط بتفشي فيروس كورونا الجديد وحرصنا على سلامة مواطنينا. لكن على الرغم من ذلك، سوف يقام اليوم احتفال عند الساعة الرابعة من بعد الظهر في كنيسة الدمعة التابعة للكنيسة الأم، كنيسة القيامة، بحضور عدد محدود من رجال الدين فقط". يضيف فلتس: "نحن نعيش وضعاً صعباً جداً وهو وضع تاريخي لم يحدث له مثيل منذ أكثر من ألفَي عام في حين يجلل الحزن الكنيسة التي أغلقت أبوابها بسبب الوباء".
من جهة أخرى، في ما يخصّ ترتيبات الاحتفالات الأخرى المتعلقة بزمن الصوم الكبير وعيد الفصح، ذكرت مصادر كنسية لـ"العربي الجديد" أنّ سلطات الاحتلال ستسمح بإقامة احتفالات سبت النور الذي يوافق قبيل عيد الفصح بحسب التقويم الشرقي، أي في 18 إبريل/ نيسان الحالي، بحضور 15 شخصاً فقط من الطوائف المسيحية المختلفة. وهؤلاء هم ثلاثة من الأرثوذوكس وثلاثة من الأرمن واثنان من السريان واثنان من الأقباط، إلى جانب أمين عام مفتاح الكنيسة الذي يتحدّر من عائلة جودة المقدسية، فهو موكل بختم قبر المسيح بعد الانتهاء من الاحتفال، بالإضافة إلى بوّاب كنيسة القيامة ومصوّر واثنَين من رجال الشرطة.
والشعور بالحزن في هذا الإطار، عبّر عنّه كذلك مدير المشاريع في الجمعية الوطنية المسيحية، أنطون حنا سنيورة، إذ قال لـ"العريي الجديد" إنّه "في ظلّ الظروف الحالية، أنا كفلسطيني مسيحي أشعر بالأسى لأنّنا لن نحتفل بأحد الشعانين ولا بالأسبوع المقدس الذي يليه يوم الجمعة العظيمة وأحد الفصح أو القيامة، نظراً إلى ما وصلت إليه الأمور على خلفية تفشّي فيرس كورونا". يضيف أنّ "الاحتفالات ستكون في البيوت، وكما صمد أجدادنا، مسلمين ومسيحيين، معاً في مواجهة التحديات السياسية، فإنّنا سننتصر على الوضع الحالي لأنّنا شعب دائم التفاؤل". ويؤكد سنيورة: "نحن نحتفل بأعيادنا في كلّ يوم من خلال صمودنا، على الرغم من المعوّقات والتحديات"، متابعاً أنّ "أحد الشعانين هو ذكرى دخول المسيح متواضعاً وفرحاً على ظهر أتان قبل آلامه وموته على الصليب. وهذه هي حالنا على الرغم من كلّ الألم. نحن فرحون بوجودنا على هذه الأرض".
تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأراضي المقدسة أعلن أخيراً عن إلغاء صلوات أسبوع الآلام للجموع بسبب تفشّي فيروس كورونا، باستثناء تلك التي تقام في داخل الأديرة والتي يشارك فيها رجال الدين. وإلى جانب إلغاء مسيرة أحد الشعانين، ألغيت كذلك المسيرات الأخرى المتعلقة بجنّاز المسيح وباحتفالات عيد الفصح، على أن يُستعاض عن ذلك بمراسم يقيمها رجال الدين ومعاونوهم داخل الكنائس مع بثّ حيّ عبر وسائل التواصل المختلفة.