لم يَدُر في خلد الحسين أوبرشكيك أن تتحوّل رحلة استجمام بمعيّة زوجته وأصدقائه إلى كابوس، ويجدون أنفسهم جميعاً في العزل في مستشفى أغادير، جنوبي المغرب. ويحكي أوبرشكيك (53 عاماً) عن رحلة تعافيه من فيروس كورونا الجديد، بعد ساعات قليلة من مغادرته مستشفى الحسن الثاني في أغادير بمعيّة زوجته صابين ومن تبقّى من أصدقائه الفرنسيين.
يخبر أوبرشيك "العربي الجديد": "لم أكن أتوقع أن تنتهي رحلة استجمام نظّمتها إلى الصحراء برفقة زوجتي وأصدقاء لنا في الحجر الصحي. كنّا نقضي أوقاتاً ممتعة لم يعكّر صفوها بداية غير ارتفاع درجة حرارة أحد أصدقائي وظهور أعراض مشابهة لأعراض الإنفلونزا عليه، قبل أن يتفاقم الأمر". ثمّ باغتت الأعراض زوجة أوبرشيك الفرنسية، فشعرت بارتفاع في حرارتها ترافق مع سعال جاف من دون أن يكون حاداً. وبدأ يهلع عند انتقال العدوى إلى سائق المركبة التي كانوا يستقلونها، في حين لم تظهر عليه هو أيّ من الأعراض.
ومع تضاعف أعراض زوجته ورفاقه، قرّر أوبرشكيك قطع رحلتهم السياحية والعودة إلى مدينة أغادير، حيث كانت المفاجأة في انتظارهم، بعد أن أظهرت التحليلات المخبرية التي خضعت لها زوجته وكذلك باقي رفاقه إصابتهم بالفيروس. ويقول: "في المستشفى، عشت موقفاً تراجيدياً. لم تكن لديّ أيّ أعراض تشير إلى إمكانية إصابتي بفيروس كورونا، والتحاليل المخبرية الأولى جاءت سالبة. لكنّ المفاجأة كانت عندما أظهرت التحاليل المخبرية الثانية أنّني مصاب". يضيف أوبرشكيك: "لكنّ صدمتي تحوّلت إلى فرحة بعدما أدركت أنّ الفيروس لن يتمكّن من إبعادي عن زوجتي وأصدقائي وأنّنا سنكون معاً لمحاربته"، متابعاً "أخال أنّني لو بقيت بعيداً عنهم لحزنت كثيراً".
لم تخلُ تجربة أوبرشكيك في المستشفى من المرح والتفاؤل والإصرار على هزم المرض، على الرغم من أنّ وفاة صديقه الفرنسي في خلال فترة العلاج لم تكن هيّنة عليه ولا على زوجته وباقي رفاقهما. ويقول: "من المؤسف أنّنا فقدنا صديقاً توفي من جرّاء الفيروس، لكنّنا تمكنّا من تجاوز الأزمة بروح التعاون بالمرح والعزيمة والإرادة لهزم كورونا، وهو ما تحقق بحمد الله". يضيف أوبرشكيك أنّه كان يصرّ على نقل تلك الإيجابية إلى باقي المصابين الذين كانوا خائفين وقلقين، أمّا نصيحته لهم فكانت: "لن تنجوا من الفيروس ما لم تخلقوا جوّاً مرحاً".
في داخل الجناح المخصّص للمصابين بفيروس كورونا في مستشفى الحسن الثاني بأغادير، كان مثيراً بالنسبة إلى الطواقم الطبية مشهد أوبرشكيك وزوجته ومن تبقّى من رفاقهما، وهم يقضون بياض نهارهم وسواد ليلهم في العمل وفق برنامج يومي مضبوط يعينهم في معركة "الحياة أو الموت" مع "عدوّ لا يُرى". ويوضح أوبرشيك أنّه "بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً، كنّا نعدّ الفطور ونتناوله بشكل جماعي، لتعقبه حصّة رياضة ومشي لما يقارب الساعة، قبل أن يلتحق كلّ واحد منّا بغرفته للاستحمام والمطالعة أو لعب ورق الشدّة. أمّا في المساء، فكنّا نقضي وقتنا في ممارسة الرياضة لمدّة نصف الساعة واستعادة الذكريات وتجاذب أطراف الحديث والنكت، فيما نحرص بعد تناول وجبة العشاء على مشاهدة الأفلام السينمائية ومناقشتها". ويؤكّد: "كنّا نمارس هوايتنا بشكل عادي، لأنّنا كنّا ندرك أنّ الجانب النفسي أمر أساسي في التغلّب على المرض".
وفي سياق مواجهته للفيروس، يبدي أوبرشكيك استعداده للتبرّع بالدم للمساهمة في علاج مصابين وإنقاذ حياتهم، في حال تمّ اعتماد بلازما دم أشخاص كانوا قد أصيبوا بالفيروس وتعافوا منه لعلاج مصابين يعانون أعراضاً خطيرة من جرّاء مرض كوفيد - 19 الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد. كذلك يبعث برسائل امتنان إلى الفريق الطبي من ممرّضين وأطباء وكذلك عمّال النظافة، إذ بالنسبة إليه كانت لهم أيادٍ بيضاء عليه وعلى بقية أصدقائه في الحجر الصحي. ويؤكد أوبرشكيك أنّه "بفضلهم، أنا اليوم هنا. وهم على الرغم من خطر انتقال العدوى الذي كان يتهدّدهم، بذلوا جهداً كبيراً وأحاطونا بالعناية اليومية الفائقة".
ولأنّ ما عاشه لم يكن سهلاً، يدعو أوبرشكيك جميع المغاربة إلى "ملازمة البيوت واتّباع قواعد الحجر المنزلي والحماية واستخدام الكمّامات، وتطبيق التوصيات والتدابير التي وضعتها السلطات الصحية"، محذّراً من "الاستهانة بمخاطر الفيروس". وينوي أوبرشكيك بعد انقضاء فترة العزل الصحي المنزلي، العودة إلى المستشفى مجدداً، لا كمصابٍ إنّما كمتطوّع ليقدّم الدعم بكلّ أشكاله إلى المصابين والطاقم الطبي وعمّال النظافة، مشدّداً على أنّ "الإرادة والعزيمة والأمل، أسلحة فعّالة في معركة الحياة ضدّ الفيروس".