شواطئ تونسية كثيرة مهدّدة بالزوال اليوم، وهو ما يستدعي عملاً جاداً لوقف ذلك عبر ضبط حركة المياه
تخسر تونس سنوياً عشرات الكيلومترات من شواطئها مع تقدّم مستوى البحر في اتجاه اليابسة. وتآكُلُ الشواطئ يقلّص من مساحاتها ليقترب البحر أكثر من المنازل والمطاعم والنزل القريبة منه، لا سيّما في مناطق من قبيل بني خيار والحمّامات وسليمان وبنزرت التي باتت مهدّدة بالزوال، في حين تحاول السلطات التونسية الحؤول دون مزيد من تقدّم البحر.
يؤكد خبراء بيئيون أنّ أكثر من 300 كيلومتر من السواحل التونسية مهدّدة بالزوال بسبب الانجراف البحري. وتفيد دراسة أعدّتها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بأنّ البحر قد يغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات القريبة من خليج الحمّامات وغار الملح وبنزرت وجزيرة جربة وقرقنة وسوسة، كذلك فإنّ نحو 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية المتاخمة للسواحل التونسية مهدّدة بالخطر.
أحمد، من القائمين على نزل في الحمّامات الشمالية، يخبر "العربي الجديد" أنّه "في السابق، كنّا نضع 100 مظلة على الشاطئ، لكنّ تقدّم البحر لم يعد يسمح إلا بعدد قليل من المظلات التي لا يتعدى عددها العشرين". يضيف أنّ "الشاطئ كان يمتد على مساحة 100 متر، لكنّ المساحة المتبقية اليوم لا تتعدى العشرين متراً"، لافتاً إلى "مخاوف لدينا من أن تبلغ المياه السور المحيط بالنزل".
من جهته، يقول أستاذ علم المناخ في جامعة تونس، زهير الحلاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تقدّم البحر ظاهرة طبيعية ومن أسبابها عوامل مناخية وأخرى بشرية، والأخيرة ناتجة عن عدم احترام البشر للسواحل وتشييدهم مباني قريبة جداً من البحر، الأمر الذي يمنع المساحات الرملية من التجدد". يضيف أنّ "التغيّرات التي يشهدها المناخ والتي صارت أكثر حدّة في السنوات الأخيرة، لا سيّما ارتفاع درجات الحرارة، ساهمت في ذوبان الثلوج في العالم، الأمر الذي يؤدّي الى ارتفاع منسوب مياه البحر". ويبيّن الحلاوي أنّ "تمدد البحار يتسبب بدوره في الانجراف البحري، كذلك تأتي ظواهر تكتونية. وعلى سبيل المثال، سواحل قرقنة المنخفضة التي تُغمر بمياه البحر بصورة أسرع من غيرها. واستناداً إلى دراسة حديثة، فإنّ معدّل تقدم البحر انطلاقاً من عام 2020 وحتى عام 2050 سوف يتراوح ما بين 30 و50 سنتيمتراً، وثمّة سواحل تونسية سوف تُغمَر أكثر من غيرها".
ويشدّد الحلاوي على "ضرورة حماية الشواطئ من الانجراف على الرغم من صعوبتها، لكن في الوقت نفسه لا يمكن الحدّ من أسبابها ومن العوامل المؤدّية إليها". ويتابع أنّ "الغازات الدفيئة تتسبب في الاحتباس الحراري وبالتالي تدفع إلى مثل تلك الظواهر"، مشيراً إلى أنّ "تونس تنتج نسباً ضعيفة من الغازات بمعدّل 0.07 وهي نسب لا تُقارن بما تنتجه البلدان الصناعية مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان والهند التي تتسبب في كثير من الانبعاثات التي تلوّث الهواء". ويتحدّث الحلاوي عن "بلدان عدّة تعمل اليوم على إنتاج طاقة بديلة أو نظيفة، لكنّ ذلك يُعَدّ حلولاً طويلة المدى، ولا بدّ من العمل على التأقلم مع التغيّرات المناخية ومع الأمطار الغزيرة والانجراف البحري وارتفاع مستوى البحر".
في السياق، يتحدّث المدير الجهوي لوكالة حماية الشريط الساحلي في نابل التابعة لوزارة البيئة، نوفل بوقرة، لـ"العربي الجديد"، عن "مخاوف حقيقية من تآكل متزايد للشواطئ بسبب الانجراف البحري وتقدّم مستوى البحر، وهذا أمر يمكن ملاحظته حتى بالعين المجرّدة. وتونس مهدّدة بخسارة مساحات كبيرة من شواطئها، بالتالي يجب العمل على حماية ما يمكن حمايته". ويوضح بوقرة أنّ "نحو 15 كيلومتراً من ميناء بني خيار في نابل وصولاً إلى ياسمين الحمّامات تشهد انجرافاً بحرياً حاداً، فالشواطئ تتآكل ويُخشى زوالها مستقبلاً مثلما حصل في جزء كبير من شاطئ دار شعبان الفهري في نابل الذي غمرته المياه في عام 2008 وفقدناه". ويشير إلى أنّ "مصالح وزارة التجهيز تدخلت ووضعت حواجز صخرية على طول الشاطئ، لكنّها مجرّد حلول آنيّة سريعة".
ويرى بوقرة أنّه "لا بدّ من إيجاد حلول ليّنة تضمن استدامة الشريط الساحلي وحماية البيئة بعيداً عن الحلول السريعة التي تقوم على وضع الصخور. ومن بين الحلول التي نعمل عليها في وكالة حماية الشريط الساحلي وضع حواجز أو كاسرات أمواج وسط البحر، من شأنها إضعاف الأمواج حتى لا تضرّ بالشواطئ وبرمالها، بالإضافة إلى أخرى على الشواطئ لضمان عدم انجرافها مجدداً". ويؤكد أنّ "الدراسة التي أعدّتها الوكالة تقوم على التدخّل على المدى البعيد لحماية الشواطئ من الانجراف". ويلفت بوقرة إلى أنّه "من المنتظر أن يتمّ قريباً إصدار طلب عروض لحماية الشريط الساحلي من الانجراف البحري، وتتعلق الدراسة بالتدخل على مسافة 15 كيلومتراً من نابل حتى الحمّامات، وهي تتطلب اعتمادات مالية لا تقلّ عن مائة مليون دينار تونسي (نحو 35 مليون دولار أميركي) للانطلاق في الأشغال". ويأمل بوقرة بـ"الإسراع في الإنجاز، لأنّ الانجراف يتقدّم سنوياً وثمّة مناطق عدّة متضررة"، قائلاً إنّ "تكلفة ترميم شاطئ ما باهظة جداً وهي تقدّر بالمليارات. وما نعمل عليه هو إصلاحات للمحافظة على ما تبقى وليس لاسترجاع ما فُقِد، فعملية الاسترجاع صعبة لا بل مستحيلة. بالتالي يجب على الجهات المعنية الانتهاء من الدراسات والانطلاق في العمل لإنقاذ الشواطئ التونسية المهددة".