في كرة القدم، يحتسبُ الحكم الركلات الحرة عندما يرى أن أحد اللاعبين كسر قاعدة ضمن القانون المنصوص عليه. وبحال كان مركز الخطأ المحتسب مناسباً للتسديد، أو على بعد 30 متراً من المرمى تقريباً، يحاول الفريق المهاجم عادةً تسديد الكرة مباشرة نحو المرمى، أي لا يقوم اللاعب برفعها أو إسقاطها إلى داخل المنطقة لتجد رأس أحد زملائه.
يقوم حارس المرمى في الوقت عينه، بشكلٍ روتيني، بوضع "جدار" من اللاعبين بوجه الكرة لحماية المرمى، وذلك بهدف تعقيد المهمة على المسدد قدر المستطاع ولصدّها إذا نجح في ذلك، وهذا دوره بطبيعة الحال.
في حين أن هذه الاستراتيجية غالبًا ما تكون فعّالة على مرّ الزمن، فإن الجدار كثيراً ما يعيق الرؤية الأولية لحارس المرمى، لحظة تسديد الكرة.
على الرغم من أن الخبراء افترضوا الآثار السلبية لهذه العرقلة، إلا أنه لم يتم الحديث عن ذلك من الناحية العلمية حتى وقتٍ قريب، بعدما كشف النقاب عن أمور جديدة ومهمة.
وفي دراسة علمية قام بها فريق متخصص في جامعة "Queen's University Belfast"، تمّ إنشاء جهاز محاكاة خاص بحارس المرمى، استخدم خلاله الواقع الافتراضي، وشارك فيه 25 شاباً تراوح أعمارهم بين العشرينيات والثلاثينيات، إضافة إلى حراس متخصصين في هذا المركز.
وترى العينان اللتان تمت الاستعانة بهما اللقطة من منظور مختلف قليلاً، ما يمنح رؤية ثلاثية الأبعاد، ليخلق هذا الواقع الافتراضي نظرة مميزة واضحة، وذلك من خلال تقديم صورة باستخدام جهاز مثبت على رأس الشخص الذي قام بالتجربة الجديدة.
تعتمد الصور الدقيقة للمشهد الافتراضي المعروضة على كلتا العينين على موضع القياس المستمرّ واتجاه وتحرك رأس الشخص، بالتالي يُمكن رؤية ما يحصل على شاشة منفصلة للباحثين، وهو بدوره يحتوي على أجهزة استشعار لدراسة الموقف والحالة التي تحصل أمام الباحثين.
تتحرك الكرة على طول مسار محدد وخط معين، مع الأخذ بعين الاعتبار الجاذبية والتأثيرات الديناميكية الهوائية للاحتكاك ودوران الكرة، ويتم أيضاً استخدام هذه المحاكاة لإظهار صورة متحركة لحارس المرمى بشكلٍ واقعي للركل، بناءً على تسجيلات الركلة الحرة الفعلية أي في أرض الواقع.
آثار الجدار
أثبتت الدراسة أن إعاقة الرؤية الأولية للكرة تؤثر على حارس المرمى. عندما تظهر الكرة لاحقاً فوق السد وتمرّ فوقه تقريباً، يبدأ حارس المرمى بالتحرّك لاحقاً، ما يترك وقتاً أقل لحامي العرين من أجل الوصول إلى الكرة وإنقاذ المرمى.
بدون جدار، يمكن لحارس المرمى أن يصل إلى الكرة ويلتقطها أو ينقذ مرماه، ما يعني أن التصديات ستصبح أعلى وأكثر.. ووفقاً للدراسة، فإن الجدار كان أكثر فائدة للركلات الحرة السريعة أو للضربات الثابتة التي تتطلب تحريك جسم حارس المرمى بالكامل.
كانت التأثيرات متسقة للغاية، ومن المُحتمل أن تكون مختلفة في اللعب الحقيقي، حيث تتطلب الركلات الحرة حركة أكبر لحارس المرمى، إذ يخفي الجدار أيضًا جزئيًا تسديد الكرة، ومع ذلك لا تقترح الدراسة على حراس المرمى عدم استخدام الحائط بعد الآن.
تُشير النتائج إلى أن أي قرار بعدم وضع جدار أثناء الركلة الحرة يكون أكثر صلة بالركلات السريعة التي تترك لحارس المرمى القليل من الوقت، وستكون الآثار السلبية أكثر وضوحاً عند مواجهة منفذي الركلات الحرة أصحاب الخبرة والمتخصصين في هذا المجال، على غرار بيكهام وميسي مثلاً، الذين يسددون باستمرار حول الحائط أو فوقه مباشرة بطريقة غير تقليدية.
استغلال الجدار الدفاعي
تتطلب الاستفادة من النتائج التي تم التوصل إليها اتباع نهج يعتمد على علم البيانات والمزيد من الدراسات في هذا المجال. سيحتاج حراس المرمى والمدربون أن يوازنوا بين احتمالات تسديد الركلة إلى الحائط مقابل قدرة حارس المرمى على رؤية تحليق الكرة بالكامل.
ويؤكد البحث أن قدرة حارس المرمى على إيقاف الركلة الحرة، تعوقها الرؤية البصرية الناتجة عن الجدار الدفاعي للاعبين، وهو عيب كانت الفرق تستغله في سيناريوهات الركلات الحرة على مرّ السنين.
على سبيل المثال، عادة ما تضعُ الفرق المهاجمة لاعبين إضافيين في الحائط. بموجب القواعد الحالية، يجب أن يقف هؤلاء اللاعبون على بعد متر واحد على الأقل من أي لاعب في الجدار المدافع لتجنّب أي تدخل واحتكاك جسدي.
ومع ذلك حتى على مسافة متر واحد، لا يزال بإمكان هؤلاء اللاعبين الإضافيين التدخل في اللعب والتأثير على الموقف، عن طريق إعاقة رؤية حارس المرمى بأكبر قدر ممكن.
يُظهر الاستخدام الشائع لهذه الاستراتيجية أن الفرق تفهم الفوائد المحتملة لحجب رؤية حارس المرمى.
الركلات الحرة ستبقى لعبة القط والفأر بين حارس المرمى ومنفذ الكرة، وتشير النتائج إلى أن أصحاب هذا المركز الحساس يجب أن يحسّنوا نظرتهم للكرة، بينما يجب على الفرق المهاجمة أن تسعى لرفع مستوى الإعاقة البصرية لحامي العرين.
ويزعم حراس المرمى دائماً أنهم يرون الكرة من خلال سيقان اللاعبين قبل تنفيذ الركلة، إلا أنّهم في الغالب لن يروا مسارها بعد ركلها مباشرة، ما يعني أن الدماغ بحاجة لوقت أطول لتحليل الموقف واتخاذ القرار بشأن المكان الذي ستتجه إليه الكرة.
وأكدت الدراسة أن المكان الذي تنفذ منه المخالفة يلعب دوراً مهماً، فالركلات التي تحتسب من موقع مركزي بمواجهة المرمى مباشرة، تشكل تهديداً أكبر على حراس المرمى، إذا كان يقف أمام حائط صد.
أرقامٌ علمية
تقدر الدراسة أن فترة إعاقة الرؤية لدى حارس المرمى أثناء وجود الجدار البشري تصل إلى حوالي 200 مللي ثانية تقريباً، ما يعني أن ردّ فعله سيكون أبطأ بما يصل إلى 90 مللي ثانية لحظة انطلاق حركته للتصدي للكرة في حال عدم وجود حائط.
وأخيراً مع وجود حائط الصد في مكانه المعتاد، فإن احتمال إنقاذ الحارس لمرماه يقلّ بنسبة 13% بحال لم يكن حاضراً، فهل يتغير في المستقبل عالم كرة القدم؟ وهل نرى في بعض المباريات ضربات حرّة بدون حائط صد؟