في عام 2011، أصدر أمير قطر قراراً بتأسيس اللجنة العليا للمشاريع والإرث، مكلفة بإدارة شؤون مونديال 2022، وربطها برؤية قطر 2030 بالتنسيق مع جميع الوزارات المعنية، بعد أن كان الأمر يتعلق سابقاً بلجان تنظيم كأس العالم مؤقتة، تنتهي مهامها وصلاحياتها بانتهاء كأس العالم، وهو الأمر الذي لم يتوقف عنده الملاحظون كثيراً، سواء تعلق الأمر بالتسمية أو المهام، أو مدة الصلاحية التي تحمل في الحالة القطرية أبعادا تتجاوز عام 2022.
وتعتني اللجنة بالمشاريع المرتبطة بالمونديال وإرث إنساني وفكري وثقافي ومادي يُساهم في تحقيق التنمية المستدامة بعد المونديال، ويسمح بتجاوز عمليات بناء الملاعب وملاحقها، إلى بناء بلد وتحقيق تنمية بشرية شاملة، لخوض معارك أخرى اجتماعية واقتصادية وتجارية، تساهم في خلق مصادر ثروة جديدة بعيداً عن المحروقات.
تسمية لجنة تنظيم كأس العالم كانت تطلق على كل اللجان المحلية المكلفة بتنظيم البطولة الكبرى، أما تسمية اللجنة العليا فقد كانت إلى وقت قريب تطلق على هيئات تتولى الإشراف على عمليات محددة سياسية واقتصادية وتجارية، في مجالات مختلفة على مستوى الحكومات والدول، لكن في القاموس القطري، تحولت إلى لجنة عليا للمشاريع والإرث، لا تحمل في طياتها إشارة الى كرة القدم ولا إلى كأس العالم بطريقة مباشرة، رغم أنها مكلفة بشؤون كأس العالم لكرة القدم 2022، وتتولى رسم استراتيجية الدولة المتعلقة بالمونديال وإعداد ومتابعة تنفيذ الخطط الإنمائية والاقتصادية والبنية التحتية للدولة، وإقرار ومتابعة تنفيذ كل المشاريع بالتنسيق مع الوزارات المعنية، كما جاء في مضمون القرار الأميري لعام 2011، الذي منحها كل الإمكانيات والصلاحيات.
لم تكتفِ اللجنة العليا بالإشراف على تشييد الملاعب الثمانية التي ستحتضن المونديال، بل إقرار ومتابعة تنفيذ كل المشاريع المرافقة المتعلقة بالمواصلات والاتصالات والطرق والمترو، وحتى الميناء والمطار والمرافق السكنية والثقافية والسياحية والترفيهية، وستتولى فيما بعد عمليات تسييرها وصيانتها واستغلالها في مختلف النشاطات السياسية، والثقافية، والفنية، والسياحية.
ونجحت في مهمتها رغم الأزمة السياسية الخليجية التي دامت ثلاث سنوات، والأزمة الاقتصادية العالمية التي رافقت تراجع أسعار المحروقات في وقت ما، وتداعيات تفشي فيروس كورونا الذي شكل تحدياً إضافياً لاستكمال كل المشاريع في وقتها، وبجودة عالية تدر عائدات اقتصادية بعيدة المدى تقدر بتسعة مليارات دولار، من دون الحديث عن العائدات الإنسانية والمعنوية.
بالإضافة إلى الإشراف على المشاريع، فإن اللجنة العليا في قطر هي لجنة الإرث أيضا، أو بالأحرى الرصيد المادي والمعنوي الذي ستخرج به قطر من تنظيم المونديال، لن تنتهي مهامها وصلاحياتها بانتهاء كأس العالم، بل ستتولى الحفاظ على الإرث الفكري والثقافي والمادي والبيئي، وتسييره وصيانته واستغلاله في مختلف النشاطات المستقبلية بعد المونديال، لتحقيق مزيد من النمو والرفاهية للأفراد والمجتمع القطري في إطار رؤية قطر 2030، التي تهدف إلى استكمال مشاريع أخرى في كل المجالات، بالاستناد إلى الإرث المادي وغير المادي الذي يخلفه تنظيم كأس العالم، ثم كأس آسيا للأمم، وبعده الألعاب الأسيوية، والألعاب الأولمبية سنة 2032، وفعاليات سياسية واقتصادية وثقافية وفنية كبرى، لنقل قطر إلى عالم آخر.
من خلال تسمية اللجنة ومهامها وديمومتها، اتضح للجميع أن كأس العالم 2022 بالنسبة للقطريين ليست غاية بل هي مجرد وسيلة لبناء مشروع بلد والحفاظ على الإرث الذي ينبثق منها، في تجربة فريدة ملهمة لغيرها من البلدان والمجتمعات التي تستفيد من التجربة القطرية لإحداث التغيير الإيجابي فيها من خلال الاستثمار في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى.