إنه مهاجم فتّاك، لاعب غير عادي، هو مزيج حقيقي بين مهارات نجوم السيلساو القدامى وأهداف الأسطورة روماريو، ورغم رحيل سكولاري وقدوم دونجا، إلا أن الفتى الذهبي ما زال هو الرقم الصعب في تشكيلة أباطرة السامبا البرازيلية. هكذا كان تعليق النقاد والصحافيين في الأراضي التركية خلال المباراة الأخيرة بين البرازيل وتركيا، وبالطبع ذهب كل المديح إلى الهداف الشاب والسهم الخاطف، نيمار دا سيلفا سانتوس جونيور.
ومع التألق غير العادي لنيمار هذا العام، سواء مع فريقه برشلونة أو منتخب بلاده البرازيل، فإن النجم الصغير أصبح أحد الهدافين التاريخيين للكرة البرازيلية برصيد 42 هدفاً في 59 مباراة فقط، وإذا استمر على هذا المعدل نفسه فتحطيم أرقام روماريو ورونالدو وبيليه سيكون أمراً غير صعب بالنسبة لليافع الذي تعقد عليه الجماهير في بلاد السامبا آمالاً كبيرة لاستعادة السطوة مرة أخرى، والعودة من جديد إلى منصات التتويج خلال السنوات المقبلة.
أعطني حريتي
يحصل نيمار مع منتخب البرازيل على الحرية الكاملة، هو الجناح الأيسر واللاعب الذي ينطلق على اليمين، والمهاجم الصريح في المركز 9 بالملعب، وصانع اللعب الذكي الذي يتحرك في الوسط، والمهاجم القابع داخل مناطق الجزاء، وإذا أردنا توصيف حالة دا سيلفا مع السيلساو، سنتجه إلى كلمة واحدة غير قابلة للتأويل، إنها "الحرية التكتيكية" في أعظم صورة لها، وذلك لأن اللاعب من طينة النجوم الذين يجب أن يشعروا بسطوتهم وأهميتهم حتى يقدموا المأمول وما يريده الجميع منهم.
لكن في بارسا الأمر مختلف نوعاً ما، هناك ميسي وإنييستا وتشافي والقادم من الأراضي البريطانية، لويس سواريز، بسبب غياب المساحات الكبيرة التي يتحرك فيها الجناح المهاجم، ووجود أسماء أخرى تشاركه المهارة والرغبة في خطف الأضواء من الجميع، وإن كان هناك هامش واضح من التحسن خلال هذا الموسم مع برسا لوتشو، فلأن المدرب الجديد من هواة المهاجمين الهدافين، ولا يطلب من نيمار التواجد فقط على الرواق الأيسر كجناح، بل المهمات التكتيكية تكون أشمل من ذلك.
نيمار هذا الموسم مع برشلونة أفضل من نسخة الموسم الماضي. بكل تأكيد انتهت المشاكل الخاصة بقيمة الصفقة، وتلاشى تركيز الإعلام الإسباني على كل كبيرة وصغيرة للبرازيلي، وزاد الانسجام والتعاون بين اللاعب وزملائه، لكن، أيضاً، أصبح نيمار يلعب أكثر في العمق، لا يكتفي بدور صانع الأهداف أو نجم المراوغات على الخط، بل يدخل كثيراً إلى الصندوق ويطلب الكرة في الثلث الأخير، حتى اقترب مستواه من التألق الدولي لكن لم يصل إلى علامته الكاملة بعد.
ميسي.. ظالماً أم مظلوماً؟
يتسلم ميسي الكرة، ويحاول مراوغة أكثر من لاعب مع الفُرجة الكاملة من بقية لاعبي برشلونة، هذا هو المشهد الرئيسي قبل لحظات من هدف ألميريا الأول في شباك كلاوديو برافو، وحمّل الكثيرون هذا الهدف للأرجنتيني الذي فقد الكرة، وسمح بالهجمة المرتدة، ولكن إذا حصلنا على الصورة الكبيرة للمباراة، سنجد أن ليو فقط من يطلب الكرة، وهو أيضاً من يتحرك بها، والأغرب أنه من يمرر ويحاول ويريد الأهداف، أما الفريق فذهب ولم يعد حتى الآن.
وفي أكثر من لقطة في المباراة، يحاول ميسي أن يبدأ الهجمة من خط المنتصف تقريباً، وفي بعض الأحيان يعود إلى الدفاع كي يبني التركيب الهجومي من البدايات، وهذه اللحظات هي قمة البلاء بالنسبة للنادي الكتالوني، لأن النظام الناجح يعني تسلّم ميسي الكرة في الخطوط وبينها، وخلال المناطق الخطيرة في الثلث الهجومي الأخير من المستطيل الأخضر، لذلك تعملق الملك رقم 10 في السنوات الأخيرة، وقال جوارديولا في حقه أشهر تصريح ممكن: لقد جئت لكي أجعله الأفضل فجعلني الأفضل.
قوة ميسي الرئيسية، ولكي يحصل عليها في هذه المناطق، يجب أن تكون التمريرات من خلفه مميزة وذكية، وتكون التحركات أمامه مستمرة، ولها هدف رئيسي سواء في العمق أو الأطراف، لأن ما يُميز برشلونة جماعيته، وإذا غابت هذه الميزة، أصبح الفريق في خبر كان.
فتش عن خط الوسط
صنع لاعبو وسط ريال مدريد 17 هدفاً هذا الموسم في بطولة لا ليجا، بينما صنع لاعبو وسط برشلونة هدفاً واحداً فقط خلال 11 مباراة، وكأن الحال انقلب رأساً على عقب، ولم تعد البوصلة موجودة كالسابق، لأن الأحمر والأزرق وصل إلى قمة تاريخ اللعبة نتيجة نجاعة منطقة المنتصف وبراعة نجومها في صناعة الفارق، لذلك قبل أن يشكر الجميع ليونيل ميسي وبيب جوارديولا، كان الثناء موصولاً للنجمين، تشافي هيرنانديز، وأندريس إنيستا.
ومع كبر سن تشافي وانحدار مستوى إنيستا ورحيل فابريجاس وتعويضه فقط بإيفان راكيتتش، فكر إنريكي في الاعتماد على نظام الطرفين، بصعود الظهيرين إلى مراكز الهجوم، وتغطيتها بلاعبي الوسط، مع التركيز على قدرات الثلاثي الهجومي، لكن هذه الفكرة لم تنجح بشكل كبير حتى الآن، بسبب ضعف خاصية الحسم عند داني ألفيش، وانشغال لاعبي الوسط بالمهمات الأخرى خلف الأظهر، وترك بوسكيتس وحيداً، وأمامه ميسي في عمق الوسط، مما جعل منطقة الارتكاز مستباحة إلى أقصى درجة.
ولكل هذه الأسباب، يجب على لوتشو ضرورة إعادة التفكير مرة أخرى في أسلحته التكتيكية، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال فترة التوقف الحالية، والسير على خطى صديقه جوارديولا، الذي تأكد تماماً بعد أول مواسمه مع بايرن، استحالة الوصول إلى الكمال الكروي مرة أخرى، فركز على تقوية الجوانب الدفاعية واللعب بخطة براجماتية بوجود خماسي في الدفاع عند الحاجة، مع ترك الأمور الهجومية لأصحاب القدرات الخاصة في الأمام، فظهر البافاري بشكل أفضل هذا العام.
نيمار والرفاق
"مرت فقط 11 مباراة، في 8 جولات الأولى كانوا في الجنة، والآن أصبح الوضع أقرب إلى الجحيم. هناك مدرب جديد، أسماء أخرى، أفكار جديدة، وكل هذا يحتاج إلى وقت، لذلك ما زالت التجربة في بدايتها وتستحق الصبر" يؤكد يوهان كرويف عّراب أمجاد برشلونة والنجم التاريخي للكرة الهولندية، أن تجربة لويس مع برشلونة تستحق الصبر والانتظار، وأن الأحكام المبكرة لن تفيد النادي في شيء، لذلك يجب على الجميع التحلي بسلاح الصبر وترك وجهات النظر إلى نهاية المشوار.
وبالعودة إلى التألق غير العادي لنيمار هذا الموسم مع البرازيل وأهدافه المميزة مع الفريق الكاتلوني، ومع عودة سواريز واستعادته حساسية اللعب مع الوقت، فإن لوتشو مطالب ببعض التعديلات الفنية، ومحاولة صناعة نظام تكتيكي يناسب قدرات لاعبيه الحقيقية، ويضمن له في البداية حماية مرماه من أي هدف، ومن ثم الرهان على قدرات الثلاثي اللاتيني في صناعة الأهداف وتسجيلها.
لذلك يجب التركيز على الاستفادة القصوى من أهداف نيمار وجوع سواريز، بجعلهما الثنائي الأقرب إلى دور المهاجم الصريح/ الجناح المقلوب، أي يلعب الثنائي بالتبادل داخل مناطق الجزاء وخارجها، وخلفهما ليونيل ميسي كصانع لعب حقيقي رقم 10، وبالتالي يتحكم الهجوم في الفراغات بالكرة وبدونها، لأن نيمار وسواريز يلعبان على الورق في مركزين، لكن داخل الملعب يصبح التحرك شاملاً لأربعة مراكز على الأروقة وداخل الصندوق.
مع تقوية الشق الدفاعي بتواجد ثنائي صريح في العمق بالإضافة لاعب إضافي، أي بيكيه/بارترا مع ماتيو، بالإضافة إلى ماسكيرانو كلاعب حر بين الدفاع والوسط على طريقة دافيد ألابا مع بايرن، الظهير الذي يلعب كمدافع ولاعب وسط في آن واحد، مع إغلاق الأطراف بالظهيرين ألفيش/بيدرو وألبا، وتواجد اثنين من الثلاثي بوسكيتس، راكيتتش، إنيستا في المنتصف، لتصبح الخطة مزيجاً بين 3-4-1-2، و4-3-1-2، والسر في الأرجنتيني ماسكيرانو، الذي يلعب في الطريقة الأولى كمدافع ثالث، وفي الثانية كلاعب ارتكاز مساند إلى جوار بوسكيتس.
فترة التوقف الحالية مفصلية ومحورية في مسيرة البلاوجرانا هذا الموسم، لأن النجاح بعدها يعني استعادة زمام المبادرة والعودة مرة أخرى إلى المنافسة الحقيقية، أما الاستمرار على النهج النهج الأخير سيعني صعوبات كبيرة وحقيقية ستواجه الفريق، لأن الثلاث مباريات الأولى بعد العودة ستكون أمام إشبيلية، فالنسيا، إسبانيول، والملعب هو الحكم في النهاية.