إذا راقبت الجهاز الفني والتقني لبرشلونة، ستجد طاقماً كبيراً للغاية خارج الخط، يتقدمهم لويس إنريكي، المدير الفني الذي يساعده فريق كامل من المدربين، ما بين رياضي، تكتيكي، طبي، نفسي، وبدني بكل تأكيد. ومن بين هؤلاء، رافا بول، الشاب الرشيق الواقف دائماً بجوار لوتشو داخل الملعب، وأصغر أعضاء الطاقم الخاص بالنادي الكاتلوني، وإذا كان خوان كارلوس أونزي هو الساعد الأيمن للمدرب، فإن رافا هو ساعده الأيسر، والجندي المجهول وراء تفوق الأحمر والأزرق حتى الآن هذا الموسم.
في الكرة الحديثة والتكتيك الحر، أصبح عمل المجموعة هو الأساس، والمدير الفني ما هو إلا ترس وسط آلة تدريبية لا تتوقف عن العمل، هو الرقم 1 في هذه المجموعة لكنه جزء من عدد، وليس هو الكل في الكل، لذلك من المجحف نسب كل نجاحات الطاقم الفني الكاتلوني لإنريكي، لأن هناك أسماء أخرى تستحق الذكر.
الصغير
رافا بول أصغر اسم بالجهاز، شاب من اكتشافات لوتشو، ذهب معه إلى إيطاليا ثم عمل معه في سيلتا فيجو، وتعتبر تجربة برشلونة هي الثالثة بين الثنائي، ويعمل المدرب فقط في الأمور والنواحي البدنية، وتعود معرفته بلوتشو إلى دخولهما سوياً في أكثر من سباق للضاحية، بالإضافة إلى ماراثون الجري في الصحراء وتحدي الرمال، ويمتاز بسمعة جيدة في هذا المجال رغم سنه.
بول مواليد 1987، حصل على شهادة في العلوم البدنية وبالتحديد لكرة القدم عام 2010 من جامعة برشلونة، ثم ماجستير في منع ومعالجة الإصابات الناتجة عن ممارسة كرة القدم عام 2011، ثم شهادة موثقة للتدريب من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم سنة 2012. وله مؤلف كتابي عن الإعداد البدني في الكرة الحديثة، وبدأ العمل الاحترافي مع روما بعد اختياره من قبل لويس إنريكي، قبل أن يعود إلى إسبانيا مع فيجو، ثم برشلونة.
ويدور عمل رافا الرئيسي حول منع الوصول إلى مرحلة الإصابة، بمعنى أنه يتعامل مع اللاعبين خلال التدريبات، قبل وأثناء وبعد المباريات، من أجل الحفاظ على مستوى لياقتهم وقدرتهم البدنية، وحمايتهم من التمزقات العضلية، والإصابات التي تجعلهم معرضين للغياب الطويل عن الملاعب، لذلك تعتبر مهنة "الإعداد البدني" من أهم الوظائف الحيوية في كافة الأجهزة الفنية الحديثة.
إصابات برشلونة
من بين الرباعي الأوروبي الكبير في دوري الأبطال، برشلونة فقط صاحب أقل عدد إصابات في الأمتار الأخيرة من عمر المسابقات، فريال مدريد يغيب عنه لاعب الوسط، لوكا مودريتش، بعد إصابته مرة أخرى خلال مباراة ملجا، أما يوفنتوس فيفتقد إلى خدمات، بول بوجبا، منذ مباراة دورتموند السابقة، فيما يواجه بايرن أكبر نسبة إصابات هذا الموسم، بعد غياب كلٍّ من ألابا، ريبري، روبين، وأسماء أخرى عن كتيبة جوارديولا.
البرسا هو الاستثناء، رغم أنه لم يتعاقد مع أي لاعب جديد في يناير/كانون الثاني بسبب الحظر، ورغم أن نجم بقيمة سواريز، مثلا،ً لم يبدأ مرحلة الإعداد مع الفريق، بالإضافة إلى البداية الصعبة للفريق خلال عام 2014، لكن العمل الكبير تم حصده نتيجة سياسة المداورة، التي انتهجها الجهاز الفني رفقة الطاقم البدني، للوصول إلى الأمتار الأخيرة بأكبر قدر ممكن من الأقدام المنتجة داخل المستطيل.
شارك راكيتتش في 31 مباراة بالليجا، بوسكيتس في 31 أيضاً، تشافي في 28، انيستا ورافينيا في 21، وسط كامل يشارك في أكثر من 20 مباراة بالدوري المحلي، أي هناك بدائل عديدة في كل مركز رغم ضعف القائمة الرئيسية للفريق بشكل عام، بسبب قلة الصفقات وحظر الفيفا، وبالتالي هناك عمل رائع ومختلف من الطاقم التأهيلي بالكامل.
سواريز
بعد واقعة العضة الشهيرة لسواريز خلال مونديال 2014 ضد كيليني، تم إيقاف كابتن "هانيبال" لفترة طويلة جداً عن اللعب والتدريب، وحينما تعاقد برشلونة مع الهداف اللاتيني، توقع معظم المتابعين بأن وقت الحصاد سيتأخر لموسم 2015-2016، خصوصاً أن اللاعب غاب تماماً عن أية تدريبات لمدة تصل إلى أربعة أشهر، وبالتالي من الطبيعي أن يتأثر مردوده البدني والفني بهذه المشكلة المعقدة.
لويزيتو لاعب ذو شخصية كبيرة، ويعرف كيف يستعيد حاسته التهديفية في الوقت المناسب، لكن عودة سواريز البدنية لم تكن أبداً تكتمل بدون رافا بول، المدرب الذي رافق الأوروجواياني في كافة خطواته بعيداً عن المستديرة، لدرجة أن لويس إنريكي طلب منه شخصياً المكوث معه داخل منزله، لمحاولة تجهيزه لياقياً قدر المستطاع.
يقول رافا عن هذه المرحلة: "لقد وجدت لاعباً قويّاً للغاية، لم يرهقني أبداً، بالعكس ساعدني على نجاح البرنامج التأهيلي، بعد أن عملنا معاً لفترة طويلة، وطبقت كل ما تعلمته طوال دراستي على هذا التحدي صعب المراس، لذلك عودة سواريز القوية كانت نجاحاً حقيقيّاً بالنسبة إليّ ولكل أفراد الجهاز الفني.
التلميذ النجيب
تتلمذ رافا بول على يد الأخصائي العملاق، فرانسيسكو سييرول، الخبير البدني الكبير، الذي عمل من قبل مع جوارديولا أثناء حقبة برشلونة التاريخية، وتعلم التلميذ من أستاذه أهمية التعامل مع اللاعبين بدنياً بعد المباريات، لأن هذه النقطة الخاصة باليوم التالي للمواجهات تعتبر مهمة جداً للأندية الكبيرة، خصوصاً فريق برشلونة الذي يلعب مباراة كل ثلاثة أيام تقريباً، ويحتاج دائماً إلى عمل مضاعف على المستوى البدني.
ومع ظهور استراتيجية الضغط والمرتدات بكثرة في السنوات الأخيرة، يؤمن المعد الشاب بأن أفضل حل ممكن للحفاظ على انتعاشة اللاعبين، يكمن في تحويل التدريبات إلى ما يشبه المباريات، من أجل التعامل المميز مع الفرق التي تمتاز بسرعات واضحة، وحتى لا يتأثر لاعبو الفريق بالمجهود المفاجىء، فتكثر حالات التمزق العضلي في الأوقات الحاسمة من الموسم.
"الإعداد للمباراة بأشياء وأفكار لا تحدث في المباراة نفسها أمر غير مفيد، وأفضل طريقة ممكنة للنجاح هي إجراء التدريبات بنفس أدوات المباريات، وعدم الفصل أبداً بين التمرين الفني ونظيره البدني"، رافا بول في حديث قديم حينما تم تعيينه ضمن أفراد طاقم برشلونة. وإذا قارنا هذه التصريحات بعمل الفريق الحالي، فسنجد بوضوح أن وراء كل فريق ناجح، مُعِدٌّ بدني مبتكر!