"بورج شخص رائع وأسطورة حية، ولكن احتلال المركز الثاني بالنسبة لي مثل المركز الأخير، في هذه القائمة كان يجب أن أحتل المركز الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، مع كامل التقدير للبقية، أنا زلاتان، النجم الأعظم على الإطلاق في تاريخ السويد". هكذا علّق إبراهيموفيتش على اختيار لاعب التنس بيورن بورج كأفضل رياضي في تاريخ الدولة الإسكندنافية، ليعبر عن رفضه البالغ واعتراضه الكبير على هذا التتويج.
كلمات صادمة وعبارات بها كم غير طبيعي من الثقة بالنفس، ومن الممكن أن يفهمها البعض كغرور قاتل يُعرف عن النجم الكبير، وفي كلتا الحالتين يُمثل زلاتان حالة خاصة جداً تجعله محور حديث غالبية المتابعين، ليس فقط في كرة القدم بل في مختلف أبواب الصحف والمجلات، لذلك يحصل السلطان على نصيب الأسد من عناوين المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، سواء اتفق معه الجمهور أو اختلف عليه.
العودة للبدايات
طفولة إبراهيموفيتش غريبة كما سردها في "أنا زلاتان"، لم يكن له أصدقاء أو أحبة، كان رفيقه الدائم هو "فيدو ديدو"، وهذا الرفيق ليس بشرا مثلنا، بل دراجة سريعة أهداها له أخيه، للتنقل والتنزه والذهاب إلى المدرسة والتدريبات، لكنها سُرقت منه سريعاً وكأن القدر يوجهه في البدايات لكي يظل على حالته الأولى، طفل عدواني لا يتمتع بأي علاقات وفاقد الصلة بكل من حوله، فقط معتز بذاته وفخور بشخصيته التي قادته إلى مواقف في غاية الإحراج، لدرجة أنه كان معرضا للطرد من فريقه في سن الثالثة عشرة بسببها.
يُعّنف إبرا زملاءه فيقوم الحكم بإشهار البطاقة الصفراء له فيواصل الهجوم على الجميع، حتى طالب أولياء الأمور برحيل زلاتان، وكان هذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يلعب "التايكوندو"، الرياضة التي أحبها كثيراً وجعلته يدافع عن نفسه في أي شجار، وظن بعدها أن كرة القدم لعبة مملة لا قيمة لها، حتى عاد إليها من جديد بطلب من المدرب، الرجل البسيط من وجهة نظره.
عاش زلاتان طفولته في ضواحي مالمو، مكان مليء باللصوص والأوغاد على حد تعبيره، تعلم كل شيء في الشارع، واعتمد على نفسه خصوصاً مع المعاملة الجافة من أهله، لا أحد يسأل عليه ولا يوجد شخص يتعاطف معه، حتى حينما يعود مصاباً نتيجة شجار بالمنطقة، كان يسمع مزيدا من الإهانات من أهله لأنه لم يستطع حماية نفسه، لذلك نشأ إبراهيموفيتش منذ الوهلة الأولى دون الاستمتاع بطفولة حقيقية، وسط أسرة ممزقة، أم مهاجرة تزوجت من والده حتى تحصل على الجنسية، وبعدها تم الانفصال ليعيش الطفل معها ويذهب إلى أبيه من أجل التنزه والحصول على الأموال، وكانت هذه الخطوة الأولى في إضافة عامل الصلابة لطبعه، لأنه آمن بأنه هو فقط من يستطيع النهوض بنفسه إذا أراد.
الثعبان
يتميز الثعبان بحركة نمو مستمرة طوال فترة حياته لكنه يكون أبطأ مع التقدم في العمر، وعندما يفوق نموه حجم جلده فإن هذا الجلد يتبدل ويحل محله جلد جديد. وزلاتان إبراهيموفيتش يشبه ذلك الثعبان على ملاعب المستديرة، لأنه حالة كروية خاصة جداً.
خلال فترة أياكس، نموذج للـ Nine and half أو التسعة ونصف كما يطلق عليه في ملاعبنا. نصف مهاجم ونصف صانع لعب، يلعب خلف المهاجم الصريح، يمرر ويصنع أكثر ما يسجل. وحينما ذهب إلى يوفنتوس، استمر في أداء هذا الدور مع الاهتمام أكثر بالتمريرات وصناعة الأهداف، لذلك لعب في الخلف قليلاً كمهاجم متأخر خلف الهداف الرئيسي داخل مناطق الجزاء.
ثم بعد ذلك مع الانتر لعب دور الرجل الأوحد، أنا ابرا كادبرا، أنا أفضل لاعب في الكالشيو، أنا أستحق أن أكون في أفضل مكان بالعالم. هو المهاجم وصانع اللعب والنجم الذي يفعل كل شيء في الملعب، لذلك انتقل إلى برشلونة، لأول مرة زلاتان يحب فريقا ويتمني أن يلعب في ناد بعينه. كل شيء تحطم في النهاية، الجميع نسي التناغم والانسجام.
في ميلان بعد ذلك، عاد إلى قيادة الهجوم وقلت حركته كثيرأ، وأصبح يلعب أكثر في منطقة الجزاء. يسجل وإذا أتيحت له الفرصة يمرر الي الرفاق. وأعاد إبرا اكتشاف نفسه مع باريس سان جيرمان، أهداف بالجملة، صناعة عديدة، دور هجومي بارز، هو الرجل الهداف مع مهارات صانع اللعب أو Target man + Skills of No 10، وحتى في وجود مهاجم بقيمة كافاني، حافظ زلاتان على قيمته ورونقه واحتل المكانة المميزة التي جاء بها إلى العاصمة الباريسية.
عالم زلاتان
ونتيجة كل هذا الخبث التكتيكي، يستمر إبراهيموفيتش في مسيرته الإبداعية بالملاعب حتى الآن رغم وصوله لسن 33 عاما، ومنذ انتقاله إلى أياكس في 2001، يتعامل الجميع معه باحترام ويخاطبونه بالنجم رفيع المقام، بسبب قدرته على التكيف مع أي ظروف مستغلاً ذكاءه الحاد في توظيف قدراته الفنية بطريقة صحيحة، ليتناسب عمر السويدي طردياً مع سنه، ويصبح مثل النبيذ، كلما مرت السنوات، كلما زادت قيمته.
لذلك يتوقع الكثيرون أن مسيرة زلاتان الكروية ستستمر في الملاعب حتى سن الأربعين، لقدرته على القيام بأكثر من دور داخل الملعب، وعدم حاجته الماسة إلى الركض والسرعة الحاسمة، حيث أن سر قوته يكمن في تلاعبه بالكرة وتحكمه بها مع قراره السريع النابع من عقلية فنية تصنع القرار في جزء من الثانية، وفي حالة ابتعاد شبح الإصابات عنه، من الممكن رؤية الغجري طويلاً داخل الساحات الكروية.
ومع كل عام، تبدأ الجماهير الدخول في مناقشات ومناوشات ساخنة حول الأحق بالكرة الذهبية، والغريب أن زلاتان يكون بعيدا تماماً عن الثلاثي المرشح خلال الخمس سنوات الماضية، لكنه يظل في دائرة الضوء وعلى مقربة من القيل والقال، لأنه صنع هالة منفردة تماماً ووضع نفسه في دائرة وعالم خاص به، لذلك يستحق نوير وميسي ورونالدو الفوز بالبالون دور، ويكفي إبراهيموفيتش أن اسمه فقط يساوي جائزة، على الأقل بالنسبة له ولمجاذيبه، الذين يدورون في فلك مغاير، اسمه عالم زلاتان.