أنا من تعوّدت على متابعة أساطير كرة اليد التونسية يحزنني ما وصلت إليه الكرة الصغيرة كما تسمى والكبيرة بتاريخها، وأنا أتابع مشاركة تونس بكأس العالم في مالمو. لم أصدق أننا خرجنا من دور أول في مجموعة تربح فيها على البحرين أو بلجيكا فتتأهل.
خيبة أمام البحرين، ونكسة في مواجهة بلجيكا واستسلام في مباراة الدنمارك. الحصيلة كارثية مع ما بذل من مجهود لتجهيز المنتخب، ومع كل كرة تضيع أحترق لذكرى أساطير رفعوا أسهم كرة اليد التونسية، فاليد التونسية ليست وليدة بل لديها جذور.
عراقة اليد التونسية تظهر في بعض الومضات، إذ هي أول اتحاد (جامعة تأسست في القارة الأفريقية)، ونحن من كلفنا الاتحاد الدولي في عام 1972، من أجل بلورة مشروع إنشاء الكونفيدرالية الأفريقية لكرة اليد، ونحن أول منتخب أفريقي عربي تأهل وشارك في الأولمبياد عام 72 في ميونخ، وأول بطل لأفريقيا في تونس 74.
وعليه ملكنا الرقم القياسي بعدد البطولات؛ 10 بطولات أفريقية، وحققنا رابع العالم، وثامن الأولمبياد، وحققنا أيضاً ثالث العالم في مونديال الشباب، ومركزاً رابعاً في الأصاغر. حاربنا وفزنا بنوادينا في كل مكان. جبنا الصبابطي وعاشور، وخلقنا "الوحش" سمير العباسي ولسود، وأنجبنا العمالقة بسباس الصانع وياقوتة. أجيال وأسماء تعبت، ضحت، تألقت وعملت سمعة لرياضة تجمع حولها التوانسة جيلاً من بعد جيل.
محمد مادي، عدنان بلحارث إلى جيل 2005 ميساوي، مقايز، حمام، تاج، عياد، بوسنينة، الجرو، الغربي، و، و، ؛ كلامي لا يندرج ضمن المرثيات أو البكاء على الأطلال، لكن يدخل في خانة التذكير بعرق ودم ودموع رجال ضحوا لنرى كرة يد تونسية تُحب أو تكره هي مدرسة!!
ما حدث في السويد أكد واقع كرة اليد التونسية (نحن في موت سريري منذ 2018)، ونحن في حالة احتضار منذ سنوات لعدة أسباب، منها البشري ومنها المادي، وسوء التخطيط لسنوات، وتراجع الاهتمام بالشبان، والتركيز على نتائج المنتخب الأول ونوادينا على الأكابر.
يا حسرة على منصف المكني وجيل 1997 مع بن عمر، مقنم، علي مادي، وأين كبار القوم في التكوين، وأين المكنين، أين مكارم المهدية؟ الحمامات تغرق، أين حمام الأنف وأيام العباسي والخلادي؟ وبعث بني خيار قتلوها، ومنزل تميم أرهقها الزمن، وهي التي أنجبت وسام حمام وكونت النملي وباشا.
أين الهلال؟ الذي كون رؤوف بن سمير، ومستقبل المرسى، التي علمت الصبابطي. الملعب التونسي فريق الصانع، وعصام تاج وفي أعوام 70 الدقاشي، عمر الصغير من الأولمبي للنقل. هل ما زال من يذكر الزيتونة الرياضية؟
يا حسرة. لم يبقَ لي إلا الحسرة على رياضة تنافس في تونس بشعبيتها كرة القدم، بعد سقوط مالمو فإن الحلول لا بد أن تكون مؤلمة. أنا من الناس الذين عاشوا فترة الجفاف بالتونسي الشياح بين 79 و94، وأرفض أن أعيش غياباً آخر مطولاً عن القمة.
الواقع مر، ديون، سقوط منظومة التكوين، والخلف قد يتأخر بعض الشيء، ونتائج شاهدة على العصر (مركز 25 عالمياً)، ولا فوز في الدور الرئيسي في نسختي مصر والسويد، وأول مرة في أفريقيا خارج التتويج بمركز رابع، بعد أن كنا من 2002 إلى 2020 يا أول يا ثاني.
في وهران أكملنا مركز خامس في ألعاب المتوسط بعد نهائي 2018، والأواسط بآخر مشاركة كانوا ثالث أفريقيا ليغيبوا عن النهائي للمرة الأولى من عام 1994. الآن هذا واقعنا، المدرب جديد ويحتاج الوقت، والجيل متوسط، وأثبت مونديال السويد وبولندا أن ثلثي المجموعة متوسط، ولا يضاهي المستويات العالمية.
ما الحل لتفادي النفق المظلم ولسنوات طويلة؟ الحل العودة إلى أوروبا بحثاً عن تطوير إمكانات اللاعب، وليس دوريات الخليج من أجل المال. ومن اختار الدوريات العربية له ذلك، لكن ينسى المنتخب. أين نحن من صبحي صيود بطل أوروبا مع مونبلييه، وجلوز مع البرسا، وأنور عياد صاحب 1000 هدف في فرنسا وبن عمر في سيوداد، ومقنم أحسن منسق وتوج أفضل محور لسنوات.
شكل البطولة لا بد أن يتغير، ولفرض العمل القاعدي على الأندية، يجب الاستئناس بالتجربة المصرية، من خلال الدوري المرتبط باحتساب نتائج الشباب في البطولة، ويلزم توفير ميزانية خاصة بمنتخبات الشبان من الأواسط للأدنين من أجل توفير التربصات المستمرة والمشاركة بالدورات الدولية.
لا بد أن نساير النسق المصري في التكوين، وإلا سنودع أفريقيا لسنوات طويلة جداً، وممكن نقترب من الجارة الجزائر في تراجعها المؤلم في كرة اليد. الحل مادي وبشري، ووزارة الرياضة لا بد أن تأخذها الغيرة على رياضة كانت قريبة من القمة فأصبحت أقرب من القاع.
يجب أن نبني مراكز أخرى للنخبة حسب تقاليد اللعبة وتاريخها مثل جندوبة أنيس المحمودي أو بنزرت التي أنجبت البرناوي شمالاَ وقيروان سيد العياري، وحافظ الزوابي وسطا وصفاقس مع الساقية جنوبا.
عندما تتوفر الأموال يبقى المدرب، خاصة المكون في بلاده ويصنع الربيع. عندما يوجد المال يظهر اللاعب، عندما تتوفر النقود يصبح لدى المسؤول حلول أكثر.
في السويد هذا هو واقعنا، وفقط بالمحبين والغيورين على كرة اليد ممكن أن يتغير الواقع. سقوط مالمو ممكن يكون انطلاقة لغد أفضل نستعيد معه قدرنا!! الغياب عن المنافسة أصبح واقعاً، وفقط الأزمات تبين معدن الرجال.