بعد مرور جولتين من دور المجموعات لكأس العالم فيفا قطر 2022، بدأت التساؤلات بشأن مدى نجاح قطر في رفع التحديات وتنظيم مونديال استثنائي كما وعدت به من زمان، سواء تعلّق بحفل الافتتاح أو تنظيم المباريات والفعاليات المصاحبة، أو استقطاب الجماهير، ومدى توفير ظروف الاستقبال والإقامة والأمن لكلّ الوافدين على الدوحة، خاصة الجماهير السعودية التي فاق عددها الـ120 ألفا يوم مباراة منتخب بلادهم الثانية أمام بولندا، وذلك رغم كلّ حملات التشويه والتشويش والتشكيك التي دامت 12 سنة، في وسائل الإعلام الغربية واستمرت عشية المونديال وإلى غاية اليوم في محاولة للتأثير على معنويات المنظمين، وتحريض الناس على قطر وحثهم على مقاطعة المونديال لإفشاله، لكن الذي حدث من نجاحات فاق كل التوقعات.
نجحت قطر قبل 12 سنة عندما تجرأت وقدمت ملف ترشيحها لاحتضان كأس العالم 2022، بعد أن دخلت في منافسة غير متكافئة مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، لتفوز بثقة أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا في أول محاولة لها رغم المنافسة القوية لبلدان عظمى، سبق لها أن نظمت البطولة، وكانت تملك آنذاك مقومات أكبر من قطر التي كانت في 2010 بلدا صغير المساحة والتعداد، لا يملك سوى ملعب واحد مؤهل هو استاد خليفة، لكنه وعد بإنجاز سبعة ملاعب أخرى جديدة عالمية، ومرافق وبنية تحتية حديثة، كفيلة باحتضان مونديال استثنائي على كلّ المستويات يشرف البلد والمنطقة والبلدان العربية والعالم الإسلامي، فكان النجاح الأول لقطر.
بعدها نجحت قطر على مدى 12 سنة في عملية البناء والتشييد، رغم الأزمة الاقتصادية والحصار الذي تعرضت له من جيرانها، وتداعيات تفشي وباء كورونا، ونجحت في التصدي لكل الحملات السياسية والإعلامية التي حاولت حرمانها من تنظيم البطولة بتهمة تقديم رشاوى، ثم بداعي عدم التزامها باحترام حقوق الإنسان (والحيوان)، والمرأة والعمال والمثليين، وبتهم وافتراءات أخرى تركزت حول مقتل آلاف العمال في حوادث عمل مختلفة، والظروف المناخية الصعبة في المنطقة قبل أن تنجح الدوحة في إقناع فيفا بضرورة تغيير موعد إجراء البطولة إلى فصل الشتاء، رغم التزامها بتوفير ملاعب ومراكز تدريب ومرافق مكيفة بالكامل.
أياما قبل كأس العالم نجحت قطر في التصدي لأكبر حملة تعرّض لها بلد منظم للمونديال، وحثّ الناس على مقاطعة المباريات بحجة سلسلة ممنوعات تفرضها قطر على ضيوفها باعتبارها بلدا عربيا ومسلما، مما أدى بها إلى الخروج عن صمتها للرد على كلّ الادعاءات الكاذبة عشية الحدث، والتأكيد على توفير كلّ الإمكانيات والتسهيلات لخدمة المنتخبات والرسميين والجماهير، وتقديم نسخة استثنائية في تاريخ كرة القدم، تفرض على الجميع احترام الخصوصية والتقاليد والعادات والثقافة العربية والإسلامية، وتجنّب الخوض في شؤون سياسية وأخرى إنسانية وعقائدية لا علاقة لها بالكرة وكأس العالم والبلد المنظم أو حتى المنتخبات المشاركة.
بعد سلسلة النجاحات التي حققتها على مدى سنوات، تمكّنت قطر من صنع الإبهار في حفل افتتاح استثنائي مختلف عن سابقيه، يحمل رسائل فكرية وثقافية وحضارية وحتى إنسانية، تدعو إلى التسامح وتقبّل الآخر مهما كانت الاختلافات، جمع بين التقاليد والحداثة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتمكّنت بعدها قطر من تنظيم المباريات والفعاليات المصاحبة بشكل رائع، وفي ظروف أمنية جيدة، بعيداً عن كلّ السلوكيات المنافية لتعاليم الدين الإسلامي والقيم الإنسانية، حيث نجحت قطر في فرض منطقها مع فيفا والبلدان المشاركة عندما دفعتها إلى احترام دينها وثقافتها وهويتها العربية والإسلامية من خلال منع تناول الكحول في الأماكن العامة وفي محيط الملاعب وداخلها.
صحيح أن النجاح أو الفشل يبقى نسبياً، وحسب منظور صاحبه، لكن الأكيد أن قطر نجحت في رفع التحدي، ومواجهة كلّ الحملات بشجاعة وعزيمة وثقة كبيرة، كسرت بها تلك الصورة النمطية التي رسخها الغرب عن قطر والعرب والمسلمين.