يعتقد المتابعون، أن الهدوء الحالي في سوق الانتقالات سيعقبه عاصفة قوية من التعاقدات العملاقة، والبداية كانت مع انتقال لوكاكو من إيفرتون إلى مانشستر يونايتد بصفقة بلغت قيمتها 75 مليون جنيه إسترليني مع إضافات أخرى. وأشار أكثر من خبير مالي بأن الأسعار الحالية للنجوم مبالغ فيها إلى حد كبير، بسبب سطوة الوكلاء وسيطرتهم على الأجواء، مع ارتفاع الطلب على المواهب المميزة، نتيجة اشتعال المنافسة بين الجميع وحاجة الفرق الكبيرة إلى تحقيق بطولات سريعة، لإرضاء جماهيرهم والحد من غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع خضوع السوق لنظرية العرض والطلب، ودخول الجانب التسويقي والإعلاني في زيادة سعر لاعب بعينه مقارنة بغيره، يعمل بعض المدراء الرياضيين وفق قواعد رياضية بحتة، بمتابعة اللاعبين الصغار في الدوريات ذات الشهرة الأقل مقارنة بإنكلترا وإسبانيا، بالإضافة لرصد الأسماء التي تتألق في الظل بعيداً عن أعين الإعلام، من أجل التعاقد معها بمبالغ زهيدة دون ضجيج، وهذا ما فعلته أندية روما وسوانزي وولفر هامبتون بالصيف حتى الآن.
افتتاحية مونشي
باع روما باريديس إلى زينيت الروسي لقوة المقابل المالي المعروض، الأرجنتيني بارع في اللعب تحت الضغط، والخروج بالكرة من الخلف إلى الأمام، كما كان يفعل مع إمبولي، إنه نسخة جديدة لما يعرف في إيطاليا بمركز "الريجستا" أي الارتكاز الدفاعي ذو النزعة الهجومية في صناعة اللعب من الخلف. ويعاني الفريق الإيطالي أيضاً من كبر سن القائد دي روسي، وكثرة إصاباته ليغيب عن بعض المباريات المهمة، لذلك كان لا بد من تحرك سريع لمونشي ومساعديه، والبداية مع نجم ليون الفرنسي ماكسيم غونالونز.
ماكسيم لاعب ارتكاز متحرك وغير ثابت، يلعب بشكل أكبر أمام رباعي الدفاع بمفرده أو بجوار زميل، لذلك يعتبر خياراً مثالياً لأي مدرب يعتمد على أكثر من رسم خططي، لأنه يتمركز كلاعب صريح أسفل دائرة المنتصف، مع تواجده ضمن ثنائي محوري دفاعاً وهجوماً، لذلك شارك في مباريات عديدة تحت قيادة مدرب ليون جينيسيو في خطة لعب 4-2-3-1، جنباً إلى جنب مع توليسو المنتقل أخيراً، إلى بايرن ميونخ الألماني.
غونالونز من أفضل لاعبي الدوري الفرنسي على مستوى افتكاك الكرات، لأنه يمتلك معدلاً ممتازاً في العرقلة المشروعة، وبالتالي يستطيع كسر هجمات المنافسين في نصف ملعب فريقه، بالإضافة لإجادته التامة للكرات الرأسية وألعاب الهواء، لدرجة تواجده باستمرار على القائم القريب أثناء الضربات الركنية للخصوم، حتى يبعد الهجمة عن مناطقه قبل أن تقترب من المرمى، وبالتالي يفيد الفريق في الحالة الدفاعية أمام صندوق العمليات.
على مستوى الاستحواذ، يأتي لاعب روما الجديد كسلاح رئيسي في هذا المجال، فهو يمتاز بدقة تمرير وصلت إلى 90% في الليغ 1 مع ليون، مع ولعه بلعب الكرات الطولية الكاسرة للخطوط خلف المدافعين، مع الأخذ في الاعتبار طريقة حفاظه على الكرة بالمراوغة أو بإيصالها إلى الزميل في مكان أفضل. ونتيجة تميزه مع ليون خلال الفترة الماضية، آمن مونشي بالتعاون مع مدرب روما الجديد دي فرانشيسكو بقدرات اللاعب الفرنسي، وقدرته على تعويض غياب الراحلين أملاً في بداية قوية بالكالتشيو خلال قادم الأيام، مع إنهاء الصفقة برقم 5 ملايين يورو فقط، لرغبة ليون في الاستفادة من سعر اللاعب نتيجة انتهاء عقده في صيف 2018، أي كانت هناك سنة واحدة فقط في المتناول.
منقذ سوانزي
عاش سوانزي سيتي فترات عصيبة في بداية الموسم الماضي، وكان قريباً بشدة من شبح الهبوط بعيداً إلى الدوري الأول، لكن مجيء بول كليمنت قلب كل شيء، ووضع الفريق على الطريق الصحيح، حتى النهاية، ليستمر مع الكبار في البريمييرليغ، ويثبت أنه خصم صعب المراس أمام الجميع. وعمل المدرب الجديد كمساعد مع غوس هيدنيك في تشلسي عام 2009، ليعرفه الجمهور الإنكليزي عن قرب، ويقدم نفسه كمساعد المدربين الكبار لفترة ليست بالقليلة.
أطلقت الصحافة البريطانية عليه لقب الذراع اليمنى لكارلو أنشيلوتي، حيث إنه عمل مع الإيطالي في أندية تشلسي، باريس سان جيرمان، وريال مدريد. إنه الرجل الذي وثق فيه المدير الفني الحالي لبايرن كثيراً، ليقول عنه في مناسبات عديدة، "بول بمثابة شريك تكتيكي لي، وليس مجرد مساعد". وبعد فترة من التعاون المشترك في صفوف بايرن ميونخ، قرر كليمنت التخلي عن وظيفة الرجل الثاني، ليأخذ المغامرة ويتولى قيادة سوانزي في رحلته المعقدة من أجل البقاء.
يراهن كليمنت على أكثر من رسم خططي في لعبه، ويتشابه كثيراً مع أستاذه أنشيلوتي في البراغماتية والمرونة، لذلك لا يتقيد بطريقة واحدة ويجمع بين الاستحواذ والمرتدات في مبارياته. وخلال الشهر الأخير من الدوري الإنكليزي، لعب سوانزي بمزيج بين 4-3-3 و 4-3-1-2، بالاعتماد على ثنائي هجومي متقدم وصانع لعب في العمق هو سيغوردسون، مع حماية لاعبي الثلث الأخير بثلاثي وسط يتحرك بين العمق والأطراف، لذلك راقب الفريق نجم لاس بالماس روكي ميسا، وأصر على التعاقد معه مقابل 12.5 مليون يورو فقط.
ميسا أستاذ التمركز في الدوري الإسباني لهذا الموسم، بسبب قوته في الاحتفاظ بالكرة والمراوغة والتمرير، ليلعب كمحور ارتكاز وحيد في خطة 4-3-3 للمدرب كيكي سيتيين. واستفاد فريقه كثيراً من قدرته الفذة في نقل الهجمة إلى أماكن الخطورة خلف خطوط الضغط، ليتعاقد معه كليمنت على الفور، لحاجته إلى لاعب بهذه المواصفات، حتى يسمح له بالربط بين الدفاع والهجوم، ويعطي سيغوردسون حرية أكبر في تسجيل الأهداف، مع قيام روكي بالصناعة من مسافات بعيدة في المنتصف.
موهبة البرتغال
راقب العملاقان برشلونة وريال مدريد لاعباً برتغالياً في صيف 2015، وكان قريباً بشدة من الانتقال إلى واحد منهما لولا السعر المبالغ فيه من طرف بورتو، لقد تصارع الثنائي الكبير وقتها على روبين نيفيز، ارتكاز تنين الدراغاو والنجم البرتغالي الصاعد بسرعة الصاروخ في تلك الفترة. ورغم بقاء اللاعب مع بورتو لموسمين متتاليين، إلا أنه انتقل أخيراً، إلى نادي غريب بعض الشيء، ولفرهامبتون الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى بإنكلترا، مقابل 18 مليون يورو تقريباً.
قررت إدارة ولفرهامبتون التعاقد مع نيفيز، بسبب وكيله الشهير جورجي مينديز، البرتغالي الذي يعمل كمستشار للملاك الصينيين، ويرتبط بعقد دائم مع المدرب الجديد، نونو سانتو، لدرجة ترشحيه من قبل لقيادة فالنسيا ثم بورتو، والآن ولفرهامبتون في مهمة جديدة من أجل الصعود إلى البريميرليغ. الجدير بالذكر أن بورتو اضطر لبيع لاعبه في الوقت الحالي، بسبب مشاكل مالية متعلقة باللعب النظيف، وحاجة النادي إلى تحقيق 116 مليون يورو حتى يبتعد عن شبح العقوبات التي يفرضها (يويفا) على الأندية المخالفة. واستعان النادي بالخبير مينديز لضمان أفضل تسويق ممكن لمجموعة من الأسماء داخل الفريق الأول.
روبين لاعب ارتكاز كلاسيكي على خطى تشافي هيرنانديز وأقرانه، يفضل خاصية التمرير والحيازة، مع تحكمه في نسق وإيقاع المباريات، ليرفع من سرعة اللعب ويقلل منها وفق ظروف المباريات وقدرات فريقه، ويتمركز أكثر أمام دفاعه لنقل الهجمة، مع صعوده خطوات للأمام حتى يملأ الفراغات حول الدائرة بالضبط، أي يتحرك في المركزين 4 و6 داخل الملعب، دون التواجد في نصف ملعب المنافس في معظم الأحيان.
يلعب نيفيز كـ "ديب لاينغ" أي صانع لعب متأخر مثل ألونسو رفقة المنتخب الإسباني في 2010، ويشبه في طريقته موتينهو نجم موناكو، خصوصاً في طريقة تلاعبه بالكرة وتمريراته البينية بين الخطوط، لذلك أعرب متابعو الكرة البرتغالية عن استغرابهم الشديد من خطوة نيفيز باللعب مع هذا الفريق الصغير، ويرتبط الأمر كلياً بمينديز الذي يريد بيع اللاعب إلى نادي آخر بعد فترة، لكن هذه الخطوة يجب أن تمر بوسيط، خصوصاً بعد المشاكل المالية والفنية الأخيرة لبورتو، والتي قد تعيق تطور نيفيز خلال الموسم القادم.