لعشاق اللون اللازوردي موعدٌ لا مع البحر، بل مع الجبل، وتحديدًا جبال الريف في الشمال المغربي المحتضنة مدينة شفشاون التي اقترنت باللون الأزرق المضيء كما يقترن العصفور بالشجرة.
والأصل أن اسم المدينة "الشاون"، مشتق من كلمة أمازيغية تعني القرون، إذ إن موقع المدينة الجغرافي، وتلك النتوءات الجبلية الحادة والوعرة وتلك الانحدارات الصعبة، أبت إلا أن تدلي بدلوها عند ولادة اسم المدينة.
اقرأ أيضًا: ثوب الأمير أبو عبد الله الصغير
لا يسع الناظر إلى المدينة إلا الذهول والاستلاب حيال تدرجات اللون الأزرق على كل مبانيها المتراكبة، وحاراتها الضيقة وزقاقاتها المتعرجة، وأدراجها الملتوية لكأنّها أضمومة لازوردية.
وقبل السؤال عن سبب اندلاع اللازورد ها هنا، تكفي بوّابات البيوت لأخذ الناظر صوب الأندلس. فالتشابه بين أبواب بيوت شفشاون والأبواب الأندلسية، أدنى إلى التطابق. أمّا اللون فدليلٌ إضافي على قوّة الحضور الأندلسي في المغرب. لكأن المغرب عمارة، ليست إلا انعكاسًا لصورة أندلسية، تمنع الحنين إلى الأندلس، وتعلّم العربي أصول وراثة الحضارة فعلًا ثم قولًا، لا العكس كما جرت العادة.
سماوي تركوازي لازوردي، و"بين بين" بدرجات لا نهائية، تنداح كلّها طلاءً طبيعيًا على المدينة، فأهل المكان يأنفون من الطلاء الصناعي، وأزرق مدينتهم، ناجم عن خلط مادة الجير بصباغ النيلة المستخرج من نبات الوسمة.
إلا أن الأمر لا يتعلّق بالنفور من الطلاء الصناعي فحسب، بل يتعلّق بالمعنى والعلامة الكامنين في استعمال اللون. إذ يقال: إن الأندلسيين المتحدرين من شمال مضيق جبل طارق صوب المغرب، هربًا من آثار الهزيمة، وطردًا وتهجيرًا بسبب الاضطهاد الديني، كانوا في إهاب التسمية "الجديدة" آنذاك ؛ المورسكيين، أي المسلمين الأندلسيين الواقعين تحت الحكم المسيحي لفرديناند وإيزابيلا، اللذين حرما الأمير، أبو عبد الله الصغير، غرناطته، كما لا يخفى في قصّة الخروج الشهيرة من الأندلس عام 1492.
المورسكيون، إذن، ومن بعدهم اليهود الأندلسيون، اختاروا اللون "تمييزًا" لتاريخ هوّيتهم المتشظاة. ويقال: إن الأزرق، كان اللون المصطفى، بسبب ما يشيعه من هدوء وسكينة وسلام. لكأن الخارج قسرًا من وطنه وسكناه، ابتكر لذاته المنكسرة، علاجًا باللون.
أيعيد التاريخ نفسه؟ بلى يفعل أحيانًا، كذا ارتبطت شفشاون بامرأة قويّة، على نحو ما ارتبطت غرناطة بأمّ الأمير، أبو عبدالله الصغير. التاريخ ماكر، فللمرأتين لقب واحد ارتبط باسميهما: "الحرّة". أم الأمير هي عائشة الحرّة، وامرأة شفشاون هي "السيدة الحرّة"، فقد كان هذا ما اختاره لها أبوها تيمنًا بأم الأمير. لكن الأميرة الشفشاوية استحّقت اللقب عن جدارة، وفعلًا لا قولًا. فهي أميرة الجهاد التي حكمت المدينة وقادت أشهر المعارك ضد الإسبان في القرن الخامس عشر.
اقرأ أيضًا: ثوب الأمير أبو عبد الله الصغير
لا يسع الناظر إلى المدينة إلا الذهول والاستلاب حيال تدرجات اللون الأزرق على كل مبانيها المتراكبة، وحاراتها الضيقة وزقاقاتها المتعرجة، وأدراجها الملتوية لكأنّها أضمومة لازوردية.
وقبل السؤال عن سبب اندلاع اللازورد ها هنا، تكفي بوّابات البيوت لأخذ الناظر صوب الأندلس. فالتشابه بين أبواب بيوت شفشاون والأبواب الأندلسية، أدنى إلى التطابق. أمّا اللون فدليلٌ إضافي على قوّة الحضور الأندلسي في المغرب. لكأن المغرب عمارة، ليست إلا انعكاسًا لصورة أندلسية، تمنع الحنين إلى الأندلس، وتعلّم العربي أصول وراثة الحضارة فعلًا ثم قولًا، لا العكس كما جرت العادة.
سماوي تركوازي لازوردي، و"بين بين" بدرجات لا نهائية، تنداح كلّها طلاءً طبيعيًا على المدينة، فأهل المكان يأنفون من الطلاء الصناعي، وأزرق مدينتهم، ناجم عن خلط مادة الجير بصباغ النيلة المستخرج من نبات الوسمة.
إلا أن الأمر لا يتعلّق بالنفور من الطلاء الصناعي فحسب، بل يتعلّق بالمعنى والعلامة الكامنين في استعمال اللون. إذ يقال: إن الأندلسيين المتحدرين من شمال مضيق جبل طارق صوب المغرب، هربًا من آثار الهزيمة، وطردًا وتهجيرًا بسبب الاضطهاد الديني، كانوا في إهاب التسمية "الجديدة" آنذاك ؛ المورسكيين، أي المسلمين الأندلسيين الواقعين تحت الحكم المسيحي لفرديناند وإيزابيلا، اللذين حرما الأمير، أبو عبد الله الصغير، غرناطته، كما لا يخفى في قصّة الخروج الشهيرة من الأندلس عام 1492.
المورسكيون، إذن، ومن بعدهم اليهود الأندلسيون، اختاروا اللون "تمييزًا" لتاريخ هوّيتهم المتشظاة. ويقال: إن الأزرق، كان اللون المصطفى، بسبب ما يشيعه من هدوء وسكينة وسلام. لكأن الخارج قسرًا من وطنه وسكناه، ابتكر لذاته المنكسرة، علاجًا باللون.
أيعيد التاريخ نفسه؟ بلى يفعل أحيانًا، كذا ارتبطت شفشاون بامرأة قويّة، على نحو ما ارتبطت غرناطة بأمّ الأمير، أبو عبدالله الصغير. التاريخ ماكر، فللمرأتين لقب واحد ارتبط باسميهما: "الحرّة". أم الأمير هي عائشة الحرّة، وامرأة شفشاون هي "السيدة الحرّة"، فقد كان هذا ما اختاره لها أبوها تيمنًا بأم الأمير. لكن الأميرة الشفشاوية استحّقت اللقب عن جدارة، وفعلًا لا قولًا. فهي أميرة الجهاد التي حكمت المدينة وقادت أشهر المعارك ضد الإسبان في القرن الخامس عشر.