يؤكد الخبير الاقتصادي الدولي عبد المالك سراي في مقابلة لـ "العربي الجديد" أن الجزائر أمام أزمة مالية بسبب تهاوي أسعار النفط، توثر سلباً على كافة القطاعات، في حال الاستمرار بالسياسات الاقتصادية القائمة.
وهذا نص المقابلة:
وهذا نص المقابلة:
*كيف تقيّمون المرحلة التي يمر بها الاقتصاد الوطني حالياً، في ظل تهاوي أسعار النفط؟
يعاني الاقتصاد من أزمة مالية تتعلق بخسارة البلاد نحو 50% من قدراتها المتعلقة بطاقة الاستيراد بين الأعوام 2014 و2015، إلا أن ذلك، لا يعني أننا أمام أزمة اقتصادية عميقة. ولتفادي الوقوع في هذه الأزمة، علينا الانتباه لبعض الإجراءات، كتقليص الاستيراد، وإعادة النظر في دعم السلع الواسعة الاستهلاك، لأن خزينة الدولة أصبحت غير قادرة على تغطية المصاريف المتعلقة بسياسة الدعم الاجتماعي. وبحسب الإمكانات المالية والظروف الحالية، فإن الجزائر قادرة خلال فترة ثلاث سنوات من مواجهة هذه الأزمة المالية.
وأؤكد من جديد أنها أزمة مالية، وليست أزمة اقتصادية، لكن إذا لم نتمكن من معرفة كيفية تحسين وتسيير قطاع الخدمات، وكل ما يدخل في نطاق الإنتاج، ورفع قيود البيروقراطية على الاستثمار، سواء في الزراعة أو الصناعة أو السياحة، ستندلع الأزمة الاقتصادية في أواخر العام 2017.
*هل ترى أن الحكومة تتخذ الإجراءات اللازمة لتفادي تحول الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية؟
تجري الحكومة استشارات موسعة لأخذ آراء كل المختصين، ويفترض أن نخرج بتوصيات صارمة مقبولة. ولا شك أن هذه الإجراءات ستؤثر على المواطن من حيث القدرة الشرائية، لأنها تتعلق بتقليص دعم بعض المواد الواسعة للاستهلاك، كالبنزين والماء والكهرباء. لذا فإن الفترة الحالية دقيقة للغاية، ومن الضروري الالتزام بلغة هادئة، لتفادي أي مشاكل جديدة في البلاد.
*هل يمكن القول إن ما يتضمنه مشروع قانون المالية المسرب لعام 2016، من زيادات في أسعار البنزين والكهرباء والماء، يدخل ضمن هذه الحلول لمواجهة الأزمة؟ وهل سيكون ذلك برأيكم حلاً مجدياً؟
نعم، يتضمن مشروع الموازنة للعام 2016، بعض الزيادات في أسعار هذه السلع. ومن المتوقع أن تجابه هذه القرارات بغضب الشارع الجزائري، لأن المواطن الجزائري أَلِفَ سياسة الدعم الشامل للسلع واسعة الاستهلاك منذ استقلال البلاد إلى اليوم. ولكن مع ما يشهده الاقتصاد اليوم من جمود، يتطلب إعادة مراجعة كافة المقاييس الاقتصادية البحتة. ففي الجزائر يعاني ما يقارب ثلاثة ملايين و600 ألف مواطن من ضعف القدرة الشرائية. لذا فإن الحكومة مدعوة إلى مراجعة سياسة الدعم، خصوصاً أن هناك شركات تستفيد من الدعم على حساب المواطن، بحيث تتجه آليات الدعم لهذه الفئة الضعيفة وبصفة مباشرة، دون غيرها من الفئات الميسورة والشركات الصناعية.
*هل يعني هذا، أن سياسة الدعم التي تنتهجها الدولة منذ الاستقلال تعتبر سياسات خاطئة؟
بالفعل. فهذه السياسات غير صحيحة. ولطالما حذرنا الحكومة من سياسة الدعم الاجتماعي الذي تستفيد منه الفئات الميسورة، كما هو الحال بالنسبة إلى دعم مادة السكر، حيث تستفيد منه شركات المشروبات الغازية. وفي الوقت نفسه يتم تهريب الكثير من هذه المواد الاستهلاكية المدعومة عبر الحدود إلى خارج البلاد، لتباع بأثمان مضاعفة. ولذا آن الأوان لإعادة النظر في سياسة الدعم، وعلينا اتباع التقنيات الحديثة في ذلك، والتكفل فقط بالفئات الهشة بشكل مباشر دون غيرها، ولذلك طالبنا من الحكومة توسيع الاستشارة الاقتصادية للخروج بحلول وتقنيات حديثة تسهّل على الدولة حماية اقتصاد البلاد.
*أقرت الحكومة مؤخراً إجراء، شجعت من خلاله أصحاب رؤوس أموال السوق الموازية إدخال أموالهم في القنوات المصرفية، ضمن سلة إعفاءات ضريبية، بهدف استعمال هذه الأموال، لدعم القطاع المصرفي، وتمويل المشاريع الاستثمارية العمومية، فهل ترى أن هذه الخطوة، ممكنة التطبيق وبعيدة عن أي مخاطر؟
في الواقع، يعد هذا الإجراء من جانب القانون الدولي عملاً خطيراً للغاية، لأنه يحتوي على موارد مالية غير نظيفة، ستدخل المصارف وتكتسب طابع الشرعية. لكن في المقابل، فإن الجزائر في حاجة إلى هذه القيمة المالية الموجودة خارج القنوات الرسمية، والمقدرة بنحو 42% من قيمة السيولة المالية بعملة الدينار لاستثمارها في المشاريع الوطنية التي لا تحتاج إلى العملة الصعبة كالزراعة مثلاً.
*برأيكم هل أن انخفاض قيمة الدينار، يعتبر عملية مقصودة من طرف الحكومة؟ ولم تنخفض قيمة الدينار لعوامل وأسباب أخرى؟
بالتأكيد، فإن عملية خفض الدينار الجزائري مقصودة ومدروسة من طرف الحكومة، لأن قيمته لم تكن في يوم من الأيام قيمة اقتصادية أو مالية، بل كانت دائماً قيمة إدارية من قبل المصرف المركزي، ولذلك وبهدف استرجاع الدولة لأموال السوق الموازية، عمدت إلى خفض قيمة الدينار الرسمية تدريجياً ليصل إلى مستوى الدينار بالسوق الموازية، كي لا يجد أصحاب الأموال أي حجة لعدم وضع أموالهم بالمصارف الرسمية، والتي تساهم في تطوير الاستثمارات المحلية.
*هل تعتبرون أن قيمة الدينار الجزائري معرضة للانخفاض أكثر في الفترات المقبلة؟
بالتأكيد، فإن قيمة الدينار لا تزال في طريقها إلى الانخفاض أكثر على الأقل، حتى مستوى قيمة الدينار بالسوق الموازية، والجميع يعلم أن قيمة الدينار بالسوق الموازية أقل من قيمته في السوق الرسمية. بتعبير أدق، يجب أن نرتقب انخفاضاً بنحو 20 إلى 30 %، للقضاء على السوق الموازية للعملة، بحيث تكون هذه الخطوة دعوة لجلب أموال السوق الموازية للمصارف الرسمية، كي تتمكن الدولة من مواجهة مخاطر الأزمة المالية والاقتصادية القادمة.
*الوزير الأول ووزير المالية وجميع أعضاء الحكومة يؤكدون أن السياسات المقبلة لن تكون في إطار التقشف، بل هي ترشيد للنفقات لا أكثر. ألا يعد هذا تلاعباً بالمصطلحات، أم أن هناك فعلاً فرقا بين العبارتين من الناحية الاقتصادية؟
هذه قضية مصطلحات لا أكثر. ولا فرق بين المصطلحين لأن الهدف واحد، وكما أسلفت، نحن لسنا في أزمة اقتصادية بل في أزمة مالية، وعلينا فقط أن نعرف كيف نتخلص منها، عن طريق مواجهة القرارات والسياسات السابقة، التي تميزت بطابع التبذير والإسراف المفرط في استهلاك الكثير من المواد المدعومة. وعلينا الرجوع إلى الحقائق الاقتصادية، حتى وإن أثار ذلك غضباً اجتماعياً، فنحن ملزومون بتغطية حاجات الفئة الهشة، المقدّر عددها بنحو 3 ملايين و600 ألف فقير من أصل 40 مليون جزائري فقط، وسيكون بإمكاننا الوصول إلى مستوى الحقيقة الاقتصادية بالمقاييس الدولية المعروفة.
*ألا توجد حلول أخرى للخروج من هذه الأزمة المالية، غير التوجه نحو التقشف، الذي قد يحدث غضباً اجتماعياً؟
الحلول موجودة وبكثرة. نملك إمكانات طبيعية هائلة يمكننا استغلالها. لدينا الصحراء التي توجد بها أكبر ثروة وهي المياه، تليها ثاني أكبر ثروة وهي الطاقة الشمسية، فيما ثالث ثروة هي الأراضي الزراعية بالهضاب العليا، فهناك آلاف الطلبات للمواطنين الراغبين في إصلاح هذه الأراضي، لكن للآسف الشديد كل هذه الملفات لا زالت نائمة في أدراج الولايات والإدارات المحلية بسبب البيروقراطية وتأخر الدراسات المتعلقة بالمياه والأراضي.
*هناك ظاهرة تنخر الاقتصاد الوطني، وكثيراً ما تم التحذير منها، وهي ظاهرة البيروقراطية، هل فعلاً الدولة عاجزة عن محاربة هذه المشكلة؟
أؤكد، أن العدو الأول للاقتصاد الوطني يكمن في البيروقراطية والرشوة. فكل الملفات لاتزال في أدراج الإدارات المحلية، الأمر الذي أدى إلى حدوث ركود اقتصادي شديد. ولذا آن الأوان لاندلاع ثورة ثقافية للتخلص من هؤلاء البيروقراطيين، كونها تساعد في تحريك الجمود الاقتصادي. وفي حال رغبت الحكومة بالنجاح فعلاً في خططها المستقبلية، عليها أولاً تنظيف الإدارات من الفساد، ورفع القيود البيروقراطية، وأعتقد أنه بات من الضروري القيام بثورة إدارية تخلص البلاد من كل هؤلاء المفسدين.
*أطلقت تأكيدات وتطمينات كثيرة من طرف الحكومة مؤخراً، تنفي نية الحكومة الذهاب إلى الاستدانة الخارجية، لكن، في المقابل، هناك مادة في مشروع قانون المالية 2016، تفتح المجال أمام المؤسسات العمومية لتمويل مشاريعها من طرف شركات أجنبية، هل هذه المادة تعني التوجه نحو الاستدانة الخارجية مثلما شاع بين المحللين؟
كلا. هذا سوء فهم للمادة التي ذكرت، وخلط في المفاهيم وكيفية توصيف الأمور. هناك استدانة وهناك مشاركة مالية. أصبح من الضروري، حالياً، فتح رؤوس أموال المشاريع الاقتصادية الكبرى أمام المشاركة المالية للشركات الأجنبية من أجل التمويل واستقدام التكنولوجيات. فعلى سبيل المثال، لا يمكننا أبداً التخلي عن مشروع السكة الحديدية نظراً لحيوية المشروع ودوره في تعزيز الاقتصاد الوطني، كونه يحتاج إلى مشاركة مالية وتكنولوجية أجنبية.
*البرنامج الخماسي الذي أعلن رئيس الجمهورية من العام 2014 إلى 2019 يتضمن تسخير أكثر من 260 مليار دولار، ألا ترى أن الأزمة المالية الطارئة بالبلاد، سترهن مشاريع هذا المخطط، في ظل تأكيد الحكومة أنها لن تتراجع عن المشاريع ذات الطابع الاجتماعي؟
أولاً، يجب أن نشير إلى أن هناك تأخراً في المصاريف المخصصة لميزانية التجهيز والتسيير في كل الولايات وكل الوزارات، عدا وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد تراجعت المصاريف بين 30 إلى 60% من الميزانية المرصودة لها، بسبب البيروقراطية والتأخر في إنجاز المشاريع، وبالتالي فإن هذه الإمكانات المالية يمكن استعمالها من جديد في ميزانية 2016، لتشارك في مشاريع جديدة أو توجه للمشاريع المخصصة لها سابقاً.
يعاني الاقتصاد من أزمة مالية تتعلق بخسارة البلاد نحو 50% من قدراتها المتعلقة بطاقة الاستيراد بين الأعوام 2014 و2015، إلا أن ذلك، لا يعني أننا أمام أزمة اقتصادية عميقة. ولتفادي الوقوع في هذه الأزمة، علينا الانتباه لبعض الإجراءات، كتقليص الاستيراد، وإعادة النظر في دعم السلع الواسعة الاستهلاك، لأن خزينة الدولة أصبحت غير قادرة على تغطية المصاريف المتعلقة بسياسة الدعم الاجتماعي. وبحسب الإمكانات المالية والظروف الحالية، فإن الجزائر قادرة خلال فترة ثلاث سنوات من مواجهة هذه الأزمة المالية.
وأؤكد من جديد أنها أزمة مالية، وليست أزمة اقتصادية، لكن إذا لم نتمكن من معرفة كيفية تحسين وتسيير قطاع الخدمات، وكل ما يدخل في نطاق الإنتاج، ورفع قيود البيروقراطية على الاستثمار، سواء في الزراعة أو الصناعة أو السياحة، ستندلع الأزمة الاقتصادية في أواخر العام 2017.
*هل ترى أن الحكومة تتخذ الإجراءات اللازمة لتفادي تحول الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية؟
تجري الحكومة استشارات موسعة لأخذ آراء كل المختصين، ويفترض أن نخرج بتوصيات صارمة مقبولة. ولا شك أن هذه الإجراءات ستؤثر على المواطن من حيث القدرة الشرائية، لأنها تتعلق بتقليص دعم بعض المواد الواسعة للاستهلاك، كالبنزين والماء والكهرباء. لذا فإن الفترة الحالية دقيقة للغاية، ومن الضروري الالتزام بلغة هادئة، لتفادي أي مشاكل جديدة في البلاد.
*هل يمكن القول إن ما يتضمنه مشروع قانون المالية المسرب لعام 2016، من زيادات في أسعار البنزين والكهرباء والماء، يدخل ضمن هذه الحلول لمواجهة الأزمة؟ وهل سيكون ذلك برأيكم حلاً مجدياً؟
نعم، يتضمن مشروع الموازنة للعام 2016، بعض الزيادات في أسعار هذه السلع. ومن المتوقع أن تجابه هذه القرارات بغضب الشارع الجزائري، لأن المواطن الجزائري أَلِفَ سياسة الدعم الشامل للسلع واسعة الاستهلاك منذ استقلال البلاد إلى اليوم. ولكن مع ما يشهده الاقتصاد اليوم من جمود، يتطلب إعادة مراجعة كافة المقاييس الاقتصادية البحتة. ففي الجزائر يعاني ما يقارب ثلاثة ملايين و600 ألف مواطن من ضعف القدرة الشرائية. لذا فإن الحكومة مدعوة إلى مراجعة سياسة الدعم، خصوصاً أن هناك شركات تستفيد من الدعم على حساب المواطن، بحيث تتجه آليات الدعم لهذه الفئة الضعيفة وبصفة مباشرة، دون غيرها من الفئات الميسورة والشركات الصناعية.
*هل يعني هذا، أن سياسة الدعم التي تنتهجها الدولة منذ الاستقلال تعتبر سياسات خاطئة؟
بالفعل. فهذه السياسات غير صحيحة. ولطالما حذرنا الحكومة من سياسة الدعم الاجتماعي الذي تستفيد منه الفئات الميسورة، كما هو الحال بالنسبة إلى دعم مادة السكر، حيث تستفيد منه شركات المشروبات الغازية. وفي الوقت نفسه يتم تهريب الكثير من هذه المواد الاستهلاكية المدعومة عبر الحدود إلى خارج البلاد، لتباع بأثمان مضاعفة. ولذا آن الأوان لإعادة النظر في سياسة الدعم، وعلينا اتباع التقنيات الحديثة في ذلك، والتكفل فقط بالفئات الهشة بشكل مباشر دون غيرها، ولذلك طالبنا من الحكومة توسيع الاستشارة الاقتصادية للخروج بحلول وتقنيات حديثة تسهّل على الدولة حماية اقتصاد البلاد.
*أقرت الحكومة مؤخراً إجراء، شجعت من خلاله أصحاب رؤوس أموال السوق الموازية إدخال أموالهم في القنوات المصرفية، ضمن سلة إعفاءات ضريبية، بهدف استعمال هذه الأموال، لدعم القطاع المصرفي، وتمويل المشاريع الاستثمارية العمومية، فهل ترى أن هذه الخطوة، ممكنة التطبيق وبعيدة عن أي مخاطر؟
في الواقع، يعد هذا الإجراء من جانب القانون الدولي عملاً خطيراً للغاية، لأنه يحتوي على موارد مالية غير نظيفة، ستدخل المصارف وتكتسب طابع الشرعية. لكن في المقابل، فإن الجزائر في حاجة إلى هذه القيمة المالية الموجودة خارج القنوات الرسمية، والمقدرة بنحو 42% من قيمة السيولة المالية بعملة الدينار لاستثمارها في المشاريع الوطنية التي لا تحتاج إلى العملة الصعبة كالزراعة مثلاً.
*برأيكم هل أن انخفاض قيمة الدينار، يعتبر عملية مقصودة من طرف الحكومة؟ ولم تنخفض قيمة الدينار لعوامل وأسباب أخرى؟
بالتأكيد، فإن عملية خفض الدينار الجزائري مقصودة ومدروسة من طرف الحكومة، لأن قيمته لم تكن في يوم من الأيام قيمة اقتصادية أو مالية، بل كانت دائماً قيمة إدارية من قبل المصرف المركزي، ولذلك وبهدف استرجاع الدولة لأموال السوق الموازية، عمدت إلى خفض قيمة الدينار الرسمية تدريجياً ليصل إلى مستوى الدينار بالسوق الموازية، كي لا يجد أصحاب الأموال أي حجة لعدم وضع أموالهم بالمصارف الرسمية، والتي تساهم في تطوير الاستثمارات المحلية.
*هل تعتبرون أن قيمة الدينار الجزائري معرضة للانخفاض أكثر في الفترات المقبلة؟
بالتأكيد، فإن قيمة الدينار لا تزال في طريقها إلى الانخفاض أكثر على الأقل، حتى مستوى قيمة الدينار بالسوق الموازية، والجميع يعلم أن قيمة الدينار بالسوق الموازية أقل من قيمته في السوق الرسمية. بتعبير أدق، يجب أن نرتقب انخفاضاً بنحو 20 إلى 30 %، للقضاء على السوق الموازية للعملة، بحيث تكون هذه الخطوة دعوة لجلب أموال السوق الموازية للمصارف الرسمية، كي تتمكن الدولة من مواجهة مخاطر الأزمة المالية والاقتصادية القادمة.
*الوزير الأول ووزير المالية وجميع أعضاء الحكومة يؤكدون أن السياسات المقبلة لن تكون في إطار التقشف، بل هي ترشيد للنفقات لا أكثر. ألا يعد هذا تلاعباً بالمصطلحات، أم أن هناك فعلاً فرقا بين العبارتين من الناحية الاقتصادية؟
هذه قضية مصطلحات لا أكثر. ولا فرق بين المصطلحين لأن الهدف واحد، وكما أسلفت، نحن لسنا في أزمة اقتصادية بل في أزمة مالية، وعلينا فقط أن نعرف كيف نتخلص منها، عن طريق مواجهة القرارات والسياسات السابقة، التي تميزت بطابع التبذير والإسراف المفرط في استهلاك الكثير من المواد المدعومة. وعلينا الرجوع إلى الحقائق الاقتصادية، حتى وإن أثار ذلك غضباً اجتماعياً، فنحن ملزومون بتغطية حاجات الفئة الهشة، المقدّر عددها بنحو 3 ملايين و600 ألف فقير من أصل 40 مليون جزائري فقط، وسيكون بإمكاننا الوصول إلى مستوى الحقيقة الاقتصادية بالمقاييس الدولية المعروفة.
*ألا توجد حلول أخرى للخروج من هذه الأزمة المالية، غير التوجه نحو التقشف، الذي قد يحدث غضباً اجتماعياً؟
الحلول موجودة وبكثرة. نملك إمكانات طبيعية هائلة يمكننا استغلالها. لدينا الصحراء التي توجد بها أكبر ثروة وهي المياه، تليها ثاني أكبر ثروة وهي الطاقة الشمسية، فيما ثالث ثروة هي الأراضي الزراعية بالهضاب العليا، فهناك آلاف الطلبات للمواطنين الراغبين في إصلاح هذه الأراضي، لكن للآسف الشديد كل هذه الملفات لا زالت نائمة في أدراج الولايات والإدارات المحلية بسبب البيروقراطية وتأخر الدراسات المتعلقة بالمياه والأراضي.
*هناك ظاهرة تنخر الاقتصاد الوطني، وكثيراً ما تم التحذير منها، وهي ظاهرة البيروقراطية، هل فعلاً الدولة عاجزة عن محاربة هذه المشكلة؟
أؤكد، أن العدو الأول للاقتصاد الوطني يكمن في البيروقراطية والرشوة. فكل الملفات لاتزال في أدراج الإدارات المحلية، الأمر الذي أدى إلى حدوث ركود اقتصادي شديد. ولذا آن الأوان لاندلاع ثورة ثقافية للتخلص من هؤلاء البيروقراطيين، كونها تساعد في تحريك الجمود الاقتصادي. وفي حال رغبت الحكومة بالنجاح فعلاً في خططها المستقبلية، عليها أولاً تنظيف الإدارات من الفساد، ورفع القيود البيروقراطية، وأعتقد أنه بات من الضروري القيام بثورة إدارية تخلص البلاد من كل هؤلاء المفسدين.
*أطلقت تأكيدات وتطمينات كثيرة من طرف الحكومة مؤخراً، تنفي نية الحكومة الذهاب إلى الاستدانة الخارجية، لكن، في المقابل، هناك مادة في مشروع قانون المالية 2016، تفتح المجال أمام المؤسسات العمومية لتمويل مشاريعها من طرف شركات أجنبية، هل هذه المادة تعني التوجه نحو الاستدانة الخارجية مثلما شاع بين المحللين؟
كلا. هذا سوء فهم للمادة التي ذكرت، وخلط في المفاهيم وكيفية توصيف الأمور. هناك استدانة وهناك مشاركة مالية. أصبح من الضروري، حالياً، فتح رؤوس أموال المشاريع الاقتصادية الكبرى أمام المشاركة المالية للشركات الأجنبية من أجل التمويل واستقدام التكنولوجيات. فعلى سبيل المثال، لا يمكننا أبداً التخلي عن مشروع السكة الحديدية نظراً لحيوية المشروع ودوره في تعزيز الاقتصاد الوطني، كونه يحتاج إلى مشاركة مالية وتكنولوجية أجنبية.
*البرنامج الخماسي الذي أعلن رئيس الجمهورية من العام 2014 إلى 2019 يتضمن تسخير أكثر من 260 مليار دولار، ألا ترى أن الأزمة المالية الطارئة بالبلاد، سترهن مشاريع هذا المخطط، في ظل تأكيد الحكومة أنها لن تتراجع عن المشاريع ذات الطابع الاجتماعي؟
أولاً، يجب أن نشير إلى أن هناك تأخراً في المصاريف المخصصة لميزانية التجهيز والتسيير في كل الولايات وكل الوزارات، عدا وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد تراجعت المصاريف بين 30 إلى 60% من الميزانية المرصودة لها، بسبب البيروقراطية والتأخر في إنجاز المشاريع، وبالتالي فإن هذه الإمكانات المالية يمكن استعمالها من جديد في ميزانية 2016، لتشارك في مشاريع جديدة أو توجه للمشاريع المخصصة لها سابقاً.