قرر أحمد عجيل وعائلته المكونة من عشرة أفراد الانتقال من قضاء الشرقاط في محافظة ذي قار جنوبي العراق، نحو العاصمة بغداد بحثاً عن فرصة عمل تنقذهم من الحالة المزرية التي يعيشونها منذ سنوات.
يسكن عجيل في منطقة الفضيلية شرقي بغداد. يعمل "بقالاً" في سوق بغداد. يقول لـ"العربي الجديد": "إن الوضع الاقتصادي المزري في محافظة ذي قار أثر علينا بشكل كبير جداً، حيث منع أولادي من إكمال دراستهم، ناهيك عن أننا في أغلب الأحيان كنا ننام دون طعام، وذلك لغياب فرص العمل، والقضاء على القطاع الزراعي لاعتماد البلد على البضائع المستوردة"، مشيراً إلى أن ولده الكبير ذهب إلى بغداد، وقام ببيع السكاكر والحلويات في التقاطعات المرورية، حيث يأتي كل ثلاثة أشهر، ومعه مبلغ 500 ألف دينار (397 دولاراً)".
يوضح عجيل أن المبلغ لا يكفي لأكثر من شهرين، وفي الفترة الأخيرة مرضت ابنتي الصغيرة، ولم أستطع تسديد النفقات إلى الطبيب، أو شراء الدواء، لذلك اتخذت القرار بضرورة الالتحاق بولدي في بغداد، والبحث عن فرص عمل لجميع أولادي من أجل الوقوف في وجه المصاعب التي تواجهنا"، مشيراً إلى أنه قرر السكن في منطقة تتمتع بذات طائفته تجنباً للصراعات الطائفية في العاصمة بغداد.
معاناة مستمرة
وفي العراق هناك نوعان من النزوح، الأول يتعلق بالبحث عن فرص عمل من المحافظات الوسطى والجنوب باتجاه العاصمة بغداد والبصرة وإقليم كردستان، والثاني نزوح قسري تم على مرحلتين الأولى في الحرب الطائفية التي جرت بين الأعوام 2005 - 2007 والثانية بعد العاشر من حزيران/ يوليو عام 2014 بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على ثلث البلد، وأدت إلى نزوح أربعة ملايين شخص.
تختلف معاناة بشار حميد الذي يسكن محافظة ديالى شمال شرق بغداد عن عجيل، إذ قرر الهجرة إلى بغداد بسبب نظام النقل المتخلف، وقطع الشوارع بين فترة وأخرى. يقول لـ"العربي الجديد": "قررت التخلي عن محافظتي والعيش في العاصمة بسبب رداءة شبكات الطرق، والإجراءات الأمنية المشددة التي تقطع الطرقات لساعات عديدة".
أدى النزوح غير المنظم إلى تغيير معالم العاصمة بغداد، حيث انتشرت العشوائيات حيث تعيش طبقات دون مستوى الفقر. وتعتبر محافظات المثنى وصلاح الدين، وذي قار، والديوانية وواسط وميسان، طاردة لأبنائها بسبب ارتفاع نسب الفقر والبطالة إلى مستويات كبيرة، بينما تعتبر محافظات بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وأربيل ودهوك والسليمانية محافظات جاذبة للعمالة بسبب زيادة فرص العمل.
لا تملك وزارة التخطيط أي إحصاءات حول الهجرة الداخلية المتعلقة بالبحث عن فرص العمل رغم اطلاق الحكومة العراقية بالاتفاق مع البنك الدولي استراتيجية لتخفيف الفقر، إلا أنها فشلت بسبب عدم قدرة الدولة على تفعيل القطاعات الإنتاجية.
ويذكر المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي لـ"العربي الجديد"، أنه في الوقت الحالي يتقدم نزوح الحرب، على نزوح العمل، حيث تأثرت كل مفاصل الحياة وارتفعت نسبة المواطنين دون خط الفقر إلى 22.5%، أي ما يقارب 8 ملايين شخص، فيما وصلت البطالة إلى 28%". ويشير الهنداوي إلى أن عدد النازحين بسبب المعارك بلغ نحو 4 ملايين مواطن من أصل 36.7 مليون مواطن عراقي.
كما يؤكد الهنداوي أن نسبة الفقر بين النازحين بلغت 36% وذلك لفقدانهم أعمالهم ومنازلهم مما جعل مؤشرات الفقر ترتفع في إقليم كردستان من 3% إلى 13%، وتصل النسبة إلى 13% في ديالى وكركوك إلى 31%، وبغداد إلى 13%".
تعتبر الحكومة النزوح بحثاً عن فرص عمل، أمرا طبيعيا. وبحسب مستشار الحكومة الاقتصادي عبد الحسين العنبكي فإن النزوح الداخلي سببه الضغوط على الاقتصاد نتيجة الانتكاسة التي أصابته، وأدت إلى ارتفاع مؤشرات البطالة بين الشباب حيث يدخل سنوياً نحو 800 الف شخص إلى سوق العمل، ولكن دون وجود قطاعات إنتاجية".
ويقول:" لا تستطيع الدولة ضم هؤلاء إلى دوائرها، لأنها ستتحول إلى مؤسسة ريعية خصوصاً في ظل تراجع أداء الموظف العراقي".
ويبين أن الهجرة الداخلية أدت إلى خلق قطاعات هامشية في الاقتصاد وظهور البسطات بشكل كبير جداً في الأسواق والشوارع، لافتا إلى أن "البنك المركزي أطلق مبادرة 6 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) لدعم القطاعات الإنتاجية لامتصاص البطالة والقضاء على الهجرة الداخلية.
أما الاقتصادي سجاد عواد فلا يثق بجميع الإحصاءات التي تصدر عن الحكومة العراقية، لأنها "مخالفة للواقع وتجري بأساليب قديمة جداً". ويقول عواد لـ"العربي الجديد": "إن العراق لا يمتلك إحصاءات حول النزوح الداخلي، لأن الحكومة لا تهتم بهذا الجانب منذ العام 2003، لذا فإن النسب الحالية حول الفقر تتجاوز الـ30% وكذلك البطالة وصلت إلى أكثر من 28% بسبب الكساد الذي يعيشه الاقتصاد في الوقت الحالي". ويضيف:" يعيش خارج العراق نحو 6 ملايين عراقي، كما أن ما يقارب من 8 ملايين نزوحوا من مناطقهم إلى مناطق أكثر أمناً، وبحثاً عن فرص عمل".
ويؤكد أن هناك نزوحا من الريف إلى المدينة، وهذا الأمر يتعلق بتوقف القطاع الزراعي والإهمال الذي تعرض له منذ العام 2003، كما أن هناك نزوحا من المحافظات الجنوبية والغربية إلى العاصمة بغداد والفرات الأوسط بعد توقف المصانع".
اقرأ أيضاً:التقشف يهضم الرواتب:العراقيون يشكون الاقتطاعات بالتزامن مع ارتفاع الأسعار
يسكن عجيل في منطقة الفضيلية شرقي بغداد. يعمل "بقالاً" في سوق بغداد. يقول لـ"العربي الجديد": "إن الوضع الاقتصادي المزري في محافظة ذي قار أثر علينا بشكل كبير جداً، حيث منع أولادي من إكمال دراستهم، ناهيك عن أننا في أغلب الأحيان كنا ننام دون طعام، وذلك لغياب فرص العمل، والقضاء على القطاع الزراعي لاعتماد البلد على البضائع المستوردة"، مشيراً إلى أن ولده الكبير ذهب إلى بغداد، وقام ببيع السكاكر والحلويات في التقاطعات المرورية، حيث يأتي كل ثلاثة أشهر، ومعه مبلغ 500 ألف دينار (397 دولاراً)".
يوضح عجيل أن المبلغ لا يكفي لأكثر من شهرين، وفي الفترة الأخيرة مرضت ابنتي الصغيرة، ولم أستطع تسديد النفقات إلى الطبيب، أو شراء الدواء، لذلك اتخذت القرار بضرورة الالتحاق بولدي في بغداد، والبحث عن فرص عمل لجميع أولادي من أجل الوقوف في وجه المصاعب التي تواجهنا"، مشيراً إلى أنه قرر السكن في منطقة تتمتع بذات طائفته تجنباً للصراعات الطائفية في العاصمة بغداد.
معاناة مستمرة
وفي العراق هناك نوعان من النزوح، الأول يتعلق بالبحث عن فرص عمل من المحافظات الوسطى والجنوب باتجاه العاصمة بغداد والبصرة وإقليم كردستان، والثاني نزوح قسري تم على مرحلتين الأولى في الحرب الطائفية التي جرت بين الأعوام 2005 - 2007 والثانية بعد العاشر من حزيران/ يوليو عام 2014 بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على ثلث البلد، وأدت إلى نزوح أربعة ملايين شخص.
تختلف معاناة بشار حميد الذي يسكن محافظة ديالى شمال شرق بغداد عن عجيل، إذ قرر الهجرة إلى بغداد بسبب نظام النقل المتخلف، وقطع الشوارع بين فترة وأخرى. يقول لـ"العربي الجديد": "قررت التخلي عن محافظتي والعيش في العاصمة بسبب رداءة شبكات الطرق، والإجراءات الأمنية المشددة التي تقطع الطرقات لساعات عديدة".
أدى النزوح غير المنظم إلى تغيير معالم العاصمة بغداد، حيث انتشرت العشوائيات حيث تعيش طبقات دون مستوى الفقر. وتعتبر محافظات المثنى وصلاح الدين، وذي قار، والديوانية وواسط وميسان، طاردة لأبنائها بسبب ارتفاع نسب الفقر والبطالة إلى مستويات كبيرة، بينما تعتبر محافظات بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وأربيل ودهوك والسليمانية محافظات جاذبة للعمالة بسبب زيادة فرص العمل.
لا تملك وزارة التخطيط أي إحصاءات حول الهجرة الداخلية المتعلقة بالبحث عن فرص العمل رغم اطلاق الحكومة العراقية بالاتفاق مع البنك الدولي استراتيجية لتخفيف الفقر، إلا أنها فشلت بسبب عدم قدرة الدولة على تفعيل القطاعات الإنتاجية.
ويذكر المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي لـ"العربي الجديد"، أنه في الوقت الحالي يتقدم نزوح الحرب، على نزوح العمل، حيث تأثرت كل مفاصل الحياة وارتفعت نسبة المواطنين دون خط الفقر إلى 22.5%، أي ما يقارب 8 ملايين شخص، فيما وصلت البطالة إلى 28%". ويشير الهنداوي إلى أن عدد النازحين بسبب المعارك بلغ نحو 4 ملايين مواطن من أصل 36.7 مليون مواطن عراقي.
كما يؤكد الهنداوي أن نسبة الفقر بين النازحين بلغت 36% وذلك لفقدانهم أعمالهم ومنازلهم مما جعل مؤشرات الفقر ترتفع في إقليم كردستان من 3% إلى 13%، وتصل النسبة إلى 13% في ديالى وكركوك إلى 31%، وبغداد إلى 13%".
تعتبر الحكومة النزوح بحثاً عن فرص عمل، أمرا طبيعيا. وبحسب مستشار الحكومة الاقتصادي عبد الحسين العنبكي فإن النزوح الداخلي سببه الضغوط على الاقتصاد نتيجة الانتكاسة التي أصابته، وأدت إلى ارتفاع مؤشرات البطالة بين الشباب حيث يدخل سنوياً نحو 800 الف شخص إلى سوق العمل، ولكن دون وجود قطاعات إنتاجية".
ويقول:" لا تستطيع الدولة ضم هؤلاء إلى دوائرها، لأنها ستتحول إلى مؤسسة ريعية خصوصاً في ظل تراجع أداء الموظف العراقي".
ويبين أن الهجرة الداخلية أدت إلى خلق قطاعات هامشية في الاقتصاد وظهور البسطات بشكل كبير جداً في الأسواق والشوارع، لافتا إلى أن "البنك المركزي أطلق مبادرة 6 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) لدعم القطاعات الإنتاجية لامتصاص البطالة والقضاء على الهجرة الداخلية.
أما الاقتصادي سجاد عواد فلا يثق بجميع الإحصاءات التي تصدر عن الحكومة العراقية، لأنها "مخالفة للواقع وتجري بأساليب قديمة جداً". ويقول عواد لـ"العربي الجديد": "إن العراق لا يمتلك إحصاءات حول النزوح الداخلي، لأن الحكومة لا تهتم بهذا الجانب منذ العام 2003، لذا فإن النسب الحالية حول الفقر تتجاوز الـ30% وكذلك البطالة وصلت إلى أكثر من 28% بسبب الكساد الذي يعيشه الاقتصاد في الوقت الحالي". ويضيف:" يعيش خارج العراق نحو 6 ملايين عراقي، كما أن ما يقارب من 8 ملايين نزوحوا من مناطقهم إلى مناطق أكثر أمناً، وبحثاً عن فرص عمل".
ويؤكد أن هناك نزوحا من الريف إلى المدينة، وهذا الأمر يتعلق بتوقف القطاع الزراعي والإهمال الذي تعرض له منذ العام 2003، كما أن هناك نزوحا من المحافظات الجنوبية والغربية إلى العاصمة بغداد والفرات الأوسط بعد توقف المصانع".
اقرأ أيضاً:التقشف يهضم الرواتب:العراقيون يشكون الاقتطاعات بالتزامن مع ارتفاع الأسعار