تتحدث أدبيات علم نفس الجماهير عن عدوى العواطف والأفكار التي تنتقل بين الناس كما تنتقل الجراثيم في الهواء والماء والتراب، والعقل الجمعي يقبل ما يصل إليه دونما تمحيص في الغالب، ذلك أن من خصائصه الترقب لتلقي أي مقترح يُظهر نفسه مباشرة ويحتوي على روابط ظاهرية، وأسلوب تعميم بالأبيض والأسود، ويمكنه إثارة صورة متخيلة.
ولا تتطلب عدوى العواطف والأفكار والعقائد الإيمانية الحضور المتزامن للأفراد في نقطة واحدة، بل من الممكن أن تنتشر رغم البعد بتأثير بعض الأحداث التي توجه النفوس في الاتجاه نفسه، وتتحول العدوى في مستوى آخر إلى التقليد، الذي هو في الغالب الأعم أمر غير واعٍ، وهو حاجة بالنسبة للإنسان بشرط أن يكون سهلاً، مثل التأثر بالموضة، أو التأثر وتقليد الأفكار مثل "بلال" أو "Be like bill" بنسختها الإيطالية الأصلية، وهي شخصية وهمية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبين مؤسس علم نفس الجماهير، غوستاف لوبون، في كتاب "سيكولوجية الجماهير"، أن الوقائع ليست بحد ذاتها ما يؤثر على المخيلة الشعبية، وإنما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع، فيقول "إن معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها".
ويؤكد غوستاف لوبون أن العدوى من القوة بحيث أنها تفرض على البشر حتى المشاعر والأحاسيس، بل وتنتشر العقائد بواسطة آلية العدوى وليس المحاجات العقلية!
في عام 2012، قام موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بالتحكم عمداً في نوعية المحتوى الذي يظهر على جدار 689003 أشخاص من مستخدميه لمدة أسبوع، بحيث يظهر محتوى إيجابي أكثر لبعض المستخدمين ومحتوى سلبي أكثر لآخرين، ثم قام بتتبع ما نشره هؤلاء الأشخاص بعد تعرضهم لهذا المحتوى الموجه، وكانت النتيجة أن المستخدمين الذي تعرضوا لمحتوى إيجابي أكثر باتوا أكثر إيجابية في ما ينشرونه، بينما تحول أولئك المستخدمون الذين عرض عليهم محتوى سلبي إلى كتلة من السلبية!
والخلاصة التي توصل إليها الباحثون أن المشاعر التي يظهرها الآخرون على فيسبوك تؤثر على مشاعرنا دون وعي منا، لتؤسس ما يسمى "عدوى المشاعر" على نطاق هائل عبر الشبكات الاجتماعية.
وهذه التجربة وإن كانت تؤكد ما ذهب إليه غوستاف لوبون من قبل بخصوص عدوى العواطف والأفكار، وفن التأثير على مخيلة الجمهور، فإنها كذلك تؤكد ما وصل إليه مارشان ماكلوهان أستاذ وسائل الاتصال الجماهيري من "إن كل تغيير يصيب المجتمعات في الحقب الزمنية على مر التاريخ يرجع إلى شكل وسيلة الإعلام والاتصال التي تربط أفراد المجتمع بما حولهم"، وبهذا فإن من يملك الوسائل يملك التأثير.
وهذه المعرفة بعدوى الأفكار والعواطف وتأثيرات وسائل الاتصال تقودنا إلى وجود تحديات أمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تتمثل في أهمية انتقاء المحيطين بهم في واقعهم الافتراضي، وكذلك أهمية انتقاء الصفحات التي يتابعونها، والأمر الآخر الارتقاء بمستوى العقل النقدي والتفكير التحليلي حتى لا يكونوا ضحية أبحاث وتصرفات غير أخلاقية تنفذها جهات عديدة بأي غرض ولأي غاية مهما كانت نبيلة.
(البحرين)