هي تجربة لم تستمر أكثر من 18 يوماً، لكن من عاشوها خرجوا محملين بالكثير من الروايات لما حدث معهم، وما حدث مع من قابلوهم داخل الزنازين.
"مجموعة معتقلي القهوة". هكذا أطلق عليهم إعلامياً. قُبض عليهم جميعاً في يوم 22 نيسان/ إبريل الماضي، خلال الحملة الأمنية التي سبقت الدعوة لتظاهرات رفض ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية.
التجربة الأولى
أحمد نبيل عبد السلام، كانت تلك هي المرة الأولى التي يواجه فيها تلك التجربة، يروي بعضاً من تفاصيلها لـ"جيل العربي الجديد".
يقول أحمد إنه قُبض عليه فجر 22 إبريل/ نيسان، فوجئ بوالده يوقظه من نومه لإبلاغه أن الشرطة في المنزل، وعندما خرج وجد أربعة أفراد من قوات خاصة ملثمة بالأسلحة وعدداً من المدنيين.
في البداية، ظن أحمد أنهم جاءوا للقبض على محمد، شقيقه، لكنهم طلبوا منه الدخول إلى غرفته، وبدأوا في تفتيشها، وفحص هاتفه المحمول وصفحته الشخصية على "فيسبوك"، وكانت عبارات التضامن التي تحمل "الحرية لمحمد نبيل"، شقيقه الذي قبض عليه من قبل أثناء الحملة الأمنية لـ25 يناير 2016، مؤشراً لاصطحابه معهم داخل ميكروباص أسفل المنزل.
يضيف أحمد أنهم طلبوا منه إرشادهم إلى منزل شقيقه، وبمجرد وصولهم وضعوا عصابة على عينه، وصعدوا للقبض على شقيقه، وبعد نصف ساعة عادوا به يحمل عصابة هو الآخر على عينيه.
يقول عبد السلام: "لم أكن أنا المقصود، لكنهم لم يجدوا مشكلة في وضعي في القضية، لذا حرصوا على أخذ جهاز اللاب توب الخاص بي كحرز"، مشيراً إلى أنه استطاع الاستنتاج من اتجاه السيارة أنهم داخل قسم مدينة نصر أول، موضحاً أنه بمجرد وصولهم وضعوا بغرفة وتركوا فيها.
لم يكن محمد يعلم أن الموضوع معه في الغرفة شقيقه أحمد حتى بدأ في الحديث لطمأنته، متابعاً أن العُصابة ظلت على أعينهم حتى اليوم التالي، وبدأ تحقيق أمن الدولة الذي استمر ما يقرب من ساعة مع كل منهما.
يشير إلى أن التحقيق دار حول ميوله السياسية وأفكاره ونشاطه منذ الثورة، وعلاقته بعدد من الموجودين لديه في قائمة الأصدقاء على "فيسبوك"، أو العاملين في المجال السياسي، كما أطلق عليهم المحقق، موضحاً أنه كان على اتصال بهم حين قبض على شقيقه، وتطرق التحقيق إلى الحديث عن الأوضاع الأمنية والسياحة والاقتصاد وسعر الدولار.
يروي أحمد أن المحقق أخبره، في نهاية التحقيق، أنه لا توجد مشكله ضده، لكن القرار ليس في يده وهناك من هم فوقه، رافضاً تمكينه من إبلاغ أسرته بمكان احتجازه، بحجة أن القرار خارج عن سلطته.
في اليوم التالي، انتقل الأشقاء للنيابة، وهناك علموا أن 17 آخرين في القضية قُبض عليهم عشوائياً من المقاهي، وبدأ الجميع في رواية قصته، معلقا: "كل من قاده حظه للجلوس على القهوة هذا اليوم قُبض عليه، لم يكن أي منهم مطلوباً بالاسم، لكن الصدفة وضعتهم داخل القضية".
يتابع: "أحد المقبوض عليهم طالب ثانوية عامة، والآخر طالب طب يدعى محمد سلطان، قبض عليهما أثناء جلوسهما على القهوة، كان سلطان يرتدي قميص نادي برشلونة تمهيداً لذهابه للعب مباراة كرة قدم، بصحبه صديقه محمود زايد".
مع بداية التحقيق، علموا بالتهم الموجهة إليهم: "كانت التحريض على استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وتعطيل الرئيس عن أداء عمله الدستوري بالقوة، والتخطيط لأعمال إرهابية، والتنسيق مع بعض الحركات لعمليات إرهابية".
داخل القسم، وُضع أحمد في عنبر الأموال العامة منفصلاً عن شقيقه محمد. وعلى الرغم من أنه لم يتعرّض إلى سوء المعاملة إلا أن المعاملة كانت سيئة جداً للجنائيين: "ضرب وإهانة"، كما يقول، متابعاً: "وجدت في الزنزانة ثلاثة أشخاص قُبض عليهم بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان، تعرضوا للتعذيب صعقاً بالكهرباء، والضرب والتحقيق بعُصابة، على الرغم من عدم علاقتهم بالعمل السياسي، كان من بينهم رجل كبير تخطى عمره 60 عاماً".
لم يكن أحمد وشقيقه يتخيلان خروجهما بتلك السرعة، في التاسع من أيار/ مايو الجاري، لكن لم يكن لديهما ضمانات لخروجهما، خصوصاً بتلك التهم الموجهة إلهما.
يقول أحمد: "سُجنت 18 يوماً فقط، خرجت بحالة من الإحباط، غير قادر على المشاركة في أي شيء، خاصة بعد الأحكام بالحبس خمس سنوات لقضيتي الدقي والعجوزة". يضيف: "ما حدث يؤكد أن خسائر التظاهر أكبر من نتائجه، ما ينتج عنه حبس وأعمار تضيع داخل السجون وأهالي بتتبهدل، لكن الأهم الآن الضغط لإخراج المحبوسين".
لن أهرب
عبد الرحمن زيدان، طالب في الفرقة الرابعة في كلية حقوق جامعة حلوان، نظّم فعالية طلابية في 21 نيسان/ إبريل ضد اتفاقية ترسيم الحدود، لكنه حُقق معه داخل الجامعة بصحبة ثلاثة من المنظمين على خلفيتها وهُددوا بالفصل والاحتجاز.
يروي عبد الرحمن لـ"جيل العربي الجديد"، مشيراً إلى أنه قُبض عليه في اليوم التالي، قبل خروجه من المنزل، باقتحام قوة أمنية له، تحفظت على الكاميرا الخاصة به، وبمجرد وصوله إلى قسم عين شمس، حُقق معه من ضابط المباحث واضعاً عصابة على عينيه.
ظل عبد الرحمن بالعصابة حتى اليوم التالي داخل "ثلاجة" القسم (غرفة تعذيب سرية)، وانضم له عدد من المقبوض عليهم من منطقتي عين شمس والأميرية عشوائياً، موضحاً أن تحقيق أمن الدولة دار حول رأيه في الثورة وبعض الأسماء من أصدقائه الذين قُبض عليهم في ما بعد في 25 نيسان/ إبريل كـ ناجي كامل، ومحمد ناجي، ووسام البكري ومعاذ سيد.
"أنكرتُ التهم الموجهة لي، لكن الصمت عن الاعتراف كان يثيرهم أكثر من الحديث، فتخلل التحقيق الإهانة والضرب بالأيدي"، يقول عبد الرحمن، موضحاً أنه بمجرد الانتهاء من تحقيق استمر أربع ساعات أُعيد إلى "الثلاجة"، وهنا ترددت داخله مخاوف التعرض إلى الاختفاء القسري. في اليوم التالي، نقل مساءً إلى النيابة، وجدد حبسه أربعة أيام، ثم 15 يوماً في الجلسة التالية.
لم يكن عبد الرحمن يتوقع الخروج من الحبس بعد 18 يوماً، مؤكداً أن القضاء لا يملك المعايير لبقاء أحد أو خروج آخر، معلقاً: "هذا قضاء دنشواي، جميع من قبض عليهم التهمة واحدة، لكن الأحكام لم تكن واحدة".
يتابع: "في الفترة الحالية سنركز على خروج المحبوسين بأي "أتاوات" يريدها النظام، كثير ممن حصلوا على إخلاء سبيل يبحثون عن الهجرة لمغادرة مصر". لكن عبد الرحمن غير قادر على اتخاذ هذا القرار: "أريد أن أحصد ثمار تعب ست سنوات منذ الثورة".
بعد صدور أحكام بالحبس على 162 شخصاً، لفترات من عامين إلى خمسة، يتوقع عبد الرحمن صدور أحكام مشابهة ضدهم: "فالأحكام جاهزة بالتلفون والمحاكمات مجرد شكل".