نعيش اليوم مرحلة من عدم الوضوح، وسيولة القوة والسياسة الدولية، تشبه، إلى حد ما، فترة تبلور النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، حتى كشفت أزمة السويس، 1956، عن مراكز القوى الدولية فيه وحدودها بشكل حاسم.
إن قراءة شاملة للقضية الفلسطينية تقتضي العودة إلى جذور الصراع، والبحث في التراكمات التي انتهت في محطات عدة إلى تغيّرات نوعية، أنشأت كل منها واقعاً سياسياً وقانونياً واجتماعياً جديداً.
عاد النقاش حول الدولة الواحدة في السنوات الأخيرة إلى التداول إعلامياً، نتيجة المأزق الذي دخلته عملية التسوية، وتبدي استحالة تطبيق حل الدولتين لقطاع من الناس يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم.
كان مشروع إنشاء كيان يمثل الفلسطينيين قد أخذ يتبلور قبل العام 1964 بخمس سنوات، حين تقدم العراق بمذكرة بهذا الخصوص، كما تقدمت مصر بمذكرة أخرى إلى مجلس الجامعة في آذار/مارس 1959 من أجل العمل على إبراز الكيان الفلسطيني.
الولايات المتحدة، وريثة قوى الاستعمار الغربي في منطقتنا، أعادت تَتَابع الأنماط الاستعمارية نفسه، لكنها اختزلته بفترة لم تتجاوز ثمانية أعوام، فتراجع حضورها العسكري من نحو 170 ألف جندي إلى حوالي خمسة آلاف، بينما تعزّزت سيطرتها وهيمنتها الاقتصادية والسياسية.
موجة التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، مترافقة مع تصريحات سياسية وإعلامية عربية عن تراجع أهمية القضية الفلسطينية، وأن الخطر على الدول العربية لا يأتي من إسرائيل، بل من إيران، ما يعني أن العمق العربي للقضية الفلسطينية أصبح ضحلاً.
يجب التأسيس لمشروع سياسي عملي، يطرح بديلاً لحل الدولتين الذي سقطت فيه القيادة الفلسطينية، ويعتبر شرطاً للعمل على بناء خط الدفاع الأخير عن فلسطين، جغرافيا وشعب، من دون أي مبالغة، وذلك في وقتٍ ينضج فيه مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
أنتج المشروع الصهيوني دولة حديثة بجيش قوي، توسّعت بالتدريج على كل الأرض التي تراها ضروريةً لتستمر وتدافع عن نفسها، وتنطلق منها قوة إقليمية عظمى، بينما واجه العرب هذا المشروع المنظم والواقعي، بعملٍ غير منسّق وانفعالي، يفتقد لوضوح ووحدة الرؤية.
وقّع المناضل أحمد سعدات على وثيقة ""الحركة الشعبية من أجل فلسطين دولة علمانية ديمقراطية واحدة"، على الرغم من حساسية موقعه السياسي وإدراكه أنه لا يستطيع، وهو أمين عام للجبهة الشعبية، أن يتبنى موقفاً يتعارض مع مبادئها ومواقفها.
لم يكن نصري حجّاج موفقًا في مقاله عن غسّان كنفاني، لا من حيث المضمون وحسب، بل حتى البناء الذي جاء مختلاً ورخوًا، عنوان المقال عن غسّان "قتيل السياسة"، بينما استُهلك معظمه بمهاجمة تجربة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مطلع السبعينيات.