اهتدت آمال إلى طريقةِ للهربٍ من بيروت، اختارتْ ألمانيا، واتفقتْ مع السماسرة. لم يكنْ الطريقُ سهلاً أو سريعاً كما كذبوا عليها عندما دفعتْ لهم. لكنّ عذابَ الطريق وقلقه وقسوتَه سرعان ما اختفوا من ذاكرة آمال ليحلّ محلّهم كابوسٌ.
مضى عامٌ كاملٌ وفارس يرى البحرَ كلَّ يوم. لكنه لم يكن يشبه بحر الكتب ولا بحر "ضيعة ضايعة" ولا حتى البحر الذي حدثه عنه زكريا ابن الجيران. لم يسبحْ ولم يَلْهُ بالرمل، ولم يسلِّمْ جسده النحيل لصبغة الشمس السمراء.
راح يتحدّث عن ضيقه واستهجانه لرغبتها في مواصلة الكتابة، أسهب في وصف أوهامها وسذاجتها. لا يفهم لماذا تصرّ على عيش ألم الكتابة وأرقها طالما أنها لا تريد منها شيئاً، لا مهنةً ولا اسماً ولا شهرة؟
سيّارةٌ بيضاء بسقفٍ أسود تدعى "أوبّل أسكونا"، في المقعد الخلفي تجلسُ أختي وراء أمي، وأجلسُ أنا، ابنة السابعة، وراء أبي. يومٌ معتدلُ الطقس من أيام عطلة منتصف العام الدراسي 91-92 على طريق حلب - كسب.
يحبُّ أبو مخلص أن يخترع لنفسه عادات وهوايات. العادة تفيد في التغلب على الوقت وتساعد على انقضائه. في حمص قضى العشرين سنة الأخيرة كما لو أنها يومٌ واحد. نُسَخٌ متطابقة من آلاف الأيام تتوالى وتمرّ وفقاً لعاداته وهواياته.
في السيارة تلتصق زهرة بزجاج الباب الخلفي، تخفض رأسها عندما يطلب منهم السائق ذلك ثم تعود لرفعه بسرعة، لا تريدُ أن يفوتها أي شيء؛ أيّة حارة، أي شارع، أي دكان، أيّة مدرسة، أي حائط، أيّة شجرة، أي حاجز.