لا يؤمن جوني بالهجران. كيف خطر لنا أنه لم يشعر يوماً بضفدع أسود مختبئ في عقله. فهو يعتقد أنه من العِلكة، لكنَّه يدرك أن هندامه المهمل يجعله مثيراً للاهتمام؛ فيغازل النّساء في أيام الأحد مستخدماً لوحة المفاتيح. يقول: لا، لا أشبهه، حين أحدِّثه عن رودريغو سانتورو في "تحت الشمس"، قصة الحقد إن وُجِدت، التي حتّى الحُب لا يرتّبها. أقول: كيف ينبغي للحبِّ أن يكون؟ فقد خرّبت الرُّومانسيَّة كلَّ شيء، ومن بينها خيباتُ الأمل. يقول لي: لا، لا يملؤني شيء، فأنا بحاجة لأشياء أقوى. هو لا يعرف أنه يَعلِكُ المصلوب المنعكس على نظّارتي في نافذة هذا المساء الذي تحتضر به خُنفساء ملونة.
اثنان وعشرون/ 14 إبريل، 2009
لم أكن أعلم، ولا هو أيضاً، عندما التفتُّ للمرَّة الخامسة أو السَّادسة، إذ أن كأس النصر تبرّر الإذلال إذا ما التفتَ ليراني بعينيْ حمامة متّهَمة. غيَّرتُ مكاني كي أقترب فقرَّرَ الابتعاد. فجأةً، رأيتُ عصفوراً أبيض صغيراً يعبُرُ أُغنيةً - بقلب ضاج وأدرينالين - بينما يتلصَّص بطرف عينه على صحّتي. خرج فجأةً من هناك كي ينزوي بعيداً. في تلك الليلة، استمنينا معاً في غرفة صغيرةٍ استأجرناها لساعتين بخمسين بيزو. من الثَّانية ظهراً، تذكّرتُ لخمس عشرة دقيقة، بياضَه، استعجاله والرقص البلَّوري في كلامه. عندما صالحتُ الحلم تراجعَتْ ذاكرتي.
(هل عادتي ألا أحفظ في ذاتي الأجسادَ المُفاجئة؟)
فتحتُ في كل المتروات النافذة لأشاهد قمراً يخدِش الأحلام. ظلٌّ معتم أطلَّ بخفَّة،
كما لو
أنَّه لم
يُرِد الظهور،
خلف السَّتائر،
التي كانت ترقص كريح الجنوب عندما كنت في الرابعة عشرة، على هاوية بعمق 120 بحثاً عن.. ماذا كان اسمه؟ لم أكن فراشةً بعد، بل ماعز ذكري يلتهم المِخاخ والبثرات.
قبل ذلك بكثير، كان يتغذى عليّ، غيرَ أنِّي كنت قد تعلّمتُ كيفَ أتجاهلُ الألم.
التاسع عشر/ 14 إبريل، 2009
كانت سوداءَ. كبيرة. دوماً كانت تحوم بيأسٍ، لكن لم أفكّر يوماً أن لديها شيئاً تقولُه لي. كانت سوداء، كهذا الضِّفدع العنيف الذي بدأ بالانتفاخ خطأً وقرَّر على حين غِرَّة أن يكون. ظهرت الفراشة دون أن أنتبه لليلة من الكحول واللحم البرِّي. وحوشٌ ضاريةٌ كانت تصرخُ على رمال ليلتنا الثَّانية. في حلبةٍ بيضاء هناك جسدان يتعاركان بالحب ذاته الذي ينتهك براءة شخص غريب.
[في النهاية
فقط
على المقدَّس
أن يستحوذ]
- فجأة قال جوني: ضعنا.
لم يبدُ لي واثقاً: أخبرتُه أنَّه من الجيّد أحياناً مراقبة الحياة البسيطة للكائنات المعقّدة التي تحبُّ حين تستطيع
ولا تفكّر بالموت
إلا مفاجأةً
لا تتوقّعها من الحياة.
هذا منطقي، قال لي، لماذا تكاد الرطوبة تُقلق من يعمل في حانة؟
نعم، قلت: لقد ضِعنا.
في آخر الحانة
رجلٌ أسود
كان يرقصُ على إيقاع طبول
وامرأة
عارية الصدر
تقبّل شفاه
ثعبان
خِلاسي.
الثالث عشر / 14 إبريل، 2009
لا يعني هذا أنني لم أودّ، فقد نسيتُ الكلمة التي تُطلق على أيِّ ميلاد، الكذبات الصَّغيرة التّافهة التي تحتملها الحقيقة. وأعرفُ انَّهُ عاجلاً أو آجلاً أكاد أقيسُ شبه المُنحرف على ظهره كما اعتادت يداي.
لستُ مخطئاً
نسيتُ كيف كان يجعل الماء
يهبط
على منزل
ليعيد إليه نضارته.
ليس صحيحاً بالضَّرورة،
لكنّي انسجمتُ تماماً مع الصبر المملِّ
للجواميس التي تنفتح
شهيتُها حالما ترى العشب النديّ.
ولا هو ذنبي أيضاً:
سأشاهدُ فيلم حياتي خطفاً
على بعد سنتيمترات من الوجه
ونهايةٍ من حبال
هو استنزافٌ ميكانيكي كقرنفل الموت.
(الشِّعرُ الغنائي،
سيقول الشعراء
الذين يراقبون
طيران الطنَّان
ويصوِّرونه،
إلَّا أنَّهم لا يفهمون
أبداً
العَجَلة في التَّحليق نحو العدم)
الثاني عشر / 14 إبريل، 2009
تحدَّثت عدَّة مرَّات عن الهِجران لا معه، عن تشنّج الهجر العنيف أمام الإغراء، تحدَّثت عدَّة مرَّات، لكن ليس معه. عن هذه الرُّجولة النَّادرة التي ينفحُها الحزن صداقاً للهِجران، تحدثّتُ عدَّة مرَّات، لكن ليس معه. وبشكل متكرِّر - في هذا وأشياء أخرى - لا يوجد الكثير لنقوله. هو هذا البعد الذي يؤسِّسُ ما لا اسم له. لذا أفكِّر بكلِّ الجبال التي صعدتُها، والمحطَّات التي عبرتُها، والشَّجر والفاكهة وصورة الوقت المعلَّقة على البوَّابات. فجأةً ظلَّ يتأمَّلُ الّلاشيء، لكنه ينظرُ إليَّ ويقول إنَّ الشَّخصَ لو أراد، فثمّة الكثيرُ من الرحلات. أفكِّرُ في الطَّائرات، الحمولاتِ الزَّائدة، رسومِ المطارات، في الثَّلج. أدركتُ أنها موضوعاتي المتكرِّرة، لكن ليس معه.
عشرة / 14 إبريل، 2009
لكنَّني أعرفُ أن هناك سرّاً في أردافه البائسة، في نظرته البريئة الشَّبيهة بالمروج، على ركبتيه النَّحيفتين وشفافيَّة جلده. هناك أمرٌ في زاوية فمه يغضب فجأة ويتحوَّلُ إلى طحلب بحري وزجاجةٍ زرقاء. أعرف: هناك أمر ما، خطُّ ترام، قطار يسير سريعاً لثلاثة وثلاثين يوماً. سيرٌ أصم في الأرصفة والسِّكك الحديديَّة، في الهِجران الذي نسي أنَّه كان يوماً قصيدة، أكثر من أربع عشرة محطَّة. في تجارته المنسلَّة وفي الطًّحالب العائمة دون أوكسجين وأنينها العنيف عندما ترغب. أنا أعلم، كنت أشعرُ دوماً
أنَّ هناك أمراً ما.
ثمانية / 14 إبريل، 2009
ستدركُ ذلك متأخِّراً. أن تعرف المتأخِّر تماماً كما تُعرف الأشياء المُهمَّةُ دوماً: عندما تكون الحياة ذكرى فقط. عرَفنا كيف نشعر بأن ليس هناك أبداً حدود ولا وقت. (يعرّف القانون أنَّ كلَّ شيءٍ مجرَّدُ حادثة، نايٌ من الأنوار، بلاهة. لا مبالاة بأصل الهاوية) القفز من مقطورةٍ لأخرى يصلحُ في أفضل الأحوال للهبوط من القطار بكتاب بين الأيدي وأيدٍ ستُسلِّم الكتاب بجسدٍ ثانٍ.
(أن تتعلم شيئاً جديداً، حتّى لو أنَّ كلَّ شِرعةٍ أشبهُ بالمقبرة منها للمدرسة)
ثلاثة / 14 إبريل، 2009
هكذا هي الحياة: البعض يشبه الظباء والبعض الآخر النّمور. وأنا لم أحزر أبداً كيف تشكّلتُ في عينيه. إن كنت سنّ ذئب، تفَّاحةً مسلوقة أو لهباً وردياً أو سّائراً بين الغمام. أعلم على وجه اليقين، نعم، أنَّه لم يُحاول انتهاك إرادتي المُتهاوية، بل إنه شاهدني أكثر من مرَّة وأنا أستسلمُ أمام هذه الصورة التي لم تخضع للمفاجآت. كنت أتلاعب بتقليم أظفاري وأغيّر ألوانها، أجهِّز المخلب لأعترض نَفَسَهُ وأتذوّق لحم الرَّابحين. لكن في مساء ما، وبعد الأكل في الشارع وتجاهل فيلم السينما، حكى لي من مكانه:
-لا أحد يهرب.
وحدّثني عن أماكن كانت رغباتي تجهلُها، عن حوتيّاتٍ خَلَقت عرْقَه مع غبار غضاريفها. عن أحجار جيريّة حيث نقشوا أنسالهم وقصص حرير الرمال التي في ليالي العاصِفة، أنقذت شعباً دخل البحر بيته. وألمَّ بي - لاحقاً - أمرٌ يُشبه التّدهور على قطيع أسود. استيقظتُ باندفاع أول أمس محصوراً في لحظة.
اثنان / 14 إبريل، 2009
نام حيث يجب أن ينام دون قلق. كنت أعرف أنَّ اسمه قد يُلفظ ولكن قد لا يعود ليُلفظ. أردت أن أنطِقه، لكن الظَّلام أوشك.
أن ألقي بنفسي عند مَدِّه، لكنني بقيتُ بعيداً، أبعدَ من النور، حيث لا يصل حسدُ النّساء حيال جرأته، ولا هيجانُ رجال تجوَّلوا في جسده.
واحد / 14 إبريل، 2009
صارَ، نعم، استيقظَتْ كلمة جسدي المضطرب، وُلِدت صباحات وانفتحت تجاويف. وأيضاً، يقظةٌ مع جوعٍ انقلب على المائدة مُجدِّداً أعجوبة القضيب. لكن كان لديه الكثير من النّور: نور منتصف اللّيل، لننام متعبَيْن. نورٌ لبناء البيت، نورٌ لغسل الحَمَام. نورٌ في كلِّ مكان: نورٌ في الخلف، نورٌ على الصّدور القاسية، نورٌ على السَّنوات القصيرة، تحت العيون النَّظيفة. نورٌ ونور، الكثير من النُّور: نورٌ لكلِّ ساعات النَّهار واللّيل ونورٌ لكلِّ ظلٍّ. كنت أفضِّلُ التخطيط عموديّاً، أهندس إثمي ومُغامرتي.
* Luis Aguilar، شاعر ومترجم مكسيكي (1969) من ألتاميرانو، تاماوليباس. نُشر له العديد من الأعمال، منها "حمض الطرطريك" و"مفرش من الخزامى الصفراء" و"العيون المهشَّمة" و"زينة الدَّواخل" و"فاكهة الموسم وزجاج مطحون". حاز كل من الجوائز الآتية: "رودريغس برايدا" و"ليون الجديدة في الأدب" و"الفنون الأدبية لجامعة ليوم الجديدة المستقلة" و"نيكولاس جيين العالمية".
* ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة