مارتن (مرتبكاً): اذهبي إلى تلك الغرفة.
إيما، خائفةً، تركض نحو الغرفة بسرعة.
في تلك اللحظة فتح الباب وظهرت والدة مارتن.
مارتن (متفاجئاً): ماما. لماذا أنت هنا؟
ماريا: لماذا أنا هنا؟! لماذا لم ترد على هاتفك؟ كلّمتك مرتين من محطّة الباصات... لم ترد، وفهمت أنك أقفلت هاتفك. اعتقدتُ أن شيئاً ما حصل معك. أخذت تاكسي وجئت إلى هنا سريعاً.
مارتن: حسناً، الآن تأكّدت أني بخير، والآن باستطاعتك أن تذهبي إلى محطة الباصات.
ماريا: الوقت متأخّر جدّاً الآن. لقد ذهبوا. (تتّجه نحو الغرفة).
مارتن (قلقاً): انتظري... انتظري...
ماريا (لاحظت قلقه): ما المشكلة؟
صمت قصير.
ماريا (بقلق): ماذا حدث؟
مارتن: هناك...
صمت.
ماريا: من هناك؟
صمت.
مارتن: إيما.
الأم تنظر باتجاه الباب ثم ناحية مارتن.
ماريا: من إيما؟
مارتن (مرتبكاً): حبيبتي.
ماريا: حبيبتك؟ (سعيدةً) لماذا لم تخبرني بشكل مباشر؟ (تحرّك أصبعها ممازحةً) لذلك لم ترد على هاتفك؟ عرّفني عليها وسأترككما معاً. سأقضي ليلتي عند جارتي دراجيتسا... تسألني دائماً أن أذهب كي أنام عندها منذ توفّي زوجها.
مارتن: لم يكن سهلا عليها... إنها خجلة كثيراً.
ماريا (باسترخاء): ما الداعي للخوف؟ كل ما أريده هو أن أقابلها، وسوف أترككما معاً. لكن هل تعرف... عن مرضك؟
مارتن: إنها تعرف...
ماريا: شابة محترمة... إنها تحبك، بما أن لا يمثّل مشكلةً بالنسبة إليها. ما قولك الآن؟ من كان على صواب؟ أخبرتك بأن هناك شابات جميلات، المرضُ بالنسبة إليهن ليس مشكلة. قرأت في مكان ما بأن الحب يعافي المريض.
مارتن: ماما...
ماريا: صحيح، صحيح... إنه موجود حتى في الجريدة. شخص وقع في الحب بينما كان مريضاً، وهذا ساعد جسمه ليفرز بعض المواد...
مارتن: (يدق على باب الغرفة) إيما...
صمت.
إيما لا تخرج.
ماريا تلاحظ وجود علبة مشروب على الطاولة.
ماريا: وما هذا؟
مارتن: هذا لإيما.
ماريا: لكن أتمنى أنها ليست مدمنة؟
مارتن: لا، لا... اليوم يصادف عيد ميلادها لذلك احتفلنا قليلاً.
باب الغرفة يُفتح.
تعبُر إيما الخائفة التي لا تبدو مثل الشابات المحترمات.
مارتن (موجّهاً كلامه لإيما) هذه أمي... وهذه حبيبتي إيما.
تنظر إيما إلى مارتن مستغربة، ثم تمد يدها لتصافح والدته.
إيما (تمد يدها): تشرّفنا... ( تتصافح المرأتان).
ماريا: عيد ميلاد سعيد... (توجّه كلامها لمارتن) الآن، أنا أسعد أكثر من أي وقت آخر، لأنني لم أسافر. جميع صديقاتي لديهن أحفاد، والآن حان دوري ليكون لدي أحفاد. (تبتسم).
مارتن: ماما أرجوكِ.
ماريا: ماشي، ماشي... ليس ضرورياً حالياً. لكن لا تنتظروا لفترة طويلة. سوف لن أؤخّركم. ها هي الشقة لكم، سأذهب لبيت المسنّين. ستجدون متّسعاً أكثر. لقد تكّلمت كثيراً، ربما تريدون الذهاب إلى النوم. (تفتح باب الغرفة): في الخزانة هناك المزيد من الوسائد والأغطية.
إيما (تدخل الغرفة): شكراً...
ماريا: عفواً... فرصة سعيدة جدّاً أننا تقابلنا. (تهمس لمارتن): ليس مطلوباً منكما أن تستيقظا باكراً في صباح الغد. ستصير الساعة الثانية عشرة بينما أنا ودراجيستا مازلنا نشرب القهوة.
يدخل مارتن الغرفة. ماريا تقفل باب الغرفة وتحضّر نفسها لتغادر البيت.
في تلك اللحظة يرن الهاتف.
تجيب ماريا على الهاتف.
ماريا: هالو... نعم... نعم هي هنا... ماذا؟ نعم... لا أعرف، الآن... اتّصلوا غداً... نعم... (مرتبكةً) ماذا تعني: أريد أن أبدّل الزبون؟ نعم... (حماسة ماريا لعلاقة مارتن اختفت فجأةً) دقيقة واحدة... ( تذهب الى باب الغرفة وتدقّه) امرأة اسمها ليركا تريدك لأجل تغيير الزبون.
تخرج إيما من الغرفة، وتتّجه نحو التلفون.
في ذلك الوقت تنظر الأم نحوها مشكّكة.
إيما (تمسك التلفون بالقرب من أذنها): نعم... حاضر... لا... أرجوكِ، لا أستطيع أن أتحدّث الآن... ماشي، سوف أعوّضك... (صوتها راجياً) ليركا، أرجوكِ... أخبرتكِ أنني سوف أعطيكِ المال... (تضع سمّاعة الهاتف).
صمت.
ماريا تتفرّس إيما.
ماريا: حرام عليكِ يا سيدة... تحصّلين نقودك من مصائب الناس. ألا يكفيه أنه مريض... ما ينقصه الآن هو أن تعطيه واحداً من أمراضك.
مارتن (يظهر في الباب): ماما... أنا أحضرتها...
ماريا: أعرف الناس أمثالها. يأتون إلى بيوت الآخرين ويبحثون عما يسرقونه...
إيما: يا سيدتي، انتبهي إلى ما تقولينه. إذا كنت تريدين، فسأخبرك أنني مارست الجنس في شقق فاخرة أكثر من هذه الشقة، ولا أحد اتهمني بالسرقة... (تُخرج من حقيبتها بطاقتها وتعطيها لمارتن) هنا عنواني حيث أعمل، إذا رغبت تعال. إلى اللقاء.
تأخذ إيما علبة مشروبها عن الطاولة وتغادر.
صمت.
ماريا: هناك نساء أخريات أيضاً... ليس ضرورياً أن تلتقط أول عاهرة ثملة تقابلك في الشارع.
مارتن: المشكلة هي أنني جعلتها كذلك.
ماريا: مثل ماذا؟
مارتن: ثملة. عاهرة. شوارعية.
استراحة قصيرة.
ماريا: أنت؟ ما علاقتك بها؟
مارتن: ليس بها، بل بزوجها.
ماريا: آه.. جميل... إذن هذا يعني أنك تعرف زوجها. أنا مهتمّة جدّاً بأن أعرف ماذا سيقول عمّا يحصل.
مارتن: لن يقول أي شيء... بعد لقائنا، لم يعد قادرا على الكلام.
صمت.
تنظر الأم إلى ابنها دون حركة.
مارتن: نعم، فعلت تماما ما تفكّرين به.
ماريا: بسببها؟ لم أعد أفهم. بسبب تلك العاهرة؟
مارتن: ليس بسببها، لكن بسبب دافور رحمه الله... وآخرين. عندما وجدنا أجسادهم ورأينا ما فعلوه بها، فقدنا عقولنا. من بعض الفلاحين الصرب عرفنا من فعل ذلك، ومن هو رئيس التشنيك في تلك المنطقة، وقرّرنا أن نثأر. غطّينا وجوهنا بقبّعات صوفية سوداء؛ في الليل ذهبنا إلى تلك القرية التي يسيطرون عليها ووجدناه هناك في بيته مع زوجته... ذلك التشنيك كان زوجها. علّقناه من قدميه، وأبقيناه معلّقاً حتى مات. بينما كان معلّقا فعلنا بزوجته... (يتوقّف عن الكلام).
ماريا: أوه يا إلهي... والأطفال؟
مارتن: لحسن حظّهم، لم يكونوا في البيت. أرسلوهم عند أقارب بعيدين عن خطوط النار.
صمت.
مارتن: كان زوجها وحشاً حقيقياً. بينما كان معلّقاً، كان يتفاخر كالشيطان بما ذبحوه من جنودنا. لكن تلك المرأة لم تكن مذنبة أبداً... وأنا، ماما، لم أفعل شيئاً لأوقفهم... لا شيء... كل شيء أنت وأبي علّمتماه لي في تلك اللحظة صار بلا معنى.
ماريا: ولكن لماذا؟
مارتن: لا أعرف... اليوم لا أعرف... لم نكن ثملين، ولم نتعاط. ربما كنا نريد أن نثأر من ذلك الوحش الذي عندما كان معلّقاً، كان يؤجّج ثورتنا بتفاخره. بعد ذلك، أخذناه إلى الغابة، وألقيناه داخل حفرة في الأرض؛ دون علامة، بالطريقة نفسها التي فعلها مع جنودنا. أخبرنا ضاحكاً أنه سيسمّد الغابات والحقول بأجساد أصدقائنا.
صمت.
ماريا: لا أعرف كيف تستطيع أن تمارس هذا العمل بعد ذلك.
مارتن: لا أعرف. من الصعب أن أعرف منها شيئاً... أعتقد أن اسمها ليس إيما، بل روجا. هناك كلام عن أنها تزوّجت مرّة أخرى بعد سنوات قليلة، لكن ذلك الزوج علم ما فعلناه معها، وهجرها لأنه لم يستطع مسامحتها. بدأت تسكر، أخذت الخدمات الاجتماعية أولادها، وأرسلتهم إلى بيت الأطفال. وبعد ذلك، إلى بعض العائلات للوصاية عليهم... لا أعلم... عرفت فقط أن كل مشاكلها بدأت منذ ذلك اليوم.
صمت.
مارتن: في مرحلة ما، شعرت بيقين كامل. كنت أعرف أن لا أحد سيجدنا. كل شيء كان عادياً حتى بدأتُ أخاف من الأعشاب. وعندما أخبروني أنني مصاب بالسرطان، أول شيء فكرت فيه كان تلك المرأة.
ماريا: يجب أن تذهب معي إلى ماجيكوريا، وتعترف... كل شيء سيتحسن بعدها.
مارتن: فعلت.. اعترفت أكثر من مرة.
صمت.
مارتن: الكهنة المساكين لم يعرفوا ما يفعلونه لأجلي عندما عرفوا بما فعلته. أخبروني أنها خطيئة كبرى لن يسامحوني عليها، ولا يستطيعون قبول توبتي. معظهم كانوا خائفين.
ماريا: خائفون من ماذا؟
مارتن: لا أعرف... ربما هم خائفون لاعتقادهم بأنهم إذا قبلوا توبتي، سيصبحون شركاء معي. الكاهن الأخير الذي زرته أعطاني الغفران لكنني لم أصدّقه. وبعد شهرين أو ثلاثة، عندما بدأ السرطان يقضي عليّ، عرفت ما الذي ينتظرني.
ماريا: لا تقل ذلك.
صمت
مارتن: أستطيع أن أفعل شيئين فقط... أعترف وأتهم كل واحد كان معي. لكن، أخذاً بالاعتبار كم سأعيش، سيبدو ما سأفعله غير أخلاقي بحق الله. سينظر إلى الأمر على أنه مجرّد خدعة لأنني خائف من الموت. أو أستطيع أن أساعد هذه المرأة المسكينة بطريقة ما. لكن مع العلم كم سأعيش، هناك فرصة قليلة لفعل ذلك. لذلك قرّرت أن أطلب منها أن تتزوّجني.
ماريا: ماذا؟
مارتن: سمعتِني جيّداً... (ماريا صامتة) عندما أموت ستحصل على معاشي... وأنا آسف لأنه الأمر الوحيد الذي أستطيع أن أفعله لأجلها، لأكفّر عمّا فعلته.
استراحة.
مارتن: إنها مجرّد محاولة يائسة لإنقاذ الروح، لأنه لا يمكن الحفاظ على الجسم... أنا آسف كلياً لأجل تلك المرأة. لا أستطيع أن أسامح نفسي.
صمت.
ماريا: هل وافقت؟
مارتن: (يهز رأسه نافياً) صديقتها التي اتصلت بها أخبرتني أن إيما تعتقد بأنه لا ينجح لها أي زواج جديد، من دون أن تجد جسد زوجها الأول.
ماريا: هل تعرف أين هو مدفون؟
مارتن: أعرف. أنا دفنته.
يأخذ مارتن معطفه، ويستعد للمغادرة.
ماريا: هل أنت ذاهب إليها؟
مارتن: لا. إلى زوجها... لم أذهب إلى هناك منذ مدة طويلة.
يرحل مارتن.
ماريا تبقى وحدها وتراقب ابنها بنظرات قلقة.
صمت.
ظلام.
[يتبع]
* Mate Matišić كاتب كرواتي من مواليد 1965
** ترجمة عن الكرواتية أحلام بشارات وجوليا غالبينوفيتش
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (1-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (2-7)
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (3-7)